«أنا لا أدرس السينما، أنا مجرد نقطة إلهام بسيطة لمواهبهم، حيث أحررهم من سيطرة الثقافة الغربية لمساعدتهم لإيجاد الطريق لرواية قصص الآباء والأجداد، وأزرع فيهم أهمية ألا يتشبه أي منهم بأحد، وأن يبحث عن عالمه الحقيقي ليدرك أن قصص جدته وحضارته الأم أهم كثيرًا من كل ما يشاهده في التليفزيون غريبًا عن هويته، فهم أحفاد عبد الناصر، نكروما، هيلا سلاسي ومانديلا، وهم الأمل في حلم إفريقيا التي نتمناها».. كلمات قالها هايلي جريما، المخرج الإثيوبي الشهير، خلال دورات مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، الأربعة، التي شهدتها المدينة التاريخية العتيقة. هايلى جريما.. مخرج إثيوبى درس التمثيل والإخراج فى مسرح جودمان فى شيكاغو، ثم انتقل إلى جامعة كاليفورنيا لدراسة فن السينما، وبعدها درس فى جامعة هوارد بواشنطن، ومن أهم أعماله فيلم «تيزا»، و«سانكوفا»، وهو عاشق لمصر وتاريخها وحضارتها، وكان ضيفًا على مهرجان القاهرة السينمائي في دورته قبل الماضية، وأصبحت ورشه أحد أهم الفعاليات الفنية في القارة السمراء. اللقاء الأول بين المخرج الكبير والمهرجان، حمل الكثير من الدلائل على أهمية الرجل، حيث كرمته الأقصر في دورة المهرجان الأولي، نيابة عن القارة المثقلة بالهموم، ودعاه المنظمون في الدورة الثانية لإقامة ورشة لشباب السينمائيين في إفريقيا، لتتفق رؤية المهرجان والمخرج الاثيوبي الكبير علي السعي نحو هدف وحدة القارة وضرورة تجاوز الأزمات السياسية التي سببها إطلاق إثيوبيا لمشروع سد النهضة، وإعلاء قيمة «المصير المشترك» لشعوب القارة، وتبلور هذا كله في مدى الحرص من جانب المخرج الذي صار ركيزة وعلامة من علامات المهرجان، على تجاوز أزمات السياسة بالتواصل فنيا وشعبيًا. لم يكتف هايلي جريما، بتقديم خبرته الفنية الطويلة لشباب السينمائيين داخل وخارج إفريقيا، وتحديدًا في أمريكا، لكن يقدم لهم ما ينمي الوعي السياسي ليصبح ناضجاً ذي صلة بجيل الآباء المحررين لإفريقيا في ستينيات القرن المنصرم، ويقدم ما يدعم الإيمان بالهوية والثقافة الإفريقية، وبدور السينما في حفظ ذاكرة الشعوب وترسيخ الانتماء للهوية. يقول جريما إنه خاض تجربتين سابقتين لتدريس السينما للشباب الإفارقة، في ورش مفتوحة عام 1978 في موزمبيق، ثم نظم ورشا أخرى في واجادوجو عام 1985، والتقت رؤاه وأفكاره مع أسرة «الأقصر للسينما الإفريقية»، لينطلق معها في رحلة تتكرر سنويًا يلتقون فيها مع شباب القارة، يتبادلون الأفكار والخبرات، وطالما انتظر الفرصة لتقديم خبرته السينمائية للشباب الأفارقة التي أتاحها المهرجان. وأضاف المخرج الإثيوبي أنه لا يدرس السينما بالمعني التقليدي، فدراسة السينما ليست فصولاً ثابتة مثل الفيزياء أو الكيمياء، لكن دوره الكشف عن أصحاب المواهب ومساعدتهم لإدراك ذواتهم وقدرتهم على الحكي بعدسة السينما، مؤكدا أن السينمائي الموهوب يولد راويا للقصص بالفطرة، وتكون مهمة الدراسة إبراز هذه القدرة فقط. وتابع المخرج الإفريقي أنه يعتبر نفسه مجرد نقطة إلهام بسيطة للشباب هواة السينما، وفي المقابل تمنحه الورشة وزخم أفكار الشباب، الكثير من الإلهام، حتي أنه يجد نفسه يكتب سيناريوهات يوميًا، خلال فترة الورشة. وينبه جريما الشباب الأفارقة إلى ما يستهدفهم من غزو ثقافي، قائلا إنهم ليسوا أوعية فارغة لتمتلئ بالثقافة الغربية الأوروأمريكية، كما يريدون لها، ويوصي الشباب باللجوء إلى ثقافتهم الإفريقية لينحازوا إلى حاضر وماضي شعوبهم، مؤكدًا أنهم يجدون في حكايات الأجداد، وأجداد الأجداد كنزًا ثمينا من الحكايات ليروونها بالسينما، فهم ورثة هذه الحكايات المخزونة في جينات كل إفريقي. أوضح جريما أنه يعتبر هذه الورش فرصة مهمة في تاريخه، بل من أهم وأفضل ما قام به في حياته، «عندما تري هؤلاء الشباب الشغوفين بالسينما، رغم وجودهم في بلاد تعاني ظروفًا صعبة ولا تتوفر بها دور للعرض أو السينما المستقلة، لكنه من المدهش أن يكونوا هم مستقبل لصناع السينما الإفريقية المشغولة بقضاياها الحقيقية والمنحازة إلى شعوبها». وتقدم للورشة هذا العام 100 شخص، اختير منهم العدد المحدد سلفا «20 شابا وفتاة» من مختلف دول القارة، ويساعده فى الورشة المخرجان الإفريقيان الإثيوبي أمبيسا جير برهى، ومن إريتريا جيزاو تسفاى، فجريما له مدرسته الخاصة فى الإخراج. تبدأ الورشة سنويا قبل بداية المهرجان وينتج المتدربون في ختامها مجموعة من الأفلام القصيرة جدًا، وضمت هذه الدورة 6 من مصر، ويتشاركون مع أعضاء الورشة تطوير مشاريعهم والكتابة والتمثيل وإعدادها للتصوير ثم المونتاج والمكساج والإعداد الموسيقى والصوتى، قدم المشاركون هذه الدورة 15 فيلمًا قصيرًا، عرضت في حفل ختام المهرجان وتنوعت موضوعاتها ومداها الزمني، حيث تتراوح بين الدقيقة والعشرة دقائق.