شكل ارتفاع قيمة الدولار أمام الجنيه بشكل ملحوظ في القترة الأخيرة، ضربة اقتصادية قاسية للدولة، ترتب عليها خفض الواردات المصرية، والاتجاه إلى تشجيع الاستثمار، وتعويم الجنيه بشكل مبدئي، ورغم موجة القلق التي سادت الشارع المصري؛ خوفًا من ارتفاع الأسعار، إلَّا أن خبراء الاقتصاد والمحللين الماليين رأوا أن مصر لن تصل لمرحلة الفقر المدقع؛ لأننا دولة جاذبة للاستثمار بشتى أنواعه سواء في مجال السياحة أو التجارة أو الصناعة أو الزراعة، وعليه اتجهت «البديل» إلى دراسة حركة الاستثمار في مصر وإلقاء الضوء على أبرز الفرص الاستثمارية المهدرة في السوق، وعرض آليات الاستفادة منها، بجانب تناول قضايا العمال وكيفية حسمها. المنيا.. روتين يهدر فرص استثمارية بالملايين الاستثمار التعديني تمتلك محافظة المنيا ثروات محجرية هائلة بقطاع الاستثمار التعديني، حيث تضم 23 ألف فدان غير مستغلة، وتشغل ألفًا و71 فدانًا في صناعة مواد البناء، مما يهدر قيمتها الطبية والكيميائية والصناعية، حيث تبلغ نسبة كربونات الكالسيون 98%، وهي أفضل أنواع الحجارة البيضاء على مستوى العالم، فيما قال دكتور محمد عبد الفتاح، مدير المحاجر: إن الحجر الجيري يقع على مساحة 60 كم طول، و20 كم عرض، وهي مساحة مستغلة في أغراض البناء، في حين أن الحجر الجيري له استخدامات طبية وكيميائية؛ لأنه يدخل في صناعات الدواء، والغذاء، والزجاج، والورق، والأسمنت الأبيض والأعلاف، كما يستخدم الحجر الطفلي في صناعة الأسمنت الرمادي، والجيري الدولوميتي الصلب المستخدم كأحجار للزينة. وأضاف مصدر بإدارة المحاجر أن هناك أكثر من 340 محجرًا غير مرخص، وهو وجه آخر لإهدار الثروة والمال العام، موضحًا أن قيمة مخالفات عدم سداد الرسوم الضريبية للمحاجر المخالفة تجاوزت 43 مليونًا. السياحة تأتي المنيا في الترتيب بالمركز الثالث أثريًّا، إلَّا أن السياحة قطاع يشهد غيابًا تامًا خلال السنوات الأخيرة، وقال مسؤول شعبة السياحة بالغرفة التجارية بالمنيا، صلاح البدري: إن المنيا تحتاج إلى جبهة إنقاذ للسياحة. ورصدت »البديل«إهمال وإغفال مواقع أثرية أبرزها مدينة «البهنسا» التي تلاحقها تعديات البناء وغياب الخدمات، وكذلك منطقة «حبنو الفرعونية» التي لا يعرف أبناء المحافظة شيئًا عنها، رغم كونها أقدم الآثار المصرية، فتضم هرمًا هو الأقدم، إضافة للمقابر والمصانع الفرعونية، كما توجد قرى أثرية كقرية الأشمونين والشيخ عبادة، وعرب الشيخ محمد وصندفا، تظل خارج الخريطة السياحية. وقال محمود النبراوي، مدير عام سابق بإدارة السياحة بالمنيا: إن معوقات السياحة بالمحافظة تتلخص في افتقارها للطرق الملائمة المؤدية للمناطق الأثرية والسياحية شرقًا وغربًا، وشبكة المواصلات، كما تفتقر لعامل التسويق السياحي، واللوحات الإرشادية. واقترح النبراوي حلولًا تلك المشكلات، منها طرح كتيبات ومطبوعات جديدة تتضمن خرائط وصورًا ونبذة عن كل موقع أثري، بالإضافة إلى إحلال وتجديد المراسي النيلية التي تعرضت للإطماء، وكذلك الاستراحات السياحية والأثرية، بجانب الاهتمام بالمناسبات والمواسم السياحية، وإنشاء 2700 غرفة سياحية لكون المنيا تضم 300 فقط، ومن المفترض أن تحوي 3 آلاف غرفة. واقترح صلاح البدري، رئيس شعبة السياحة بالغرفة التجارية، تشغيل مطار المنيا المدني، وتوفير الخدمات بالمواقع السياحية والأثرية، وإقامة معرض دولي و«بازارات»، وتبني رؤية لإنشاء مدن سياحية. الاستثمار الزراعي وفي مجال الأراضي الصحراوية، تسيطر مجموعات من البلطجية، على معظم أراضي الظهير الصحراوي، في حين تقدم أكاديميون وخبراء ومستثمرون بعدة مشروعات لزراعة بعض أنواع المحاصيل التي تدر دخلًا طائلًا، وتعتمد على مياه الآبار والصرف الصحي، فقال رئيس اتحاد الفلاحين بالمنيا، عماد عبيد: إنه يتوجب على الدولة تحرير تلك الأراضي من يد البلطجية، وبدء مشروعات زراعية كبرى لزراعة محاصيل مثل الجوجوبا. وبحسب وائل قطب، رئيس شعبة الاستثمار بالمنيا: اشتكى مستثمرون من تعسف الحكومة في تمليكهم الأراضي، مما جعلهم عرضة للبلطجة والاستيلاء على أراضيهم، أو إجبارهم على دفع إتاوات؛ تجنبا لوضع اليد. الاستثمار الصناعي ويظل قطاع الاستثمار الصناعي يعاني انهيار المرافق، والخدمات، والبيروقراطية الإدارية وما تقتضيه من كثرة القيود الإجرائية، بالإضافة إلى إغلاق قرابة مائة مصنع بالمدينة الصناعية، وصدأ معدات وماكينات المصانع، رغم إنشاء المدينة على مساحة 6.3 مليون متر، وإنفاق المليارات عليها. وباعتراف المهندس أحمد فؤاد، رئيس جهاز المنطقة الصناعية بالمنيا، تظل المناطق الصناعية مهملة منذ 11 عامًا، من بينها منطقة منشأة على مساحة 360 مليون فدان و200 ألف متر غير موجودة على أرض الواقع، مما جعلها عرضة لوضع اليد، وعول على إصدار وزارة البيئة قرارًا بدفع المستثمر مصاريف مضافة، في الحصول على الموافقة، معتبرًا أن القرار ضرب الاستثمار في مقتل. وأضاف فؤاد أن تحكم قرابة 14 هيئة في عملية توزيع الأراضي على المستثمرين أهم معوقات الاستثمار، وذكر أن منطقة المطاهرة بها أكثر من 300 مصنع لم تبدأ حتى الآن عملها بسبب الروتين. وقال المهندس أحمد سعد، مسؤول جمعية المستثمرين بالمنيا: إن قرابة مائة مصنع كلفوا الدولة ملايين طائلة، وتوقفوا عن العمل بسبب الروتين، وعدم توفير البنية التحتية، وتعثر المستثمرين، وفرض إتاوات من قِبَل البلطجية على أصحاب المصانع، كما توجد مصانع وهمية لم تتخذ إجراءات بشأنها. في الوقت ذاته، يظل مصنع خليج الأقطان متوقفًا منذ 8 أعوام، رغم حاجته إلى أعمال صيانة بسيطة لبعض الآلات، وصدر قرار من البنك بتصفية العمالة وتسريحها، وبيع المعدات كخردة، رغم صلاحيتها للعمل. واقترح وائل قطب، رئيس شعبة الاستثمار، افتتاح مجموعة خدمات بالغرفة التجارية للقضاء على كثرة القيود الإجرائية، على أن تبدأ باستخراج مستندات ملكية الأراضي، ومخاطبة الجهات المختتصة، والبت في صلاحية إقامة المشروع من عدمه، وتوفير خدمات البنية التحتية. وأوصى شمس الدين نور الدين، عضو جمعية رجال أعمال بأسيوط، بوضع جداول للمشروعات، وإعداد قاعدة بيانات شاملة للفرص والمناطق الاستثمارية والصناعية بالمحافظة، مع تفعيل نظام الشباك الواحد لإنهاء الإجراءات. بورسعيد.. ثروة مهدرة وفرصة لرفع كفاءة قناة السويس تعتبر مدينة بورسعيد فرصة الاستثمار الأهم لمصر، فالمحافظة تقع عند المدخل الشمالي لقناة السويس وتطل على البحر الأحمر، وتضم ميناء من أهم موانئ العالم. ومن ضمن فرص الاستثمار المهدرة بالمحافظة، مشروع تسمين الماشية والألبان، حيث يستهدف المشروع 63 ألف رأس ماشية، كما أنه مقترح إقامة ثلاثة مجازر آلية، والعديد من المصانع القائمة على تعبئة اللحوم وإنتاج الجلود ومصانع الغراء ومصانع منتجات الألبان والمحالب الآلية. ورغم افتتاح مطار بورسعيد بتاريخ 19 سبتمبر 2011، إلَّا أنه لم يستخدم في استقبال وإقلاع الطائرات في موسم الحج والعمرة، مما حرم المحافظة من أثر كبير في تنشيط السياحة الداخلية، من خلال وفود المحافظات المجاورة لتوديع واستقبال الحجاج والعمار. المنطقة اللوجيستية بالغربية.. حبر على ورق يواجه مشروع «المنطقة اللوجيستية» التي أعلن عن إقامتها على مساحة 85 فدانًا على طريق طنطا/ قطور، عدة مشكلات، أدت إلى توقف تنفيذ المشروع بعد فشل المسؤولين في تغطية بعض المسطحات المائية الموجودة أمام المنطقة، والبطء في رفع كفاءة الطريق لتسيير الحركة المرورية للسيارات وعدم استكمال تنفيذ أعمال شبكات المرافق، وتتكون المنطقة اللوجيستية من مول تجاري إقليمي ومساحة لوجيستية تضم مخازن ومحلات وغيرها، ومساحة أوتو زون لخدمة وصيانة السيارات وفندق ملحق به نادى اجتماعي. كما توقف العمل بالمدينة الصناعية بقرية «كتامة» التابعة لمركز بسيون، التي تعد من أهم قرى الغربية في صناعة الأثاث والموبليا، بعد اعتراض أصحاب الورش والعمال بالقرية على تحويل المدينة الصناعية من مشروع خدمى يخدم أهالي القرية إلى مشروع استثماري لخدمة رجال الأعمال وأصحاب رأس المال، بعد طرح محلات وورش المدينة في مزاد علني، والسماح بدخول المزاد لمواطنين من خارج القرية بل المحافظة، مما دعا الأهالي إلى الاعتراض والتجمهر، واضطر مسؤولو المحافظة إلى إلغاء المزاد ووقف تنفيذ المشروع حتى الآن. وقال إبراهيم سالم، ومحمد محسون وشوقي العيارى، أصحاب ورش أثاث: القرية تضم أكثر من ألفي ورشة نجارة ونحو ألف معرض للأثاث والموبيليا، ويعمل بها أكثر من 15 ألف عامل، وتشهد حاليًا حالة من الركود؛ بسبب رفض الحكومة دعمهم، كما أن المسؤولين أكدوا منذ أعوام خطة تطوير الأداء الحرفي بالقرية، وإقامة مشروع المدينة الصناعية، ولم يتم شيء حتى الآن. وأكد حسين محمود، أحد أصحاب مصانع الغزل والنسيج بالمحلة، أن إعلان المحافظة عن إنشاء مدينة صناعية على مساحة 34 فدانًا، تابعة لهيئة التنمية الصناعية كلام للاستهلاك المحلي ومجرد مسكنات، مبينًا أن منطقة الصناعات النسيجية مشروع وهمي، يروج له محافظ الغربية ورئيس مجلس المدينة والمهندس حمزة أبو الفتح المفوض العام لشركة غزل المحلة وعدد من أعضاء مجلس النواب. في السياق ذاته، قال الدكتور محمد سامي عبد الجابر، أستاذ إدارة الأعمال بكلية التجارة جامعة طنطا: توقف المشروعات الاستثمارية بالغربية يرجع إلى عدم توافر اعتمادات مالية، مثل مشروع المول التجاري بمدخل مدينة طنطا والمشروع السياحي المتوقف بأرض البوريفاج، بخلاف توقف العديد من المشروعات الصناعية والحرفية، مثل مشروع كتامة لصناعة الأثاث ببسيون، مؤكدًا أن توقف هذه المشروعات يتسبب في زيادة نسبة البطالة بالمحافظة.