فيما يشهد لبنان أزمة الشغورالرئاسي والنفايات المتراكمة، أطلت أزمة جديدة على لبنان خلال الأيام القليلة الماضية، وهي شبكات الإنترنت غير الشرعية، حيث كشفت تقارير عن تجسس الكيان الصهيوني على أغلب مؤسسات الدولة اللبنانية عبر الإنترنت؛ مما أثار جدلًا واسعًا في لبنان، لا سيما وأن هذا الأمر له أبعاد خطيرة على سيادة وأمن لبنان. وبدأت هذه القضية تأخذ طريقها للتفاعل على أعلى المستويات في لبنان، بعدما أظهرت المعلومات أن شبكة الإنترنت التي يستخدمها قطاع عريض من اللبنانين غير شرعية، وتم إقامتها منذ فترة في عملية تجسس كبيرة من قِبَل شركات إسرائيلية، من خلال استعمال شبكات متنقلة هوائيًّا من قبرصوتركيا، كما أعلنت لجنة الاتصالات النيابية في وقت سابق أن هذه الشبكة غير الشرعية هي موازية لشبكة الدولة اللبنانية، وتشغلها جهات وأفراد. بدأ الأمر بالكشف عن أن هناك أعمدة شاهقة وأجهزة تقنية زُرِعت بطريقة غير شرعية في بعض المناطق اللبنانية، منها جرود تنورين وجرود الضنية، وزادت خطورته بعدما كشفت معلومات عن استخدام القصر الجمهوري ومجلس النواب ودوائر في الجيش اللبناني شبكات الإنترنت دون خضوعها إلى أي رقابة أو ضوابط، وهو الأمر الذي يدفع إلى التساؤل عن حجم الأضرار المترتبة على الاختراق الذي تعرضت لها هذه المقار. الأضرار على لبنان أرجع المراقبون اللبنانيون الأضرار إلى عدة مخاطر، أبرزها حصول خرق أمني مخابراتي لخدمات الإنترنت غير الشرعية وغير المرخصة، باعتبارها تفتقر إلى أدنى مقومات الحصانة ومعايير الرقابة؛ ما يؤدي إلى انكشاف أمن اللبنانيين وبياناتهم أمام جهات خارجية، بينها الكيان الصهيوني. ومن الأضرار الأخري التي يستفيد منها القائمون على هذه العملية ضرب الاقتصاد اللبناني، حيث تُعَدُّ شبكات الإنترنت الحكومية من أهم موارد الدولة؛ ولذلك فإن استخدام هذه الشبكات الموازية يهدر الأموال على خزينة الدولة اللبنانية المهددة بالإفلاس. وتشير التقديرات المتداولة في هذا السياق إلى أن تهريب خدمات الإنترنت من خارج الأطر الشرعية والقانونية يكلف الخزينة ما يزيد على مليوني دولار شهريًّا، كما يؤكد المراقبون أن هذه الشركات غير الشرعية تستهدف الشركات المرخصة؛ لانعدام التكافؤ والتوازن في شروط المنافسة. ويأتي الخطر البارز على خلفية مسؤولية جهات حكومية في هذه القضية، لا سيما وأن لدى جهات في الدولة تجهيزات لرصد ذبذبات أي معدات لا تسلك الطرق الشرعية، ما سمح لها بتفكيك شبكات تعامل مع إسرائيل وضبط خلايا للإرهاب التكفيري قبل ذلك، الأمر الذي يطرح التساؤل: هل هذه الشبكة كانت تعمل دون أن يلتقطها رادار المراقبة، أم أن هناك من كان يتعمد عدم التعرض لها؟ وما هي أسباب تجاهل وجود مثل هذه الشركات أو الجهل بها، رغم أنه مضى على ولادة بعضها قرابة سبع سنوات؟ وعلى ضوء ما سبق طالب مراقبون أمنيون بجدية التحقيقات وسرعتها، من حيث ملاحقة كل المتورطين في هذا الملف، وعدم مراعاة أي حصانة لهم، فالدولة اللبنانية معنية في الوقت الراهن بتحرير فضائها من الاحتلال الإسرائيلي المتسرب سرقةإلى الداخل اللبناني عبر أطباق شركات الإنترنت المخالفة للقانون. ووصف وزير الاتصالات بطرس حرب في مؤتمر صحفي الشبكة بأنها واحدة من أخطر الاعتداءات على السيادة الوطنية وحقوق المواطنين وحق الدولة اللبنانية في ضبط حصرية مرافقها العامة؛ لأنها تمس الأمنين الاقتصادي والقومي للبنان، كما تمس أمن المعلومات الخاصة والشخصية للمواطنين. وأكد أن المنشآت التي اكتشفت تشكل معابر وبوابات دولية للاتصالات وللإنترنت، متصلة بعضها ببعض، ومتصلة أيضًا بمشغلين في دول أجنبية مجاورة (تركياقبرص)، تقوم بدور الوسيط مع دول أخرى، مشيرًا إلى أن هذه البوابات تقوم بتمرير الاتصالات الدولية، وحركة معلومات الإنترنت ونقل المعلومات من لبنان وإليها، عبر مسارات وأنظمة خارجة عن معرفة ومراقبة السلطات اللبنانية المعنية، معرّضة مضمون هذه الاتصالات والمعلومات المنقولة لمخاطر وقوعها في أيادٍ عدوة للبنان، أو لدى جهات راغبة في إلحاق الضرر بلبنان، مشيرًا إلى أنه أجرى اتصالات بالسفارتين التركية والقبرصية؛ لإبلاغهما بالأمر، مطالبًا بمؤازرة لبنان في وقف الاعتداء على سيادتها عبرهما ومكافحة القرصنة الحاصلة، وفي كشف ملابساتها والحيلولة دون استمرارها. تحركات على المستوى الدولي يتزامن الكشف عن قضية التجسس الخطيرة مع ما تحضره السلطات اللبنانية من ملف كامل للاحتجاج لدى اليونيفل (قوة الأممالمتحدة المؤقتة في لبنان) على قيام إسرائيل بالعديد من الانتهاكات، ومنها قضايا التجسس، ومن ناحية أخرى أحبط الجيش اللبناني محاولة إسرائيلية جديدة للتجسس على لبنان من خلال اكتشافه جهاز تجسس مزروعًا في علبة سوداء شرق بلدة مركبا وقرب مهبط للمروحيات، كما سبق هذا الانتهاك الإسرائيلي خرق آخر، تَمثَّل في قيام دورية للجيش الإسرائيلي بفتح بوابة الحديد الغربية لمستعمرة مسكاف، واجتياز الطريق الى خارج السياج في منطقة متحفظ عليها لبنانيًّا، ما يؤكد خرق الكيان للقرار 1701، لذلك يعمل الجيش اللبناني على تقديم مسح شامل ما بين العامين 2008 و2015 والأجهزة التي زرعتها إسرائيل؛ بهدف التجسس على الحدود والداخل اللبناني، التي اعترف بزرعها الجانب الإسرائيلي لأسباب مخابراتية؛ مما يعد مخالفة صريحة للقانون الدولي.