تدهورت علاقات الاتحاد الأوروبي مع عدد من الدول العربية الكبرى مؤخرًا، فبدءًا من الجزائر التي توترت علاقتها بالاتحاد؛ بسبب أمور جمركية وتأجيل اتفاقيات موقعة من المفترض أن تدخل حيز التنفيذ منذ فترة، مرورًا بقرار المغرب قطع علاقته بالاتحاد على خلفية أزمة الصحراء، وصولًا إلى الأزمة الدبلوماسية الأخيرة بين مصر والاتحاد على خلفية توصيات البرلمان الأوروبي حيال القاهرة؛ بسبب مقتل الشاب الإيطالي ريجيني وقضايا حقوق الإنسان. توتر العلاقات العربية مع الاتحاد الأوروبي يصب في مصلحة روسيا التي لديها خلافات عميقة مع الاتحاد منذ فترة خاصة بعد الأزمة الأوكرانية، فضلًا عن تحركات الاتحاد العسكرية مع أمريكا على الحدود الروسية التي تستفز موسكو، كما أن هناك تباين واضح بين الجانبين في القضايا التي تهم منطقة الشرق الأوسط. الجزائر ظهرت بوادر توتر العلاقات بين الجزائر والاتحاد الأوروبي خلال الشهر الماضي، لاسيما بعدما دخل اتفاق الشراكة بين الجانبين في نفق مظلم لعدم تحقيق أهدافه، الأمر الذي وصل إلى حد الإعلان عن تعليق الاتفاقية وقطع العلاقات التجارية بين الجانبين. وفي هذا السياق، قال وزير التجارة الجزائري، بختى بلعايب، أواخر الشهر الماضي، إن الاتفاقية المبرمة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي عام 2005 لم تحقّق الأهداف المرجوة في ظل الاستثمار الأوروبي الجزائري، وهو ما توصّلت إليه بعد تقييم 10 سنوات من الشراكة، الأمر الذي دفع الحكومة إلى مراجعة نص الاتفاقية. وأرجع المراقبون هذا الأمر إلى الخسارة التي تكبدتها الجزائر التي وصلت إلى 8 ملايين دولار منذ دخول اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي حيز التطبيق، حيث يستحوذ الأخير على 50 % من التجارة الخارجية الجزائرية، مقابل نسبة ضئيلة من الاستثمارات الجزائرية الموجهة نحو الاتحاد الأوروبي. على الجانب الأخر يأتي توتر العلاقات الاقتصادية الجزائرية مع الاتحاد الأوروبي لصالح روسيا، التي يبدو أنها تحاول استغلال كل الفرص لتفويض نفوذ المحور المعادي لها سياسيا، فلم يمضِ أكثر من أسبوع على ظهور بوادر انفجار في العلاقات بين الجزائر والاتحاد الأوروبي حتى توجه وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، إلى الجزائر مؤكدًا وجود آفاق تعاون اقتصادي وتجاري جيدة بين البلدين، داعيا إلى تكثيف أشغال اللجنة الحكومية المشتركة حول التعاون الاقتصادي والتجاري. المغرب بدأت الأزمة الدبوماسية بين المغرب والاتحاد الأوروبي، بعد تعليق المملكة الاتصال مع بروكسل على خلفية قرار قضائي ابتدائي ضد اتفاق مغربي أوروبي، يقضي بألا يشمل الاتفاق منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها، وهو ما دفع الملك المغربي محمد السادس إلى التوجه نحو موسكو في زيارة رسمية اليوم الأحد. وسيجري الملك المغربي محادثات رسمية مع فلاديمير بوتين، كما سيتم توقيع مجموعة من الاتفاقيات الثنائية، وبحسب الديوان الملكي المغربي، فإن الزيارة تأتي في سياق تعزيز الشراكة الاستراتيجية التي تجمع الرباطوموسكو. ويرى مراقبون أن هناك أهداف مشتركة بين موسكووالرباط يسعيان لتحقيقها في هذه الزيارة، أولها إثبات المغرب أنها تعتمد سياسية المحاور المتعددة في الدبلوماسية، عبر تنويع الشركاء، والبحث عن حلفاء جدد وعدم اقتصار التعاون على الاتحاد الأوروبي، من جانب آخر تستغل روسيا سوء العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب للإعراب عن رغبتها في زيادة التعاون مع الرباط. مصر امتدت الخلافات بين الاتحاد الأوروبي والدول العربية لتشمل مصر، على خلفية انتقاد البرلمان الأوروبي أوضاع حقوق الإنسان في البلاد. وردا على البيان الأوروبي، أعربت وزارة الخارجية المصرية عن رفضها لما وصفته بإقحام قضية مقتل الطالب الإيطالي، جوليو ريجيني، في القرار المتعلق بأوضاع حقوق الإنسان في مصر، معتبرة أن ذلك يحمل إيحاءات مرفوضة ويستبق عمليات التحقيق الجارية. وكان صوت معظم أعضاء البرلمان الأوروبي لصالح قرار يندد بتعذيب وقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، وحث البرلمان دول الاتحاد الأوروبي ال28 على التمسك بقواعد الاتحاد، فيما يتعلق بقواعد تصدير التكنولوجيا العسكرية، ومعدات المراقبة إلى مصر، الأمر الذي أغضب الإدارة المصرية. وصلت الأزمة بين القاهرة والاتحاد الأوروبي إلى مطالبة الكثير من السياسيين والإعلاميين بقطع العلاقات مع الاتحاد اقتصاديا ودبلوماسيا على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يعد الشريك التجاري الأول لمصر. وفي الإطار ذاته، توجه سامح شكري، وزير الخارجية المصري، إلى روسيا في نفس توقيت الأزمة مع أوروبا، وهو الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات حول مستقبل علاقات الاتحاد الأوروبي مع القاهرة. وعلى ضوء ما سبق، تسعى روسيا لاستقطاب الدول العربية اقتصاديا في محاولة لتوسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط التي أصبحت أكثر اشتعالا من أي وقت مضي، بهدف توجيه ضربات قاسية إلى الاتحاد الأوروبي وحليفته الأمريكية بعد تعزيز التعاون مع المغرب والجزائر ومصر في ظل أزمات تلك الدول مع أوروبا.