تتصادف خلال هذا الشهر ذكرى هامة، تُعيد إلى الأذهان قوة العلاقات المصرية الإفريقية التي صنعها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. ففي 28 مارس عام 1969 خلال ذروة الصراع العربي الإسرائيلي، وبعد عامين من نكسة 1967، أعلنت إسرائيل عزمها التنقيب عن البترول في سيناء، وقامت بالفعل باستئجار حفار أمريكي لاستخدامه في التنقيب بخليج السويس، وبدا واضحًا للجميع أن شراء هذا الحفار له أغراض اقتصادية وسياسية في ذات الوقت، وكانت إسرائيل في حاجة إلى البترول في ذلك الوقت، بالإضافة إلى أن الحفار سيدعم خططها في محاولات إظهار مصر أمام العالم بمظهر العاجز عن حماية أرضه وموارده الطبيعية، والضغط عليها من ناحية أخرى لتتخلى عن دورها الريادي في مناصرة القضية الفلسطينية. وصلت حينها المعلومات إلي المخابرات الحربية المصرية بوجود حفار بالفعل واسمه "كينتنج 1″، وأنه يعبر المحيط الأطلنطي في طريقه للساحل الغربي لإفريقيا؛ ليتوقف في أحد موانيها للتزود بالوقود، ثم يتخذ طريقه إلى الجنوب؛ ليدور حول القارة الإفريقية، ويتجه إلى البحر الأحمر ثم خليج السويس. قرر عبد الناصر تدمير الحفار قبل وصوله إلى خليج السويس أيًّا كان الثمن وبأية وسيلة، لذا كان لا بد من التحرك الفوري لمعرفة الميناء الذي سيتجه إليه الحفار للعثور عليه وتدميره، وكان العائق أن تدمير الحفار سيثير أزمات سياسية مع أكثر من دولة؛ فالحفار صناعة إنجليزية، وتملكه شركة أمريكية، واستأجرته إسرائيل، وتقوم بسحبه في مياه المحيط قاطرة هولندية، والمفترض أن يتم تدميره في ميناء إفريقي. وهنا تبادرت إلى الأذهان عدة أسئلة: ماذا كان يفعل ناصر لو لم يكن قد أقام علاقات قوية مع دول القارة الإفريقية؟، وكيف سيكون قراره بتدمير الحفار في هذا الوقت؟ لقد لعبت علاقات ناصر مع السنغال دورًا بارزًا في عملية تدمير الحفار، حيث أقام علاقات دبلوماسية مع السنغال فور استقلالها 4/4/1960، وكانت جمهورية مصر العربية ثانى دولة تعترف باستقلال السنغال. توصلت معلومات القاهرة في ذلك الوقت إلى أن الحفار سيتوقف بميناء "دكار" في السنغال لأجل التزود بالوقود، وبالفعل نجحت مصر في تدمير الحفار الإسرائيلي بالميناء السنغالي، دون أن يعلم أحد أن مصر هي التي دمرته، وتم تكريم القائمين على هذا النصر بعدها من قِبَل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وتظل القارة الإفريقية هي المدخل الرئيسي لمصر ونقطة قوتها وضعفها في ذات الوقت، وإن كانت إسرائيل والولايات المتحدة قد فشلتا في استغلال إفريقيا لضرب مصر قديمًا؛ بسبب متانة وقوة العلاقات المصرية الإفريقية خلال عهد عبد الناصر، فما زالت المحاولات مستمرة، لكن بشكل آخر، كدعم وتمويل المشاريع في بعض الدول الإفريقية والتي ستؤثر على مصر سلبًا.