لا ألوم الصهيوني عندما يرى حزب الله إرهابيا! فقد وجد الحزب ليرهبه! وأنجز ما وجد لأجله! ولا أعجب من بيان وزراء الخارجية ثم الداخلية العرب الذي حذا حذو الصهاينة! إذ فقدت الجامعة العربية بوصلتها وقيمتها بوفاة الزعيم "جمال عبد الناصر"! وأخذت تتدنى في دركات الهوان! ولا يفاجئني بيان مجلس التعاون/التهاون الخليجي في 2 مارس/آذار 2016م، معلنا حزب الله منظمة إرهابية! فمجلس التعاون مرتهن سلفا لإرادة السعودية! حتى سلطنة عمان التي كانت تنأى بنفسها أحيانا عن المقامرات السعودية لم تفعل هذه المرة! كذلك لا تدهشني أقلام لبنانية ومصرية وعربية من "المؤلفة جيوبهم والمسعودة قلوبهم"! عندما ترغي وتزبد في خلفية المشهد! وتسأل بوقاحة؛ ولماذا لا تعتبرون حزب الله إرهابيا مادمتم تصرون على اعتبار الجماعات المسلحة في سورية إرهابا؟ وهذا سؤال يعرف من يطرحه الإجابة جيدا، لكن بعض من يسمعه فيردده لا يعرف! وهذا ما يهمني! يهمني ترديد بعض الجماهير العربية لأسئلة وعبارات هؤلاء على غير بينة، وبغير استيعاب للواقع العربي عامة واللبناني خاصة! وما كنت أحسب أن أجدني مضطرا بعد عقد كامل من حرب تموز 2006م أن أكتب مقالا لأعرف فيه المعرف وأوضح فيه لون الشمس في كبد السماء! لكن ما أصادفه من تلبيس أباليس البشر للحق بالباطل على ألسنة شعوبنا يضطرني اليوم لأكتب! لماذا لا تحتكر الدولة في لبنان القوة المسلحة كبقية دول العالم؟ استقر في الأعراف والقوانين الدولية مبدأ احتكار الدولة للعنف المشروع منذ القرن السابع عشر، وكتب عنه "توماس هوبس" للمرة الأولى في 1651م، وازداد وضوحا بكتابات عالم الاجتماع الألماني "ماكس ويبر" في كتابه "امتهان السياسة"! لكن "ويبر" نفسه كتب عن حالات الدفاع عن النفس، وحالات حيازة السلاح بموافقة الدولة كاستثناء! وهنا تكمن خصوصية حزب الله في الحالة اللبنانية! والتي تشبه خصوصية حركة فرنسا الحرة بقيادة "شارل ديجول"، وإن افتقرت "فرنسا الحرة" لموافقة ودعم الدولة الفرنسية الممثلة في حكومة فيتشي المستسلمة للألمان، بينما تمتع حزب الله دائما باعتراف وموافقة الدولة اللبنانية! بعد عامين من الاستقلال، وفي 1 أغسطس/آب 1945م سلمت فرنسا الجيش اللبناني (3000 مقاتل بذاك الوقت) بقيادة الجنرال "فؤاد شهاب" (رئيس الجمهورية فيما بعد) للدولة اللبنانية، وقد خاضت وحدة لبنانية معركة مشرفة في المالكية ضد العدو الصهيوني خلال حرب النكبة 1948م، ولكن سيطرت على السياسة اللبنانية بعد ذلك فكرة "قوة لبنان في ضعفه" وشعار "سويسرا العرب" لعدة عقود، فلم يتم تطوير الجيش اللبناني عددا وعتادا إلا قليلا! وفاتهم أن لبنان يقع بقلب الشرق العربي الملتهب وليس بقلب أوروبا! ما أدى لنظرة عامة للجيش اللبناني بوصفه قوات أمنية لحفظ النظام أكثر منها عسكرية لحفظ التراب الوطني والحدود! وربما ساعد انشغال الكيان الصهيوني بالجبهة السورية شمالا والجبهة المصرية جنوبا على عدم انكشاف تبعات تلك الاستراتيجية الفاشلة لأمن لبنان القومي فورا! حتى خرجت مصر من الصراع رسميا بزيارة "السادات" للقدس في نوفمبر/ تشرين ثاني 1977م، ليكتشف الشعب اللبناني بعد خمسة أشهر فقط فاجعة الخلل في موازين القوة مع العدو الصهيوني! عندما جرت عملية الليطاني واحتلت إسرائيل جنوبلبنان في 14 مارس/آذار 1978م! لتدعم وجود ميليشيا جيش لبنانالجنوبي، والتي تشكلت في مرجعيون بقيادة الرائد في الجيش اللبناني "سعد حداد" اعتبارا من 1976م، من قوات منشقة عن الجيش وقوات مرتزقة، بذريعة التصدي للمسلحين الفلسطينيين في جنوبلبنان! وقد ضمنت إسرائيل أمن الحدود بتلك الميليشيا عندما انسحبت وفق قرارات مجلس الأمن، قبل أن تجتاح لبنان كله في 1982م، لتصبح معضلة الأمن القومي حاضرة بذهن كل لبناني، فقد كان الاجتياح رغم المقاومة الباسلة لبعض الفصائل اللبنانية درسا مريرا في سرعته ومحدودية خسائر الصهاينة فيه! من رحم تلك الحقيقة المريرة تأسست المقاومة اللبنانية التي تبلورت لاحقا باسم حزب الله، لتحول تلك الانكسارات إلى انتصار في مايو/أيار 2000م ثم يوليو/تموز 2006م. لماذا يتحالف الجيش اللبناني مع المقاومة؟ لم يُنصِف الجيش اللبناني أحد قدر ما أنصفه "فخامة المقاوم" الرئيس الأسبق "إيميل لحود" الذي صنع بواقع لبنان معادلة القوة؛ الشعب والجيش والمقاومة! منذ استطاع تحقيق انتشار الجيش اللبناني الذي كان يقوده وقتها في جنوبلبنان عام 1991م، ومنذ ضمن بعد التحرير عدم التعارض بين وجود الجيش وسلاح المقاومة وضمن التنسيق بينهما، وعندما خرج لاستقبال السيد "حسن نصر الله" في بهو قصر بعبدا في مايو/أيار 2000م وقال لمنتقديه؛ "كونوا مثله وسأخرج لاستقبالكم"! واليوم، تعلو بعض الأصوات في لبنان تتهم الجيش بمهادنة المقاومة! ويتناسى هؤلاء تاريخا من الظلم وقع على الجيش اللبناني قبل أن تستقر معادلة "الشعب والجيش والمقاومة" التي يتهكمون عليها ويسمونها "معادلة خشبية"! ظلم الجيش اللبناني منذ تأسيسه (أو بالأحرى إعلان تبعيته للدولة) عشية الاستقلال، ثم توظيفه كقوات أمنية، وظلم عند الزج به في أزمة 1958م، ثم ظلم عند دفعه نحو حالة توتر دائم مع الفصائل الفلسطينية بداية من الصدام المسلح بمخيم نهر البارد في أغسطس/آب 1969م، مرورا بمعارك مايو/أيار 1973م (التي وضعت بذور الحرب الأهلية) وحتى الصدام الأخير في نهر البارد في مايو/أيار 2007م! (ولست أعفي الفصائل الفلسطينية قطعا من مسئوليتها في تلك الصدامات)، وظلم عندما أقر قانون خدمة العلم/ التجنيد الإجباري عام 1973م بدون برامج فعالة لصهر التركيبة اللبنانية في بوتقة الجيش الوطني بهوية لبنانية جامعة، فتسربت عناصره للميليشيات مع اندلاع الحرب الأهلية! وظلم عند عودة خدمة العلم بعيد الحرب الأهلية بدون برامج فاعلة، ثم إلغاءها في 2004م بدون نظام بديل لرفع عدد الجيش! من يتأمل تاريخ لبنان المعاصر يفهم يقينا أن معادلة الجيش والشعب والمقاومة حمت الجيش قبل أن تحمي الشعب والمقاومة. هل حزب الله مفروض على المعادلة اللبنانية بقوة الأمر الواقع؟ عندما نذكر "المؤلفة جيوبهم" بخصوصية حزب الله في الواقع اللبناني، وأن سلاحه موجود بموافقة الدولة اللبنانية، يقولون أنه يفرض هذا بقوة الأمر الواقع. فهل هذا صحيح؟ قد تقبل بالأمر الواقع رغما عنك، ولكنك لا تتحالف معه إلا بإرادتك!! وهذا هو الواقع اللبناني، فالتيار الوطني الحر بقيادة الجنرال "ميشال عون"، وحركة أمل بقيادة رئيس مجلس النواب "نبيه بري"، وتيار المردة بقيادة النائب "سليمان فرنجية"، فضلا عن الأحزاب القومية وحزب الطاشناق الأرمني، كلهم متحالفون مع حزب الله في شراكة سياسية! وهو ما ينفي فرضية الأمر الواقع، لأنه مؤسس على اختيار استراتيجي حر لتلك الأطياف! ومؤسس على تاريخ سلاح حزب الله الذي لم يوظف يوما لتغيير واقع الحياة السياسية في لبنان، ولا لفرض أيديولوجية الحزب حتى في البيئة الشيعية بالجنوب والضاحية، بل حتى على جمهوره!! فستجد بين جمهور الحزب إسلاميين وقوميين وعلمانيين لا يجمعهم غير خيار المقاومة! وختاما، لو كانت الجماعات المسلحة في سورية وجهت بنادقها لتأسيس مقاومة شعبية في الجولان السوري المحتل، ولم توجهها لتغيير الواقع السياسي في سورية، لو وجهتها لصدر الصهيوني ولم توجهها لتفرض بها أيديولوجيتها على الشعب السوري، لكان لنا منها موقف مغاير ولما وسمناها ولا قبلنا وسمها بالإرهاب! وليس في الأمر التباس إلا على من أعمى الدولار بصيرته! صدق رسول الله (ص) حين قال أن فتنة أمته هي المال! وفتنة أمتنا العربية هي مال النفط بلا أدنى ريب!