أثار ما تدوالته وسائل الإعلام التونسية عن توقيع وزارة التنمية التونسية تعاقدًا مع شركة إسرائيلية الجنسية للوقود الحيوي جدلاً واسعًا في البلاد، دفع الكثير للمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن هذا التعاقد، لا سيما وأن تونس تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني منذ فترة، وتحرم التعامل التجاري معه، الأمر الذي وصل إلى درجة المطالبة بإقالة وزير التنمية التونسي ياسين إبراهيم، فيما سارعت الوزارة لنفي هذا الخبر، مؤكدة أن الشركة تونسية، وتضم بعض المستثمرين الأجانب. وأكدت المعلومات الخبرية أن وزير التنمية والاستثمار التونسي وقَّع قبل أيام اتفاقية تعاون مع الممثلة القانونية للشركة الإيطالية «آي سي إل» المتخصصة في إنتاج الإيثانول. وكشف الكثير من المتابعين التونيسين أن هذه الشركة هي الفرع الإيطالي لشركة إسرائيلية متخصصة في استخراج الطاقات المتجددة، الأمر الذي أثار جدلًا كبيرًا في البلاد؛ ما استدعى بعض الصحف إلى تناول الاتفاقية على أنها أحد أمور التطبيع الجديدة بين تونس والكيان الصهيوني. هل تروج الحكومة التونسية للمنتجات الصهيونية؟ صحيفة «التيار نيوز» التابعة لحزب «التيار الديمقراطي التونسي» المعارض تساءلت عن السر وراء إصرار الحكومة التونسية على التعاقد مع شركة تروج للمنتجات الإسرائيلية، مؤكدة أنه بالعودة لموقع الشركة التي تم التعاقد معها على الإنترنت، تبين أنها جزء من المجمع الكيميائي الإسرائيلي، وتأسست في الستينيات؛ لتوزيع وترويج منتجات الكيان الصهيوني في إيطاليا. في الوقت ذاته اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بعد انتشار هذا الخبر على أوسع نطاق، وتساءل أحد النشطاء التونسيين، ويدعى ياسين العياري «لماذا لم يُثِرْ خبر تعاقد ياسين إبراهيم مع شركة إسرائيلية للكيميائيات عاصفة واستنكارًا؟ لماذا يا تُرَى هذا الصمت؟!». معقبًا «مبروك على الصهاينة والمستوطنين فرص العمل اللي خلقها لهم وزير التنمية التونسي ياسين إبراهيم. اخدم يا مواطن برشة؛ لأن فلوس ضرائبك اليوم تمول في التطبيع». وخلال الشهر الماضي تداولت الصحف بعض المعلومات عن قرب إعادة العلاقات التونسية الإسرائيلية، ورجحت مصادر مطلعة أن تؤسس تونس وإسرائيل علاقات دبلوماسية خلال الشهور المقبلة، وأفادت أن لقاءات جمعت مؤخرًا مسؤولين من إسرائيل وتونس في كل من عمان وأنقرة وستوكهولم، حيث تم مناقشة ترتيبات تنفيذ هذه القرارات من خلال فتح سفارة لإسرائيل بتونس، وأخرى بتل أبيب في غضون أشهر. وكانت السلطات التونسية قد فتحت مكتب اتصال إسرائيليًّا في العاصمة، وآخر في تل أبيب أواخر عام 2000 الماضي، لكن قرر الرئيس المخلوع بن علي إيقافهما في القمة العربية التي عُقِدت بالقاهرة 2001، إلا أنه سرعان ما انتعشت العلاقة مرة أخرى بعد دعوة بن علي لرئيس الوزراء الصهيوني في ذلك الوقت آرئييل شارون لحضور القمة العالمية لمجتمع المعلومات في تونس عام 2005. حكومة الصيد والكيان الصهيوني وأعاد التعديل الوزاري الأخير في تونس الجدل حول علاقة البلاد مع الكيان الصهيوني، على خلفية تعيين خميس الجهيناوي وزيرًا للخارجية التونسية في حكومة الحبيب الصيد، ضمن تعديل وزاري نال ثقة البرلمان خلال يناير الماضي، الأمر الذي أغضب كثيرًا من الساسة والنشطاء، لا سيما وأن الوزير المذكور كُلِّف بمهام رئيس مكتب رعاية مصالح الجمهورية التونسية في تل أبيب، خلال تسعينيات القرن الماضي. ولا يتعلق الأمر بوزير الخارجية فقط، فرافضو التطبيع مع الكيان الصهيوني في تونس انتقدوا ضم حكومة الحبيب الصيد سلمي اللومي وزير الاقتصاد، والتي اتهموها بالتطبيع الاقتصادي مع تل أبيب. وجاء قبل ذلك في بيان ل «الحملة الشعبية التونسية لمناهضة التطبيع مع إسرائيل ومقاطعته» أنه سبق وأن زارت اللومي الكيان الصهيوني قبل الثورة في إطار مشاريعها التجارية. رفض قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني وفي هذا الإطار طالب العديد من النشطاء بوضع قانون في الدستور التونسي ينص على تجريم التطبيع مع إسرائيل، سواء في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة سنة 2011، أو في دستور الجمهورية الثاني بعد ذلك أو في قوانين خاصة. لكن باءت كل المحاولات بالفشل؛ إذ لم يحظَ المقترح بموافقة أغلبية البرلمان، فرفضته كتلة النهضة التونسية؛ بزعم أن الدستور يهم الشأن الداخلي للبلاد، وأن تجريم التطبيع يجب أن يُفرَد بقانون خاص. وخلال الأشهر الأخيرة قدمت كتلة الجبهة الشعبية مشروع قانون يتعلق بتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني لمكتب مجلس نواب الشعب، على أن يُمرَّر إلى لجان المجلس لمناقشته. ولكن لم يتم قبوله حتى الآن، وأرجع مراد الحمايدي، النائب بمجلس نواب الشعب عن الجبهة الشعبية التونسية، عدم قبول هذا القانون إلى حجم القوانين المدرجة على جدول أعمال المجلس، وأن النداء والنهضة لا يريان ضرورة في عرضه على الجلسة العامة، بل ويرفضان الخوض في المسألة من الأساس، ويحاولان إرجاء الموضوع لا أكثر.