في إطار الصراع بين القيادة الدينية الصهيونية والمؤسسة العسكرية، برز إلى الواجهة من جديد الصراع حول إطلاق اللحية من عدمه بين جنود جيش الاحتلال، وذلك بعد أن أصدرت القيادة العسكرية قرارًا بإلزام الجنود المتشددين والعلمانيين على حد سواء بحلق لحاهم وشواربهم، وهو ما قابله رفض وتعنت قوي من قِبَل الحاخامات. اللحية.. محل الخلاف ذكرت مصادر إعلامية أن مرسومًا جديدًا لقيادة الجيش الإسرائيلي، يدخل حيز التنفيذ اليوم، سيضع عراقيل أمام الجنود للحفاظ على لحاهم، وبموجب القواعد المعدلة سيكون على كل الجنود الراغبين في إطالة اللحى الحصول مسبقًا على موافقة قادتهم، لا الاكتفاء بموافقة حاخام في الجيش، وسيترتب على هذا القرار أن يحصل كل من أطلق لحيته قبل بدء تطبيق هذا المرسوم على إعادة توجيه الطلب لقادته من جديد. وكانت حاخامية قوات الجيش الصهيوني هي الجهة الوحيدة المخولة بإصدار وثائق تسمح للعسكريين بإبقاء اللحى كخطوة استثنائية، لكن بعد هذا القرار الجديد سيكون لقادة الجيش صلاحية إيقاف القرار الحاخامي ومنع الجنود من إطلاق لحيتهم. من جانبه برر المتحدث الرسمي باسم الجيش الصهيوني موتي آلموز هذا القرار بالقول إن الجندي الملتحي لا يعكس صورة مثالية للمظهر العسكري، وإن 42% فقط ممن طلبوا السماح لهم بإبقاء اللحى فعلوا ذلك لكونهم متدينين، بينما تم رفض باقي الطلبات؛ لوجود أسباب أخرى وراء هذه الرغبة لدى الجنود، مثل السعي لتجنب الحلاقة. وأشار ألموز إلى ضرورة تحقيق توازن بين حرية العبادة وتفادي القذارة في صفوف المجندين، قائلًا إنه لاحظ هذه المسألة حين قارن بين القوات الإسرائيلية والقوات الأمريكية التي تزور البلاد حاليًّا لتدريبات على الدفاع الجوي، وتعهد بمحاكمة الجنود الرافضين للالتزام بأمر حلق اللحية. اعتراض الحريديم أثار القرار الجديد حفيظة أعضاء الكنيست من الحريديم، الذين يمتلكون نفوذًا واسعًا فيه، حيث أشاروا إلى تعارضه مع التقاليد اليهودية، وشبه حاخام في الضفة الغربية، شلومو آفينير، المرسوم الجديد ب "ممارسات قوات ألمانيا النازية التي حلقت لحى اليهود بقوة"، وأضاف أنه يمكن للإنسان أن يكون نظيفًا مع اللحية، بينما قد يكون قذرًا بدونها، وتابع أن إطالة اللحى هي للتشبه بالمقاتلين اليهود في وقت الملك داود، وطالب الجنود بعدم الامتثال لأمر حلق اللحى، قائلًا: على الجندي الذي يؤمر بحلق لحيته ألا يفعل ذلك، ولو تلقى مائة ضربة، وزُجَّ به في السجن. وفي السياق ذاته قال الحاخام النائب في الكنيست عن حزب البيت اليهودي، إيلي بن دهان، إن الأمر العسكري الخاص باللحى غير منطقي، ويمكن أن يعوق تجنيد يهود متشددين دينيًّا، فيما طالب الحاخام العسكري السابق العميد احتياط، إسرائيل فايس، الجنود برفض التعليمات بحلق لحاهم مهما حدث لهم، معتبرًا أن اللحية تمثل هوية دينية راسخة، وقال فايس إن اللحية هي جوهر الإيمان وسمة دينية تمامًا مثل الكيبا، في إشارة إلى الطاقية الصغيرة التي يرتديها اليهود المتدينون. حالة الغضب سادت أيضًا بين الجنود، حيث قال أحدهم: دخلت الخدمة كجندي ديني بلحيتي التي أطلقها منذ 13 عامًا، تحدثنا بجدية عن رفض الأوامر، ليس منطقيًّا أن جيشًا يهوديًّا، يدافع عن دولة يهودية وصبغته يهودية، يأتي ويطلب من الجنود الدفاع عن تلك المبادئ، بينما يقوم هو بدهسها، مضيفًا: سأظل بلحيتي بأي ثمن أيًّا كان، حتى إن كان الثمن شهرًا أو شهرين في السجن. ووصل الغضب إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قاد بعض جنود جيش الاحتلال احتجاجات على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، عبر هاشتاج "إرادة حرة"، وانضم لاحتجاج الجنود عدد كبير من النشطاء الذين نشروا صور لافتات تؤيد الجنود وإطلاق اللحية مكتوبًا عليها "إرادة حرة". الحريديم والجيش.. صراعات لا تنتهي الخلاف حول اللحية لم يكن الأول من نوعه بين الجيش الصهيوني والمنظومة الدينية وزعمائها من كبار الحاخامات المتطرفين، بل سبقه العديد من الصدامات، التي كان أبرزها مسألة التجنيد الإلزامي للحريديم في الجيش الصهيوني، بعدما كانت هذه الطائفة غير ملزمة بالتجنيد الإجباري؛ بحجة التفرغ للعبادة، الأمر الذي أثار موجة من الانتقادات لدى هذه الطائفة، التي رفضت هذا التشريع؛ بحجة الدوافع الدينية والشرائعية المتعلقة بنهج حياتهم التقشفي والابتعاد أكثر ما يمكن عن المجتمع العلماني والعصري. وطالب حينها حاخامات الحريديم بإعفاء شباب معاهدهم الدينية من الخدمة العسكرية، واحتجوا بنصوص من التوراة تفرض على طلاب الدراسة الدينية أن يتفرغوا للعبادة، وألا يمارسوا أي عمل آخر، لكن القيادة العسكرية لم تمتثل لاحتجاجات هؤلاء المتشددين، وشنت حينها حملة بحثًا عن شبان الحريديم، الذين رفضوا الامتثال إلى أوامر الجيش؛ لإجراء فحوصات تمهيدًا لبدء تأدية الخدمة العسكرية، وكان الحريديم على علم مسبق بهذه الحملة، فجندوا الآلاف منهم؛ لإغلاق الطرق المؤدية الى أحيائهم في عدة مدن، أهمها القدس، ووقعت صدامات مع عناصر الأمن الذين حاولوا اقتحام الشوارع. خلال العام الماضي اندلعت أزمة جديدة بين الحاخامات العسكريين والقيادات في الجيش الصهيوني، وذلك بعد أن أعلن رئيس هيئة أركان الجيش، جادي إيزنكوت، نيته تقليل نشاطات وأعمال وصلاحيات الحاخامية العسكرية بالجيش، وهي الجهة المسؤولة عن تقديم خدمات دينية للجنود، كما تقوم بالاعتناء والاهتمام بالعائلات التي فقدت ذويها في الحروب والمعارك، الأمر الذي أثار موجة من الانتقادات طالب خلالها الحاخام العسكري السابق، العميد احتياط أفيخاي رونتسيكي، وزير الدفاع بالتدخل فورًا إزاء نية رئيس الأركان، مضيفًا: ماذا يريدون؟ هل يريدون أن تكون الحاخامية العسكرية مجرد كيان يزود الآخرين بالخدمات الدينية، ويتخلى عن مسؤولية تعليم وإرشاد الجنود، ويترك هذه المسؤولية لآخرين لا نعرف أين تعلموا أو درسوا؟ كيف سيعلم هؤلاء أبناءنا كيف يقاتلون في المعارك؟