أقدمت السعودية مؤخرًا على اتخاذ عدة قرارات متهورة ومفاجئة تجاه بعض الدول العربية، كان أولها إعلان الحرب على اليمن، ومن ثم التهديد بالتدخل البري في سوريا، وأخيرًا وقف المساعدات المقدمة للجيش اللبناني، وهو القرار الذي أثار ارتباك الحكومة وطرح تساؤلات عدة حول أسبابه. قرار السعودية أعلنت السعودية الجمعة الماضية وقف مساعدتها التي كانت مقررة لتسليح الجيش اللبناني، من خلال شراء أسلحة من فرنسا تقدر ب3 مليارات دولار، بالإضافة إلى وقف مساعدة عسكرية أخرى تبلغ قيمتها مليار دولار، كانت مقررة لمساعدة الأمن الداخلي اللبناني، وأرجعت المملكة هذا القرار إلى المواقف اللبنانية التي لا تنسجم مع العلاقات الأخوية بين الطرفين، وقال بيان الرياض: إن المملكة قامت بمراجعة شاملة لعلاقاتها مع الجمهورية اللبنانية بما يتناسب مع هذه المواقف ويحمي مصالح المملكة, واتخذت هذه القرارات، مع تأكيدها استمرار مؤازرتها للشعب اللبناني. جلسة استثنائية للحكومة القرار السعودي أثار ارتباكًا وبلبلة في أوساط مجلس الوزراء اللبناني، مما دفعه إلى عقد جلسة استثنائية اليوم الاثنين، في السراي الحكومي برئاسة تمام سلام، للبحث في آخر التطورات السياسية لاسيما بعد القرار السعودي، حيث رجحت بعض المصادر أن يبقى النقاش داخل جلسة مجلس الوزراء مضبوطًا بسقف حماية الحكومة، وأن ينتهي إلى تفعيل تسوية البيان الوزاري على قاعدة المحاصصة في السياسة الخارجية، بحيث يأخذ كل طرف ما يريحه من خلال الجمع بين الالتزام بالنأي بالنفس عن الأزمة السورية، والتشديد على الانسجام مع الإجماع العربي ورفض وسم المقاومة بالإرهاب. وقالت مصادر وزارية في قوى 8 آذار: إن الاتصالات والمشاورات التي جرت تُبيِّن أن جلسة الحكومة غير مرشحة للانفجار من الداخل، لكنها في الوقت ذاته لن تكون نزهة، وأشارت إلى أن تيار المستقبل لن يتجه نحو طرح أو التمسك بطلب تقديم اعتذار إلى السعودية، الأمر الذي من شأنه أن يسهل إيجاد مخارج. في السياق ذاته، رجحت مصادر أخرى أن رئيس الحكومة سلام سيشدد على أن لبنان ملتزم بالتضامن والإجماع العربيين، ولن يخرج عنهما، وتابعت أن سلام يجري اتصالات سياسية مع مختلف القوى للخروج بموقف واضح للحكومة، وأضافت أنه بدأ العمل منذ ليل أمس على مشروع بيان سيصدر بالإجماع أو بالأكثرية، ومن غير المستبعد أن يتلوه الرئيس سلام؛ نظرًا لأهمية الموضوع، وأشارت إلى أن وزراء فريق 8 آذار سيشاركون في جلسة الحكومة. ردود أفعال لبنانية استقبلت الأوساط السياسية اللبنانية القرار السعودي بمواقف مختلفة، حيث اتجهت القوى السياسية اللبنانية المؤيدة للسعودية التي تعتبر حليفة لها وأبرزها قوى 14 آذار، إلى خلق تبريرات للخطوة السعودية، حيث أعرب رئيس تيار المستقبل، سعد الحريري، عن تفهمه التام لقرار السعودية، نظرًا لحجم الألم الذي وقع جراء اتخاذ وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، قرار يجافي المصلحة اللبنانية والإجماع العربي في خدمة محاور إقليمية، حسب تعبير الحريري. وقال رئيس تيار المستقبل: إننا نتطلع إلى قيادة المملكة لتنظر إلى ما يعانيه لبنان بعين الأخ الكبير، ونحن على يقين بأنها لن تتخلى عن شعب لبنان مهما تعاظمت التحديات واشتدت الظروف، وأكد أن لبنان لا يمكن أن يجني من تلك السياسات، التي أقل ما يمكن أن يقال فيها إنها رعناء، سوى ما نشهده من إجراءات تهدد في الصميم مصالح مئات آلاف اللبنانيين، الذين ينتشرون في مختلف البلدان العربية، ويشكلون طاقة اقتصادية واجتماعية، يريد البعض تدميرها، تنفيذًا لأمر عمليات خارجية. من جانبه، أرجع حزب الله القرار السعودي إلى الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها المملكة؛ بسبب حجم النفقات الضخمة لعدوانها على اليمن، وانخفاض أسعار النفط في السوق العالمية، وأشار الحزب إلى أن القرار السعودي بوقف المساعدات المالية للجيش والقوى الأمنية لم يفاجئ أحدًا على الإطلاق في لبنان، وأكد أن قرار السعودية يكشف مجددًا زيف ادعاءاتها الباطلة في مكافحة الإرهاب، من بينها، حسب ما كان يفترض، خطوة دعم الجيش اللبناني، كما رفض الحزب تحميله المسؤولية بسبب مواقفه السياسية والإعلامية في دعم اليمن وشعب البحرين، وسواه من الشعوب التي تكتوي بنار الإرهاب السعودي. أما وزير الدفاع اللبناني، سمير مقبل، فقد قلل من أهمية الدعم السعودي لقواته من الأساس، حيث قال: إن القرار السعودي بإلغاء الهبة العسكرية لن يؤثر على الجيش، والمؤسسة العسكرية ستتدبر أمرها من خلال قرار مجلس النواب الأخير بشأن تسليح الجيش، والهبات من الدول الأخرى. أسباب القرار أرجع البعض قرار المملكة إلى امتناع الحكومة اللبنانية عن التصويت على قرار جامعة الدول العربية في 11 يناير الماضي، الذي خرج لإدانة الاعتداءات على سفارة المملكة في طهران والقنصلية العامة في مشهد بإيران، مما أثار سخط المملكة واستنكارها، التي كانت تعتقد أن بيروت ما هي إلَّا إمارة خاضعة لسيطرة آل سعود، لكن هذا الامتناع اللبناني مثَّل صفعة قوية لهذه الاعتقادات، وكشف أن لبنان خرجت عن طوع الشقيقة الكبرى، خاصة أن المملكة منذ تولي العاهل السعودي الجديد سلمان بن عبد العزيز، الحكم قبل عام لا تنظر بعين الرضا إلى تطورات الأوضاع في لبنان، فحاولت البحث عن ثغرة لإطلاق موقفها المُعادي لبيروت، فلم تجد أمامها سوى التحجج بمواقف الدولة اللبنانية التي قالت: إنها لا تنسجم مع العلاقات الأخوية. في السياق ذاته رأى البعض أن قرار المملكة المفاجئ يرجع إلى غضب الأخيرة من تصاعد النفوذ الإيراني بمنطقة الشرق الأوسط، الذي تجلى خلال الفترة الأخيرة في سوريا على وجه التحديد، خاصة بعدما حقق الجيش السوري انتصارات ميدانية كبيرة في ساحة القتال هناك، بدعم من إيران وحزب الله وروسيا، وإخفاق المسلحين المدعومين من بعض الدول الخليجية، على رأسها السعودية، في تحقيق ما كان مطلوبًا منها، حتى وصل الأمر إلى القول إن المملكة تعاقب إيران بمحاولة تفتيت الدولة اللبنانية وهدمها. فريق ثالث رأى أن القرار السعودي محاولة أخيرة لبث الفتنة في لبنان، خاصة بالأوساط السياسية، وإحداث انقسامات حول دور حزب، وهو ما بدأ بالفعل من خلال تحميل حزب الله مسؤولية العديد من الأمور في البلاد، لتنطلق بعد ذلك الاتهامات من كل طرف تجاه الآخر، مما سيؤدي بالضرورة إلى تعقيد ملف الرئاسة. من جانبه، كشف المغرد السعودي المعروف إعلاميًّا ب«مجتهد» في سلسلة تغريدات، الأسباب الحقيقة للقرار السعودي، حيث قال: إن قرار السعودية ليس له دخل بسيطرة حزب الله على الجيش اللبناني ولا سياسات الحكومة اللبنانية الموالية لسوريا، إنما مرتبط بانهيار مفاوضات إطلاق سراح الأمير المعتقل بتهمة تهريب حبوب مخدرة على طائرته الخاصة من لبنان إلى السعودية، عبد المحسن بن وليد بن عبد المحسن، وتابع مجتهد: السعودية كانت تخوض مفاوضات مع جهات معينة لإطلاق سراح أمير الكبتاجون السعودي، في مقابل مطالب يمكن التستر على تنفيذها، لكنها رفضت مطالب محرجة؛ لأنها خطيرة على شرعيتها ومصداقيتها المحلية والإقليمية، ويرى مجتهد أنه إذا ما أطلق سراح الأمير ستعود المساعدات على الفور، لكن لن تعلن حتى لا تنفضح العلاقة، بل ربما يتأخر الإعلان أسابيع أو أشهر.