يستعد السودانيون المقيمون بإقليم دارفور غربي السودان للذهاب لمراكز الاقتراع، والمشاركة في تحديد مصير الإقليم، إما أن يظل مقسمًا لعدد من الولايات أو يكون موحدًا، وبدأت الحكومة السودانية خلال الأيام القليلة الماضية في دعوة السودانيين للتسجيل في عملية الاستفتاء التي ستجري خلال شهر أبريل المقبل، معلنة أن الذين استوفوا شروط التسجيل بلغ عددهم 3 ملايين شخص. في الوقت ذاته، خرجت بعض الهواجس السودانية والعربية من أن ينتج عن هذا الاستفتاء انفصال الإقليم عن الدولة السودانية بعد توحيده، على غرار ما حدث مع دولة جنوب السودان التي حافظت على توحيد إقليمها قبل نحو 10 سنوات من استقلالها عن الحكومة المركزية في 2011. وفي خطاباتها السابقة ردًّا على هذه الهواجس والتخوفات، أبدت الحكومة السودانية تمسكها بإجراء الاستفتاء كأحد استحقاقات اتفاقية الدوحة الموقعة مع حركة التحرير والعدالة، ونفت في الوقت نفسه أن يكون انفصالًا عن الدولة السودانية، لكن رأى مراقبون أن استفتاء دارفور سيفرز نتائج ليست في صالح سودان موحد، مشيرين إلى أن الخرطوم قبل صعود حكومة «الإنقاذ» إلى سدة الحكم في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، كان مقسمًا إلى 9 أقاليم بما فيها دولة جنوب السودان الحالية، في إشارة لتخوفهم أن يسفر استفتاء دارفور إلى نفس نتيجة التجربة الجنوب السودانية، لاسيما أن دارفور يشبه الأوضاع الأمنية والسياسية والعسكرية، خاصة الاشتباكات العسكرية بين جيش السودان ومسلحي دارفور، في تجربة جنوب السودان قبل الانفصال. هذا الاستفتاء بحسب وزير الإعلام السوداني عبد الكريم موسى لن يسهم في تعقيد الوضع القبلي، وهو مجرد استفتاء إداري لأهل الإقليم، مضيفًا أنه يرجح ويقف مع استمرار بقاء الإقليم على نظام الولايات ليكون جزءًا من السودان الكبير، مؤكدًا أن المواطنين في دارفور ذاقوا حلاوة نظام الولايات وحقق رضا سياسيًّا ومجتمعيًّا كبيرًا، وهو كذلك يفوّت الفرصة على من يرون أن الاستفتاء عتبة أولى للانفصال. وشدد الوزير السوداني على أن الاستفتاء أحد استحقاقات اتفاقية الدوحة التي وقعتها حكومة الخرطوم وحركة التحرير والعدالة المعارضة بوساطة قطرية في يوليو 2011 تحت اسم الوثيقة النهائية لسلام دارفور، الذي نص على «يتقرر الوضع الإداري الدائم لدارفور من خلال إجراء استفتاء يجرى على نحو متزامن في ولايات دارفور، خلال فترة لا تقل عن عام بعد التوقيع على الاتفاق». واستنادًا إلى هذه المواد تساءل المعارضون لهذا الاستفتاء عن مغزى تنفيذ بعض استحقاقات اتفاق الدوحة بعد نحو 5 سنوات على توقيعه، مشيرين إلى أنه قد يكون مغازلة لأمريكا في وقت يسعى النظام السوداني إلى كسب دعمهم وتأييدهم في رفع العقوبات الأمريكية عن الحكومة السودانية، مضيفين أن الحكومة السودانية تتيقن بأن هذا الاستفتاء لن يؤدي إلى استقلال دارفور، على أساس أن سكان دارفور أكثرهم مهجريون، وردًّا على ذلك أكد إبراهيم عثمان أبو خليل، المتحدث باسم حركة التحرير السودنية، أن عدم وعي الحكومة السودانية قد يؤدي إلى الموافقة على توحيد الإقليم، والبدء في تنفيذ المخطط الأمريكي الساعي إلى تقسيم السودان الذي بدأ بجنوبه. ويقول المتحدث: إن اتفاق الدوحة جاء في نصوصه تأكيد على توحيد الإقليم «تستكمل اللجنة الفنية المشتركة عملية ترسيم الحدود خلال ستة أشهر من التوقيع على هذا الاتفاق»، مؤكدًا أنه بالنظر لهذا نتيقن أننا أمام إقليم سيصبح دولة، وإلَّا لماذا ترسيم حدود لإقليم داخل البلد؟ مشيرًا إلى أن ترسيم الحدود لا يتم إلَّا بين الدول، قائلًا: هذا ما يقودنا إلى القول بأن المسرح الآن يهيأ لفصل دارفور، وإن قيل غير ذلك، فقد قيل من قبل إن جنوب السودان لن ينفصل، وأقسم البشير قسمًا مغلظًا بأنه استلم السودان مليون ميل مربع، ولن يسلمه إلَّا مليون ميل مربع ثم بارك انفصال الجنوب». خرجت أبواق حكومية سودانية تؤكد رفضها هذا الاستفتاء، فمن جهته قال نائب الرئيس السوداني حسبو عبد الرحمن: إن العودة لتطبيق نظام الأقاليم بديلًا عن الولايات مستحيلة، معتبرًا أن ذلك قد يقود دارفور إلى المطالبة بالحكم الذاتي، الذي يقود إلى الانفصال، مضيفًا: علينا الاستفادة من تجربة الجنوب وعلينا ألَّا نعيد الانكفاءة، إن فعلنا ذلك سنضعف الوحدة الوطنية، وقد تتحول العودة للأقاليم إلى مناداة أو مطالبة بالحكم الذاتي».