مثل عام 2010 بالنسبة للسودان عاما حافلا بالعديد من التطورات السياسية والعسكرية والإستراتيجية سواء على صعيد الانتخابات السودانية التي تشكل نقطة فارقة في تاريخ البلاد، أو على صعيد الجنوب الذي أصبح مهددا بالانفصال خلال الأيام القليلة القادمة، أو إقليم دارفور الذي لا يزال يواجه مأزقا واضحا في ظل المفاوضات المعلقة. وفي خضم كل ذلك تواجه السودان تحدي ملاحقة الرئيس عمر البشير بعد صدور مذكرة ثانية بحقه في يوليو الماضي من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة التورط في جرائم إبادة جماعية. لقد حفل جنوب السودان خلال العام بالعديد من التطورات التي أعطت مؤشرات قوية على قرب الجنوبيين من خيار الانفصال ومنها قرار الحركة الشعبية سحب مرشحها للرئاسة السودانية ياسر عرمان من الانتخابات السودانية وانسحابها أيضا من معظم ولايات الشمال بالإضافة إلى تصريحات قادة الحركة الشعبية الداعية للانفصال والتي كان أبرزها تصريح سيلفا كير، أثناء زيارته للولايات المتحدة في سبتمبر الماضي، التي أكد من خلالها أن كل الدلائل تشير إلى أن الجنوب سيختار الاستقلال في الاستفتاء القادم مشيرا إلى أن كل الأطراف المحلية والدولية يجب أن تضع في الاعتبار هذا الواقع. وفى شهر ديسمبر الجاري أكدت الحركة الشعبية لتحرير السودان رسميا للمرة الأولى أنها ستدعو سكان الجنوب للتصويت لخيار الانفصال خلال استفتاء تقرير المصير في 9 يناير 2011. ورغم أن المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان نجحا في أن يصلا باتفاق السلام إلى محطته الأخيرة بإجراء استفتاء جنوب السودان إلا إنهما وصلا إليه بغير المرغوب فيه فبدلا من أن يؤدى حق تقرير المصير إلى وحدة البلاد أصبحت كل الدلائل تشير إلى أن الجنوب في طريقه للانفصال . وعمل شريكا الحكم في السودان، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان، على تنظيم إجراءات استفتاء تقرير مصير الجنوب والترتيبات المقررة عقب هذا الاستفتاء. وتبلور ذلك في العديد من المباحثات التي جرت بين شريكي الحكم. ففي شهر يونيو الماضي توصل شريكا الحكم إلى اتفاق على تشكيل اللجنة الفنية للاستفتاء في الجنوب تقوم بالإشراف على عمل "لجنة عليا خاصة" برئاسة سيلفا كير وتعمل على تنظيم الإجراءات اللازمة لضمان إجراء استفتاء نزيه وحر حول مصير الجنوب. وفي يوليو استضافت الخرطوم مفاوضات هامة بين شريكي الحكم للتباحث حول هذا الأمر ومناقشة القضايا الخلافية والتي من أبرزها قضية أبيي وترسيم الحدود والمواطنة. وفي أوائل أغسطس استضافت القاهرة مباحثات بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية تناولت القضايا العالقة بينهما وتوصلت في الختام إلى ضرورة استمرار ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب والعمل على إجراء الاستفتاء في موعده المقرر العام القادم. غير أن عقد هذه المباحثات لم يمنع تبادل الاتهامات من حين لآخر بين شريكي الحكم وإشاعة أجواء من التوتر بين الطرفين. ففي الوقت الذي ربط فيه المؤتمر الوطني إجراء استفتاء تقرير المصير بترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، أكد قادة الحركة الشعبية أنه لا ينبغي ربط الإجراءين يبعضهما حيث أنه طالما أن التعداد السكاني والانتخابات لم يتأثرا بعملية الترسيم، فإنه لابد من إجراء الاستفتاء في موعده حتى وإن لم ترسم الحدود. وفي ديسمبر الجاري أعلن السودان أن استفتاء أبيي لن يجرى في موعده لأنه أصبح أمرا صعبا على المستوى العملي حيث أن مدة الشهر المتبقية على إجراء الاستفتاء لا تكفي للقيام بكل الإجراءات التي يتطلبها تنظيم هذا الاستحقاق. وفي الشهر نفسه اختتمت عمليات التسجيل لاستفتاء الجنوب بعد أن أعلنت مفوضية الاستفتاء أن عدد المسجلين في جميع ولايات السودان وبالخارج بلغ مليونين و589 ألف منهم مليونان وأربعمائة ألف بجنوب السودان و88 ألفا في الشمال. وحظت قضية الجنوب على اهتمام دولي واسع النطاق حيث عقد في سبتمبر بمقر الأممالمتحدة بنيويورك مؤتمر خاص حول السودان يهدف إلى ضمان إجراء الاستفتاء حول مصير جنوب السودان حسب المعايير الدولية. وأكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال المؤتمر على ضرورة إجراء استفتاء تقرير مصير الجنوب في موعده. وعلى صعيد أعمال العنف، شهد الجنوب هذا العام العديد من الاشتباكات وذلك في إطار استمرار الصراع القبلي الذي يهدد استقرار المنطقة، والذي تتداخل فيه الخلفيات العرقية والإثنية والدينية. ففي يناير، قام عدد من مسلحي قبائل النوير بمهاجمة رعاة ماشية من قبيلة الدينكا في منطقة تونق شرق النائية وهو ما أسفر عن سقوط نحو 140 قتيلا من قبيلة الدنكا. واندلعت من جديد في مايو اشتباكات قبلية بين النوير والدينكا في ولاية الوحدة الجنوبية وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى. وفي الشهر نفسه جرت اشتباكات قوات الجيش الشعبي لجنوب السودان وقوات المتمرد الفريق جورج أطور بمنطقة ميانق جنوب خور فلوس بولاية جونقلى، وأسفرت هذه الاشتباكات عن سقوط نحو 186 شخصا وجرح 88 آخرون. ورغم أن المناطق التي شهدت هذا العام اشتباكات وأعمال عنف في الجنوب قد عرفت منذ سنوات طويلة اشتباكات قبلية عنيفة متعلقة بعمليات سرقة الماشية غير أن حجم الهجمات الأخيرة قد أثار انتباه المراقبين بسبب اتساع نطاق هذه العمليات وزيادة نسبة الضحايا واستهداف النساء والأطفال.. ومع اقتراب موعد استفتاء الجنوب تسارعت الخطى خلال عام 2010 لتسوية مشكلة دارفور في أكثر من اتجاه داخليا عبر إستراتيجية جديدة طرحتها الحكومة السودانية وخارجيا من خلال مفاوضات سلام دارفور بمنبر الدوحة التفاوضي مع حركة التحرير والعدالة، بالرغم من تعليق المفاوضات عدة مرات . وقراءة سريعة للمشهد الدارفورى تشير إلى أنه قد ظهرت بارقة أمل في 23 فبراير بتوقيع اتفاق السلام الإطاري في الدوحة بين الحكومة السودانية وقيادة حركة العدل والمساواة برعاية قطرية تشادية وحضور ممثلي الاتحاد الأفريقي، والأوروبي، والجامعة العربية والأممالمتحدة مما أحيا الآمال بتحقيق السلام . وتضمن الاتفاق 12 مادة تعالج قضايا النزاع في إقليم دارفور، والعفو عن عدد من المحكوم عليهم بالإعدام من أعضاء الحركة ، كما ركز الاتفاق على التفاوض للتوصل لاتفاق سلام قبل 15 مارس، ولكن عادت حركة العدل والمساواة المتمردة وأطلقت رصاصة الرحمة على هذا الاتفاق وانسحبت من المفاوضات، احتجاجا على فتح الوساطة مسارا تفاوضيا موازيا مع حركة التحرير والعدالة التي هي ائتلاف لمجموعة من الفصائل / ما يقرب من 18 فصيلا/ ووقعت معها الحكومة السودانية في 18 مارس اتفاق إطار أخر لوقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتجديد . ومن ناحية أخرى قامت الحكومة السودانية بتضييق الخناق على الحركات المسلحة الدارفورية بعد اتفاقها مع الرئيس التشادى إدريس ديبى بوقف نشاط المعارضة في البلدين ،كما دعت دول الجوار إلى عدم استخدام أراضيها لإقامة زعماء حركة العدل والمساواة خاصة خليل إبراهيم الصادر ضده حكم من القضاء السوداني لمحاكمته على اعتدائه على أم درمان في صيف 2008 الذي أسفر عن العديد من القتلى . وواصلت الحكومة السودانية جهودها لتسوية مشكلة دارفور ففي شهر يوليو طرحت إستراتيجية جديدة لسلام دارفور مع استمرار مشاركتها في منبر الدوحة ، ورصدت لها الحكومة نحو ملياري دولار من أجل التنمية وأعمار دارفور . وتواصلت الجهود لتسريع عملية السلام وضم الحركات الدارفورية التي لا تزال رافضة للمفاوضات حيث أعلنت لجنة الوساطة العربية الأفريقية المعنية بأزمة دارفور التي ترأسها قطر في 20 سبتمبر /مشروع وثيقة سلام دارفور/ وتقوم على اتفاقات السلام السابقة في شأن دارفور، واتفاق الإطار الذي وقعته الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة ، واتفاق وقف إطلاق النار الذي وقعته الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة ،كما تستند الوثيقة إلى مواقف الأطراف أثناء المفاوضات والحلول المقدمة حول بعض النقاط ونتائج مؤتمرين عقدتهما منظمات المجتمع المدني . وقد شدد وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية احمد بن عبد الله/ أن الوثيقة ستكون أساس الحل لمشكلة دارفور . وفى إطار حراك قطري أممي قام وفد الوساطة العربية والدولية برئاسة وزير الدولة القطري عبد الله أل محمود والوسيط المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي جبريل باسولى بإجراء محادثات في شهر نوفمبر بشأن وثيقة السلام مع قادة الحكم والمعارضة في الخرطوم. كما عقدت الوساطة لقاءات مع وفد حركة العدل والمساواة وصفت بأنها كانت ايجابية ومثمرة ، وزار وفد الوساطة أيضا ولايات دارفور الثلاث بهدف الاستماع إلى أرائهم وهم الطرف الحكومي /والمجتمع المدني /واللاجئون والنازحون والرحل/ واطلاعهم على ما تم التوصل إليه . ويرى المراقبون أن الوساطة توصلت خلال هذه اللقاءات إلى حلول في كل النقاط ماعدا مسألة الإقليم الواحد فالاتفاق على مقترح دمج ولايات دارفور في الإقليم الواحد من العقبات التي لا تزال تواجه التسوية النهائية لأزمة الإقليم . فهل ستنجح هذه الجهود والمبادرات في تحقيق السلام في دارفور ،أم ستظل مشكلة دارفور تراوح مكانها دون حل . وفي سياق آخر يواجه السودان تحدي مذكرة المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس عمر البشير سواء تلك الصادرة في مارس 2009 والتي تتهمه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور أو تلك الصادرة في يوليو الماضي والتي تتهمه بارتكاب إبادة جماعية في الإقليم ذاته. وتمثل مذكرة توقيف الرئيس البشير سابقة من نوعها حيث أنها المرة الأولى التي تصدر مثل هذه المذكرة بحق رئيس دولة لازال يمارس مهام منصبه. وقد اعتبرت الحكومة السودانية اتهام المحكمة الجنائية الدولية للرئيس البشير قرار سياسي يهدف إلى التأثير على مفاوضات دارفور ، وأكدت أن قرار المحكمة لا يعنى الخرطوم في شيء وأن تركيزها منصب على التنمية .