تهديدات متكررة فارغة من مضمونها تطلقها السلطة الفلسطينية من وقت إلى آخر بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الصهيوني، تهديدات لم ترقَ حتى الآن إلى مستوى التنفيذ الفعلى، لكن الأنباء عن إبلاغ الكيان الصهيوني بهذا الأمر جعل هذه التهديدات تقترب من التنفيذ، وسط تخوفات من أن تكون مجرد مناورة فلسطينية سريعًا ما تعود إلى نقطة الصفر، وهو ما قد يُفقِد السلطة مصداقيتها أمام الشعب الفلسطيني المقاوم. هل هو قرار صارم؟ عقد قادة الأمن في الضفة الغربية اجتماعًا مع مسؤولين إسرائيليين؛ لإبلاغهم بقرار قطع العلاقات الأمنية، وفقًا لقرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية. ويتكون الوفد الفلسطيني من رئيس هيئة الشؤون المدنية المختصة بشؤون التنسيق المدني مع الجانب الإسرائيلي، حسين الشيخ، إضافة إلى مدير المخابرات العامة اللواء ماجد فرج، ومدير جهاز الأمن الوقائي اللواء زياد هب الريح. وقبيل الاجتماع قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واصل أبو يوسف، إن الوفد الأمني الفلسطيني سيبلغ الجانب الإسرائيلي بشكل رسمي عدم التزام حكومة تل أبيب بمجمل الاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير، وأنه بناء على ذلك سينفذ الجانب الفلسطيني قرارًا مماثلًا، وهو قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير، الذي اتُّخِذ في مارس من العام الماضي، وينص على وقف العمل بالاتفاق الأمني والاقتصادي مع الجانب الإسرائيلي، مضيفًا أن القرار سيدخل حيز التنفيذ بمجرد انتهاء الاجتماع, وعقب الاجتماع قال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، عباس زكي، إن الرئيس عباس أصر على إبلاغ إسرائيل بعدم التزام السلطة بشيء تجاهها، بعد تهرب المسؤولين الإسرائيليين من التزاماتهم تجاه السلطة الفلسطينية. ترحيب فلسطيني رحبت الفصائل الفلسطينية المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية أو تلك التي ما زالت خارجها، وتحديدًا حركة حماس، بالقرار الفلسطيني الصادر عن السلطة، حيث رحب عضو المكتب السياسي لحركة حماس، موسى أبو مرزوق، بقرار السلطة إعادة صياغة العلاقة مع الاحتلال، وأشار إلى أن السلطة الفلسطينية هي أحد المعوقات في وجه امتداد الانتفاضة إلى كافة أراضي السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية، فيما انتقد المتحدث باسم الحركة، سامي أبو زهري، إصرار القيادة الفلسطينية على إبلاغ الكيان المحتل بوقف التنسيق، حيث قال إن حماس تعتبر مثل هذه اللقاءات تكريسًا لسياسة التنسيق الأمني مع الاحتلال وإدارة الظهر للإجماع الوطني، وأضاف أن الحركة تستهجن تبرير هذه اللقاءات بالرغبة في إعلام الاحتلال بقرارات وقف التنسيق الأمني، مشددًا على أن تطبيق قرارات المجلس المركزي ووقف التنسيق الأمني لا يحتاجان إلى إذن من الاحتلال. غضب إسرائيلي اعتبر وزير الهجرة والاستيعاب الإسرائيلي، زئيف إلكين، أن السلطة الفلسطينية تدق مسمارًا آخر في نعشها في ظل تهديدها بوقف التنسيق الأمني مع تل أبيب، وأضاف إلكين أن السلطة تختفي تدريجيًّا من الخارطة لأسباب متعددة، زاعمًا أن السلطة قائمة فقط بفضل اتفاقية أوسلو الموقعة بين إسرائيل ومنظمة التحرير عام 1993، التي يعتبر التعاون الأمني من أهم ركائزها، مشيرًا إلى أن مثل هذا الإجراء لن يلحق الضرر بإسرائيل على الحلبة الدولية. تهديدات متكررة خلال العام الماضي تكررت الوعود التي أطلقتها القيادات الفلسطينية، والتي كان أولها تلك التي قالها الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال خطاب حماسي من أعلى منبر الأممالمتحدة في سبتمبر الماضي، عندما تعهد بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وهو ما رحبت به كافة الفصائل الفلسطينية التي كانت قد استبقت حديث الرئيس عباس بدعوة الحكومة إلى وقف ما أسمته حينها بالخنجر المسموم، والذي يمثل تطبيعًا فلسطينيًّا حكوميًّا مع الاحتلال وحماية له، ويضع الأجهزة الأمنية الفلسطينية في خدمة العدو. بعد مرور أشهر قليلة خرج محمود عباس بتصريحات صادمة للشعب الفلسطيني، الذي أحبط آماله، بعدما كان قد شعر بأن المؤسسات الحكومية والقيادات الفلسطينية أصبحت تقف إلى جانبه في هبته الشعبية التي انطلقت في أكتوبر الماضي، ففي 25 يناير الماضي أعلن الرئيس عباس أن التنسيق الأمني مع كيان الاحتلال الإسرائيلي مستمر، قائلًا: التنسيق الأمني قائم حتى هذه اللحظة، نقوم بواجبنا على أكمل وجه، متابعًا: مهمة الأمن أن يمنع أو يحول دون اضطراب في الأمن، أي أنه سيتم إلقاء القبض على كل من يحاول أن يعمل ضد الأمن. ودافع عباس عن منع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، في بعض الأحيان، المتظاهرين الفلسطينيين من الوصول إلى أماكن الاحتكاك مع قوات الاحتلال أو اعتقال أشخاص، معتبرًا أن الأجهزة الأمنية تريد حماية الفلسطينيين وحماية البلد. السكري.. هل يكون شرارة القرار؟ قرار وقف التنسيق الأمني يأتي بعد أيام قليلة من العملية التي وقعت عند حاجز بيت أيل العسكري الذي يقيمه الاحتلال شمالي مدينة رام الله وسط الضفة الغربيةالمحتلة، والتي نفذها رقيب في الشرطة الفلسطينية ومرافق نائب رئيس النيابة العامة، أمجد السكري، في 31 يناير الماضي، عندما وصل بسيارة خاصة تابعة للأمن الفلسطيني إلى الحاجز العسكري، وعند تقدم أحد الجنود الصهاينة لطلب بطاقة الهوية الخاصة به أطلق النار عليه وأصابه وجنديين آخرين، قبل أن يتم إطلاق الرصاص عليه واستشهاده. عملية بيت أيل وجهت ضربة مزلزلة للكيان الصهيوني من جانب والسلطة الفلسطينية من جانب آخر، ليس لأنها عملية استشهادية بل لخلفية منفذها الأمنية والسياسية، حيث إن العملية جاءت من أحد أعضاء جهاز يجاهر بحمايته لأمن الكيان الصهيوني، وهو ما جعل العملية تمثل شرارة وطنية من قلب الأجهزة الأمنية المسؤولة عن التنسيق الأمني مع الاحتلال، كما أنها لاقت ترحيبًا وتشجيعًا من جميع فئات المجتمع وابتهج بها الشعب الفلسطيني وفصائله. تزامن العملية السابقة مع قرار السلطات الفلسطينية وقف التنسيق الأمني دفع البعض إلى القول بأن الرئيس عباس رأى مؤشرات انضمام بعض قادة الأمن الفلسطيني إلى الهبّة الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي، خاصة بعد زيادة الانتهاكات الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني، وسط تخوفات من انضمام أكبر لأشخاص أكثر من أجهزة الأمن الفلسطينية إلى جانب المقاومين الذين ينفذون عمليات فردية ضد الاحتلال وقطعان مستوطنيه، وهو ما أقلق القيادة الفلسطينية من اتساع دائرة الهبّة الشعبية ضد الاحتلال؛ لتصبح انتفاضة ضد السلطة الفلسطينية المتمسكة بالتنسيق مع الكيان الصهيوني.