جلسة صاخبة تنتظر أعضاء مجلس النواب الفرنسي، لمناقشة التعديلات الدستورية التي أحدثت ضجة في البلاد منذ أعلن الرئيس الفرنسي، فرانسوا أولاند، نيته إدراجها. وتأتي التعديلات الدستورية في الوقت الذي يعيش فيه الشارع الفرنسي على وقع هواجس ومخاوف من التهديدات الأمنية، وهو ما يحاول الرئيس الفرنسي استغلاله لإحداث تغييرات قد تعيد رسم صورته المتذبذبة لدى الرأي العام. بدأ البرلمان الفرنسي أمس الجمعة، مناقشة التعديلات الدستورية التي كان الرئيس الفرنسي أعلن نيته إدراجها في الدستور الحالي، بعد ثلاثة أيام من اعتداءات باريس التي وقعت في 13 نوفمبر الماضي، إذ سارع أولاند إلى دعوة الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ للاجتماع في القاعة التاريخية في فرساي، وألقى حينها خطابًا بلهجة حازمة، تضمن حزمة إجراءات منها إعلان حال الطوارئ والتي تم تمديدها لثلاثة أشهر بموجب قانون 20 نوفمبر لعام 2015، إضافة إلى مشروع تعديل دستوري يسمح بتوسيع نطاق إسقاط الجنسية الفرنسية عن المدانين باعتداءات إرهابية. رأت المعارضة الفرنسية أن أولاند يسعى لتكريس نظامه من خلال التعديلات تمهيدًا لانتخابات الرئاسة التي ستجرى في أبريل ومايو 2017، لافتة إلى أنه استغل الحادث الإرهابي وظاهرة التحاق عدد من الإسلاميين الفرنسيين من أصول أجنبية وفرنسية بالجماعات الإرهابية في سوريا، ليطرح التعديل الدستوري، على اعتبار أن الرأي العام الفرنسي سوف يؤيد بنسبة مرتفعة اقتراحات كهذه، في ظل حالة الرعب التي تسيطر على الشارع الفرنسي. مشروع التعديلات أحدث الكثير من الانقسامات السياسية في الحكومة الفرنسية، ووصل إلى اعتراض أحزاب المعارضة وامتد ليصل إلى المواطنين الفرنسيين، فعلى مستوى الحكومة، كانت التعديلات الدستورية سببًا في استقالة وزيرة العدل، كريستيان توبيرا، التي اعترضت على بند سحب الجنسية، معتبرة أن هذا الأمر يطرح مشكلة جوهرية بشأن مبدأ أساسي هو الحق الناجم عن الولادة على أرض الوطن، وتساءلت: كيف سيكون العالم إذا طردت كل بلد مواطنيها الذين ولدوا فيها واعتبرتهم غير مرغوب فيهم؟، هل سيتعين تخيل أرض تكون مكبًا يتم تجميعهم فيها؟. وفي سياق متصل، اعترضت بعض الأوساط السياسية والأحزاب المعارضة على التعديل ببنديه، وأثار عاصفة في صفوف الحزب الاشتراكي اليساري الحاكم نفسه، على اعتبار أن مسألة إسقاط الجنسية مطلب يميني قديم طالما رفضه اليسار، بسبب تمييزه بين الفرنسيين بحسب عرقهم، لكن الحكومة اليسارية بررت تبنيها للتعديلات الدستورية ذات الطابع اليميني بأنها مؤيدة من قبل الرأي العام، فيما طالبت شخصيات من أحزاب اليسار واليمين بتطبيق هذه العقوبة علي كل الفرنسيين تجنبًا لحدوث انقسام في المجتمع وإثارة شعور مزدوجي الجنسية الذين يمثلون نحو 5% من الشعب الفرنسي، بأنهم صاروا مواطنين من الدرجة الثانية. في الوقت نفسه، أعرب الحقوقيون عن قلقهم من المساس بالحريات وبمبادئ المساواة بين جميع الفرنسيين، والتي يكفلها الدستور, خاصة أن التعديلات تمس المسلمين بالدرجة الأولى، الذين توقعوا أن يكونوا أول المتضررين من المقترح، بما أن أصابع الاتهام تشير إليهم دائمًا. الأصوات الرافضة للتعديلات اعتبرتها لا جدوى منها، بل تمثل خطرا على الحريات العامة، لاسيما مع وجود البند الخاص بفرض حالة الطوارئ، وتلقى هؤلاء دعم المجلس الأوروبي الذي اعتبر أن هذا النظام شهد تجاوزات من قبل الشرطة، ويساهم في تعزيز ازدراء المسلمين، أما الأصوات المؤيدة، رأت أن إدراج حالة الطوارئ في الدستور من شأنه أن يوطد أكثر هذا النظام الاستثنائي بمنحه إطارًا دستوريًا. من جانبها، حاولت الحكومة الفرنسية تهدئة مخاوف المعسكرين اليميني واليساري وامتصاص الغضب الشعبي، ما دفعها إلى اقتراح صيغة جديدة للنص لا تنطوي على أي إشارة للجنسية، وتحيل صلاحية إسقاط الجنسية إلى القاضي، غير أن ذلك لم يقنع العديد من نواب اليسار، والمعارضة اليمينية ليست موحدة بهذا الشأن. الحالة الجدلية التي شقت صفوف اليسار واليمين والحكومة، دفعت البعض إلى إطلاق مقترح بعيد عن فكرة إسقاط الجنسية، بتطبيق عقوبة «عدم الأهلية الوطنية»، التي تنص على حرمان الشخص من جميع الحقوق الأهلية والمدنية والسياسية مع احتفاظه بالجنسية الفرنسية. يحتاج الرئيس أولاند لقسم من اليمين والوسط لتمرير المشروع أمام مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية، خاصة أن التعديل الدستوري يحتاج إلى ثلاثة أخماس الأصوات، أي 555 صوتًا من أصل 925، لتمريره، ما جعل أولاند يراهن على انقسام اليمين حول المشروع ليضمن انضمام البعض إلى صفوفه.