جمعهما هدف واحد، هو الدفاع عن الأراضي المحتلة، سواء في سوريا أو لبنان أو فلسطين ضد الاحتلال الصهيوني الغاشم، وتَشارَكا في الأفكار والعمليات التي كانت تصب في مصلحة المقاومة، وتؤرق الكيان الصهيوني، واغتالتهما يد واحدة اجتمعت على الإرهاب، وسقطا في الأراضي السورية؛ ليتركا تاريخًا نضاليًّا زاخرا بالعمليات البطولية التي نفذها الأب عماد مغنية والابن جهاد مغنية. عماد مغنية صانع الانتصارين أو عزرائيل إسرائيل – كما كان يُطلق عليه – كرس حياته في سبيل المقاومة ضد إسرائيل والدفاع عن قضية تحرير الأرض. فمنذ صغره كان شغوفًا بالأمور العسكرية، وهو ما دفعه إلى الانضمام للحركات العسكرية المقاومة للاحتلال وسنه لا تتجاوز العشرين عامًا، بداية من انضمامه إلى حركة المقاومة الفلسطينية فتح، ثم انتقاله إلى حركة أمل اللبنانية؛ لينتهي به الحال في حزب الله. كانت بداية عمل مغنية في حزب الله، عندما تم تعيينه كمسؤول عن الأمن الشخصي للقائد الروحي لحزب الله محمد حسين فضل الله، إلا أنه أظهرَ مهارات عسكرية وفكرية عالية في التخطيط الميداني والقيادة، جعلته مسؤولًا عن العمليات الخاصة للحزب، حيث قاد الحاج رضوان – كما كان يلقبه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله – ثلاث عمليات جعلته في صدارة قائمة المطلوبين من الولاياتالمتحدة وفرنسا، حيث قام بتفجير السفارة الأمريكية في بيروت في إبريل 1983، والذي أسفر عن مقتل 63 أمريكيًّا، وتفجير مقر قوات المارينز الأمريكية في بيروت، الذي أودى بحياة 241 أمريكيًّا، وتفجير معسكر الجنود الفرنسيين في الجناح، والذي أسفر عن مقتل 58 فرنسيًّا. عمليات مغنية النوعية، وتواريه عن الأنظار ثم ظهوره فجأة بعميلة تهز كيان الاحتلال وداعميه، جعلت اسمه على قائمة المطلوبين في دول الاتحاد الأوروبي، كما أصبح ملاحقًا من الإنتربول الدولي، ليس ذلك فحسب، بل أصبح مغنية الاسم الأكثر استهدافًا ومتابعة لدى دوائر العدو الإسرائيلي، كما أنه أرعب دوائر الاستخبارات العالمية، التي تواطأت لمصلحة الأجهزة الأمنية الصهيونية؛ لكشف كامل شخصية مغنية؛ للنيل منه. دوائر الاستخبارات العالمية، وعلى رأسها الصهيونية، لم تتوانَ عن فعل أي شيء للتخلص من مغنية، حيث جندت عملاء محليين وأجانب لتتبع أي أثر له. لكن عماد أجرى عملية تغيير ملامح للوجه مرتين على الأقل، كان آخرها عام 1997، كما أعلنت الولاياتالمتحدة عن جائزة لمن يدل عليه، والتي ارتفعت من 5 مليون دولار إلى 25 مليونًا، بعد أحداث سبتمبر عام 2001، وتمكن صانع الانتصارين من الإفلات عدة مرات من محاولة خطفه واغتياله، إلى أن أصابت إحدى هذه المحاولات في 12 فبراير عام 2008، حيث تم اغتياله بتفجير سيارة في حي كفر سوسةبدمشق. بعد اغتيال مغنية أصدر حزب الله بيانًا يتهم فيه الكيان الصهيوني بالوقوفوراء عملية الاغتيال. إلا أن السلطات الإسرائيلية أصرت على نفي ضلوعها بالعملية، حتى ظهرت تقارير صحفية نقلًا عن مصادر استخباراتية إسرائيلية، تفيد بأن عملاء للموساد نفذوا عملية الاغتيال بتفخيخ سيارة مغنية، عن طريق استبدال مسند رأس مقعد السائق بمسند يحتوي على شحنة متفجرات قليلة، لكنها شديدة الانفجار، وذلك بالتعاون مع أجهزة استخبارات عربية، جمعت معلومات عن تحركات مغنية، وقدمتها للموساد، وهو ما تأكد بعد بث التليفزيون السوري في سبتمبر 2011 اعترافات جاسوس الموساد إياد يوسف أنعيم، وهو فلسطيني أردني، بمساعدة جهاز الموساد في اغتيال مغنية، إضافة إلى ظهور تقارير تفيد بضلوع وكالة الاستخبارات الأمريكية بعملية الاغتيال، حيث رصدت الاستخبارات الأمريكية مغنية أثناء خروجه من أحد المطاعم في دمشق، وحين توجّه إلى سيّارته، قام رجال الموساد عن طريق جهاز التحكّم عن بُعد بتفجير قنبلة كانت مركونة بجانب إحدى السيارات. ورغم حرص الاحتلال على نفي تهمة اغتيال عماد؛ خوفًا من رد حزب الله الانتقامي، إلا أنه عاش حالة من الهلع والفزع، قام خلالها برفع حالة التأهب داخليًّا بالجبهة الشمالية وخارجيًّا بالسفارات، واستمر لسنوات تحت وطأة هاجس انتقام حزب الله. جهاد مغنية الابن الأكبر ل "عماد"،والابن الروحي للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، حيث لقبه ب "الأمير". وكان جهاد مقرب جدًّا من خليفة والده على رأس الجهاز العسكري للحزب مصطفى بدر الدين، ومقربًا أيضًا من الحرس الثوري الإيراني، خاصة قائد فيلق القدس قاسم سليماني. لم تُعرَف عن جهاد أي علاقة بالعمل العسكري قبل اغتيال والده، حيث كان مشغولًا بالتحصيل العلمي في الجامعة الأمريكية، إلى أن اغتال الاحتلال الصهيوني والده، فتوعد بالثأر له، ودخل في العمل العسكري، وانضم حينها إلى حزب الله، وبدأت مسيرة انخراطه في دورات تدريبية قتالية داخل لبنان وإيران، وسار على نهج والده، وملأ الفراغ الذي تركه عماد. لكن المعلومات عن الدور الذي كان يقوم به جهاد في الحزب ظلت غامضة، شأنه في ذلك شأن الكثير من كوادر الحزب. لكن قال تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في ديسمبر 2014 إن حزب الله عين جهاد كمسؤول عن جبهة الجولان التي أعد فيها الحزب خلال سنوات الحرب في سوريا بنية تحتية بمساعدة إيرانية سورية، وهو ما أكدته مصادر مقربة من عائلة مغنية. في 18 يناير عام 2015 اغتالت الطائرات الإسرائيلية جهاد، وذلك من خلال استهدافه في مدينة القنيطرةالسورية بالقرب من مرتفعات الجولان، وحينها خرج نصر الله ليحمل إسرائيل مسؤولية العملية، وهو ما دفعها إلى إعلان حالة الطوارئ والاستنفار والتأهب الأمني لقواتها الأمنية على الحدود. حساب ثقيل ورد مضاعف كل الإجراءات الصهيونية لم تمنع حزب الله من القصاص للأب وابنه، حيث عاش الكيان الصهيوني حالة من الرعب والهواجس منذ اغتيال عماد في 2008 وحتى اغتيال جهاد في 2015. وجاءت عملية المقاومة في مزارع شبعا 28 يناير عام 2015، بعد 7 سنوات من اغتيال عماد و10 أيام من اغتيال جهاد؛ لتكون بمثابة الرد أو جزء منه على اغتيال الأب وابنه. نجح مقاتلو الحزب في نصب كمين محكم لموكب إسرائيلي داخل مزارع شبعا المحتلة، نفذه مجموعة شهداء القنيطرةفي 28 يناير 2015، وكان الموكب يتألف من عدد من الآليات، ويضم ضباطًا وجنودًا إسرائيليين تم استهدافهم بالأسلحة الصاروخية المناسبة؛، ما أدى إلى تدمير عدد من الأليات العسكرية ووقوع عدة قتلى وجرحى في صفوف الإسرائيليين، وأعلن حزب الله رسميًّا عن تبنِّيه هذه العملية، واستطاع أن يعيد فكرة الرد السريع مرة أخرى؛ باعتباره الخيار الأنسب في مواجهة جرائم الاحتلال، وأن يثبت إخفاق كيان الاحتلال استخباراتيًّا. ووصف الاحتلال العملية بأنها أخطر عملية صادفها الاحتلال الإسرائيلي على الحدود مع لبنان منذ حرب لبنان الثانية. الاحتلال يغامر.. والمقاومة تفاجئه ظل الاحتلال يستهدف قيادات المقاومة في لبنان، وبعد كل عملية اغتيال يخرج الأمين العام للحزب حسن نصر الله ليعلن أن "الرد سيكون موجعًا وقاسيًا"، تاركًا للمستوطنين الإسرائيليين وقياداتهم مجالًا للحيرة والتفكير المفتوح في احتمالات وطبيعة هذا الرد، حول ما إذا كان سيستهدف قوات الاحتلال الإسرائيلي من خلال الغارات الجوية، أو سيكمن الرد في القيام بعمليات اختطاف وأسر لبعض الجنود الصهاينة أو حتى المستوطنيين الإسرائيليين، أو سيذهب الحزب لضرب المنصات الغازية في عرض المتوسط؛ مما يشكل كارثة إسرائيلية كبيرة يدركها حزب الله جيدًا، لكن كل هذه الهواجس لم تمنع المقاومة في النهاية من القيام بضربة قاصمة غير متوقعة تكون دائمًا جزءًا من رد ثقيل وحساب مفتوح بين الطرفين منذ عقود.