الدب الروسي يستعرض مخالبه في البحر المتوسط، مناورات عسكرية تجاوزت الحدود المرسومة بين الدول، الصراع مع القطب الأمريكي فيما يتعلق بالأزمة السورية لا يحتمل المهادنة وعلى ما يبدو أنه لا يقبل القسمة على اثنين، المناورة في المتوسط التي تستغرق ثلاثة أيام متتالية، تعكس الفجوة الكبيرة بين الدول الكبرى التي تتبارز على حماية مصالحها، ولكل مناورة عسكرية رسائل تريد إيصالها للطرف المقابل، ويمكن تلخيص الرسائل الروسية في هذه المناورة فيما يلي. روسيا جادة في محاربة الإرهاب بدأت في شرق البحر المتوسط السبت الماضي مناورات للقوات البحرية الروسية عند مثلث بحري يقع بين سورياولبنان من جهة الشرق وقبرص من جهة الغرب، حيث تستمر ثلاثة أيام وتشارك فيها ست قطع بحرية بقيادة الطراد الصاروخي الثقيل "موسكفا" الذي يقود التشكيلة البحرية الروسية في المتوسط، تحركات تكشف عن أن روسيا اتخذت قرارا دونما رجعة بمحاربة الإرهاب، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين حث قوات بلاده على عدم تخفيف زخم عملياتها في سوريا، وقال: لقد حققنا أهدافنا في محاربة الإرهاب، لكن ذلك ليس كافياً للقضاء على كل الإرهابيين وحماية روسيا. وأعلن وزير الدفاع الروسي "سيرجي شويغو" أن عدد الطائرات المشاركة في الحملة على داعش زاد إلى تسع وستين طائرة مقاتلة، و أضاف أن عدد الغارات الجوية اليومية ارتفع إلى مئة وثلاث وأربعين غارة. مبدأ السيادة لا يتعارض مع مكافحة الإرهاب شكّلت الضجة الواسعة التي أثارها طلب روسيا من سلطات الملاحة المدنية اللبنانية حظر الرحلات الجوية من مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي وإليه ثلاثة أيام بدءا من منتصف الجمعة الماضي، ما أدى بالحكومة في لبنان لتغيير مسار الرحلات الجوية استجابة لهذا الطلب، تطورا جديدا غير مألوف لا في تحركات روسيا بالبحر الأبيض المتوسط، ولا في التداعيات التقليدية الأمنية والعسكرية للحرب السورية على المنطقة عموماً ولبنان على وجه الخصوص. لبنان ومنذ بداية الأزمة في سوريا، اعتمدت حكومته سياسية النأي بالنفس عن الأحداث الجارية في سوريا وهي سياسة اعتبرها محللون لا تجدي نفعاً، فلبنان بلد مجاور لسوريا جغرافيا وسياسياً واجتماعياً فهو ليس بمعزل عن الصراع الدائر فيها، واللافت في الموضوع ليس الطلب الروسي ولا استجابة لبنان لهذه الطلب، اللافت هنا أن فريق 14 أذار الموالي للسعودية والولايات المتحدة اعترض على الطلب الروسي ثم وافق عليه على مضض، فالحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة وليد جنبلاط الذي هو في مقدمة مؤسسي تحالف 14 أذار، والذي يحاول الإدعاء حالياً بتبني خط وسطي بين تحالف 14 أذار وتحالف 8 أذار بعد أحداث 7 أيار، كتب في تغريده له "أخبار الطيران المدني اللبناني، فإن الروس أبلغونا إقفال أجوائنا ثلاثة أيام لا أكثر ولا أقلّ»، مضيفاً أن ما يجري «أتى بمثابة أمر»، وهو ما يعتبره مراقبون بأن روسيا وللمرة الأولى بعد الأزمة السورية تظهر كطرف مؤثر على قرارات الأحزاب اللبنانية وخصوصاً أنها في محور يضم إيرانوسوريا. وفي هذا الصدد أعلنت السلطات العراقية تعليق الرحلات الجوية بين بغداد ومدينتي أربيل والسليمانية شمال البلاد لمدة يومين ابتداء من اليوم، بسبب الضربات الجوية التي توجهها روسيا على مواقع داعش في شمال شرق سوريا. البحر المتوسط منطقة عمليات روسيا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبعد إعلان فرنسا حملتها على "داعش" أمر القادة العسكريون الروس المعنيين بالتعامل مع الفرنسيين "كحلفاء" لدى وصول سفنهم إلى منطقة نشاط السفن الحربية الروسية شرق المتوسط، ويرى مراقبون أن كلام بوتين بالتعامل مع فرنسا "كحلفاء" يعني سماح روسيا بالولوج الفرنسي بالبحر المتوسط ولكن تحت المظلة الروسية، وكأنها رسالة استباقية لفرنسا وغيرها، بأنه من المسموح الدخول إلى البحر المتوسط طالما أن هذا التدخل يأتي في سياق محاربة الجماعات الإرهابية فقط. الرد على مناورات الناتو أجرى شمال الأطلسي وحلفاؤه الاثنين 19 أكتوبر الماضي أكبر تدريب عسكري منذ أكثر من عقد، في استعراض للقوة وسط البحر المتوسط، حيث شارك في التدريب 36 ألف جندي و230 وحدة عسكرية و140 طائرة وأكثر من 60 سفينة، ووجهت الدعوة إلى روسيا للمشاركة في التدريبات كمراقب فقط. على ما يبدو بأن رسالة الناتو المبطنة لروسيا بوجودها كمراقب على البحر المتوسط لم تلق قبولا روسيا، خاصة أن عملياتها الجوية في سوريا تعد تحولا صعبا في المنطقة بالنسبة لموسكو وللحلف الأطلسي، حيث يختبر الناتو قدرته على الصمود أمام موسكو عن طريق المناورات دون السعي لمواجهة مباشرة، وهو ما رد عليه الروس أيضاً بمناورات في المتوسط، ما يؤكد أن حالة من الاستقطاب يفرضها الملف السوري والاكتشافات الجديدة لحقول الغاز في المتوسط بين روسيا والناتو، والجميع يحاول استعراض القوى دون الدخول في معركة حقيقية وهو ما تحققه هذه المناورات حتى اللحظة، فرسالة روسيا والتي على الناتو استيعابها أن البحر المتوسط لم يعد بحيرة أطلسية.