يعتبر تراجع الإيرادات العامة أحد الأزمات الاقتصادية للموازنة العامة للدولة، خصوصا على مدى السنوات الأربع الماضية مقابل تزايد النفقات العامة، الأمر الذي يضطر الحكومة للجوء إلى أمرين، أولهما استمرار مسلسل فرض الضرائب على المواطنين والتوسع في إصدار أدوات دين لتمويل نفقاتها، وبالتالي تمثل عبئًا يؤدي لتزايد فاتورتي الدين والعجز على الخزانة العامة بشكل مستمر. وطبقًا لما كشفه تقرير صادر عن وزارة المالية، فقد انخفضت الإيرادات العامة خلال النصف الأول من العام المالي الجاري، وتحديدًا في الفترة من يوليو 2014 حتى يناير 2015، بقيمة 186.7 مليار جنيه، مقابل 217.93 مليار جنيه، بنفس الفترة من العام المالي 2013/2014 الماضي، بتراجع حجمه313 مليار جنيه. ووصل إجمالي الإيرادات الضريبية والتي شملت ضرائب (الدخل، الممتلكات،المبيعات، السلع والخدمات، الجمارك، الأخرى)، قد تراجعت خلال الفترة المذكورة محققة 131.82 مليار جنيه، مقابل 133.9 مليار جنيه في الفترة المناظرة لها، بفارق2.1 مليار جنيه، ليشمل بند الإيرادات غير الضريبية من بينها المنح المقدمة من منظمات وجهات أجنبية وحكومية وإيرادات أخري، نحو 54.9 مليار جنيه خلال النصف الأول من العام المالي الجاري، مقابل 84.1 مليار جنيه، بنفس الفترة من العام المالي الماضي، بتراجع حجمه 29.2 مليار جنيه. وتستمر سياسات الحكومة في تحميل المواطنين، خصوصًا من ذوي الدخول المنخفضة أعباء تمويل موارد الخزانة في صورة ضرائب على الدخول أو زيادات في أسعار السلع والخدمات المقدمة لهم، مما يؤدي لمزيد من معدلات الفقر والسخط الاجتماعي. وقال الدكتور فخري الفقي، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة والخبير السابق بصندوق النقد الدولي: وزارة المالية لا تملك زيادة أو نقص الإيرادات العامة، في ظل ارتفاع النفقات بالموازنة، معتبرًا أن موارد الدولة بحاجة لإعادة نظر وحسن استغلال، في ظل حالة عدم الانضباط لدي النشاط الاقتصادي ككل. وأضاف الفقي أن متوسط عجز الموازنة الشهري خلال العام المالي 2014/2015 الماضي يصل لنحو 25 مليار جنيه، بما يعني أنه من المتوقع وصوله ل290 مليار جنيه في الحساب الختامي بزيادة قدرها 50 مليار جنيه عن الربط المبدئي لموازنة ذلك العام. وأرجع الفقي سبب الانحراف في عجز الموازنة والدين العام، لعدم تطبيق موازنة البرامج والأهداف، الذي تعهدت وزارة المالية بتنفيذها خلال العام المالي 2015/2016 الجاري، مع ربط ذلك بالإنفاق على قطاعات التعليم والصحة والإسكان وغيرها، من خلال تقليل كثافة الفصول وتدريب المدرسين وتغيير مناهج التعليم ومتابعة الأهداف كل ربع عام مالي (3 شهور)، كشرط لتوفير النفقات، إلَّا أن ذلك لم يتحقق وتم تطبيق موازنة البنود، مما يعني عدم وجود رقابة وإهدار للمال العام. وأشار الفقي إلى أنه على ما يبدو لم يكن الوقت كافيًا أمام وزارة المالية لتطبيق موازنة البرامج والأهداف. واقترح الفقي برنامج وطني للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي لتقليل فاتورة الدين العام وعجز الموازنة، مشيرًا إلى أن ذلك البرنامج يتم عبر خطط قصيرة وطويلة الأجل، ومن خلال 3 محاور أبرزها معالجة الاختلالات المالية والسيولة، من خلال ربط معدلات النمو بالموازنة، وإعادة هيكلة النظام النقدي من خلال البنك المركزي المصري، وربطهما بالقطاع الخارجي وميزان المدفوعات، معتبرًا أن تلك الخطوة ستأخذ نحو 3 سنوات لتنفيذها. وأشار إلى أن المحور الثاني من ذلك البرنامج يتطلب إعادة هيكلة المنظومات المشوهة بما في ذلك نحو 155 شركة قطاع أعمال عام و51 هيئة اقتصادية ودمج القطاع الاقتصادي غير الرسمي وإعادة النظر في الجهاز الإداري. وأضاف الفقي أنه ينبغي العمل على زيادة الإيرادات بالموازنة بشرط عدم تحميل الفئات الأقل دخلًا لأي أعباء إضافية، من خلال إعادة استغلال جزء من أصول الدولة غير المستغلة،بإنشاء صندوق سيادي للسيطرة على خسائر الشركات القابضة، دون أن تتحمل الخزانة العامة لأعباء سنوية تصل ل2 مليار جنيه من تلك الشركات، مشيرًا إلى أن ذلك المحور سيستغرق 6 سنوات بالتوازي مع المحور الأول. وأوضح الفقي أن المحور الثالث من تلك الخطة يتمثل في تحسين برامج الحماية الاجتماعية، بما في ذلك نظام المعاشات والتعليم والصحة والخدمات العامة، معتبرًا أنها ستستغرق نحو 10 سنوات لتؤتي ثمارها. من جانبها طالبت الدكتورة ماجدة شلبي، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، تطبيق معايير الحوكمة والشفافية وقواعد الإفصاح ومحاربة الفساد، باعتبارها محفزات لتحقيق التنمية المستدامة، مطالبة الحكومة بالعمل على تفعيل تلك الأدوات إن كانت لديها رغبة في جذب الاستثمار للبلاد. وشدد شلبي على ضرورة التوسع في دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة والاهتمام بقطاعي التعليم والصحة باعتبارهما ضمن معايير التنمية المستدامة، مؤكدة أن الاهتمام بهذين القطاعين يؤدي لزيادة معدلات النمو وتراجع عجز الموازنة. وطالبت شلبي بضرورة أن تسعى الوزارات المعنية لتنفيذ تعهداتها بتحقيق التنمية الاقتصادية، من خلال تطبيق الضرائب على الفئات القادرة وتفعيل مبدأ تصاعدية الضريبة التي أقرها الدستور، والعمل على ترشيد النفقات وتفعيل المشروعات المعطلة لضخ إيرادات لموازنة الدولة، ورفع معدلات النمو الاقتصادي بشكل متسارع.