تعتبر فلسفة القيم، أو ما يعرف بالأكسيولوجيا، من أحدث الفلسفات –نسبيا- وإن كانت الكلمة ترجع إلى الأصل اليوناني (أكسيوس) وهي ما تعني الثمين أو غالي الثمن، أو الجدير بالثقة؛ لذلك فإن مبحث فلسفة القيم الأهم هو تقدير القيمة وفق معايير كالدوام والاستقامة والثبات والكمال؛ كما تتجلى الدلالة الأولية للكلمة في تقدير الإنسان لقيمة ما وزيادة ذلك أو نقصانه (قيمة ذاتية) أو الدلالة على ما يستحق هذا التقدير على نحو يزيد أو ينقص (قيمة موضوعية). وتنقسم القيم إلى قسمين: قيم خارجية تختلف باختلاف الفئات الثقافية، وقيم داخلية (باطنية) وهي موضوعية مطلقة، لا يحدها زمان ولا مكان تُلتمس لذاتها وتُطلب كفاية، وتعتبر القيم ذاتية حين تكون محل اختلاف بين الأفراد، وفي هذا يقول سبينوزا: «نحن لا نرغب في شيء لأنه قيّم، بل إنه قيم لأننا نرغب فيه»، لذلك فالقيم الذاتية هي قيم نسبية؛ لأن قياسها يخضع لطريقة الإنسان في التفكير، أو رغباته وأحاسيسه، وبالقطع فإن هذا يفضي إلى عدم وجود حق بالذات أو خير بالذات أو جمال بالذات. "وعلى هذا انصرف الباحثون إلى دراسة القيم باعتبار علاقاتها بالحاجات الإنسانية، وبالميول والرغبات، وبالأمنيات البشرية كافة، سواء اتصلت كلها بالحياة الاقتصادية أو العاطفية أو العقلية أو الأخلاقية أو الروحية أو السياسية أو التربوية أو الفنية". والمعروف أن لوتسِه الألماني، هو أول من استخدم لفظ القيمة، وكذلك مجايله اللاهوتي ريتشل، وكان ذلك في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكذلك الاقتصادي مانغر، لكن الفضل في ذيوع المصطلح بين المثقفين وأوساط المتعلمين يُعزى للفيلسوف الألماني نيتشه، الذي "اعتنق فلسفة قيمية تدعو إلى القسوة بدل الإحسان، ورفض اتصاف القيم الأخلاقية بالصفة المطلقة، وزعزعَ يقين من سبقوه في مضمار القيم، رفض القيم الذائعة المفروضة على الإنسان من الخارج، فهدم القيم القديمة، وأعلن موت الإله، وأن الإله الجديد هو الإنسان الأعلى، وهو هادم وعازم ألا يكون رحيما"!، وعند بداية القرن العشرين كانت فلسفة القيم في ألمانيا وفرنسا وانجلترا وحتى الولاياتالمتحدة، قد صارت ملء السمع والبصر. وليس من المستغرب أن تجتذب فلسفة القيم العلماء من شتى المجالات؛ ليستفيدوا منها ويثروها في آن، مثل عالم اللاهوت لوسكي، والفيزيائي كولر، والمنطقي لالاند، والأخلاقي شيلر، وكذلك الفيلسوف بولان، مما جعل لمعنى القيمة دلالات متعددة مجردة ومعنوية، خروجا عن الدلالة المشخصة؛ كذلك امتداده لميادين أخرى كعلم النفس والفن، إضافة للمجالات السابق ذكرها. وقد صنف لوسين، القيم إلى أربعة أقسام أسماها ب"أمهات القيم الإشعاعية"، وهي قيمة التحديد الطبيعي (الحقيقة) وقيمة التحديد التصميمي (الجمال) وقيمة التحديد المثالي (الأخلاق) وقيمة الطاقة الروحية (الحب أو الدين) وكل ذلك يتصل بمفهوم هو الأقرب لمفهوم القيمة؛ ألا وهو المعيار الذي يرى لالاند أن له ميزة تتجلى في جميع معاني المثل الأعلى. وانطلاقا من القيمة الرابعة، تتماس فلسفة القيم مع الدين الذي يعتبر في الديانات الإبراهيمية ذا أصل لا إنساني (إلهي)، والقاسم المشترك في هذه الديانات وغيرها يتمثل في معنى المطلق، ويتميز بمفهوم عام هو مفهوم المقدس، أو القيمة الأولى مصدر سائر القيم، وهذه القيم جميعها تتميز من مصدرها الأسمى بصفة واحدة هي صفة العادي، وهو بحسب تعريف التهانوي: وضع إلهي سائق لذوي العقول باختيارهم إياه إلى الصلاح في الحال، والفلاح في المآل، وعلى هذا الأساس وضعت القيم الإسلامية وفق خصائص شديدة التميز تنطلق من كونية تلك القيم، ومراعاتها لتوازن احتياجات الإنسان المادية والروحية.