تقرير: محمود علي وهدير محمود في سابقة هي الأولى من نوعها منذ الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني عام 1948، انفردت مصر من بين الدول العربية والإسلامية في انتخاب كيان الاحتلال لمنحه عضوية إحدى اللجان التابعة للأمم المتحدة، وهي لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي، وبهذا التصويت حصل الكيان الصهيوني على العضوية الكاملة في اللجنة، بعدما أيدت 117 دولة منحها هذا المقعد، بينما عارضت دولة "ناميبيا" بمفردها هذا القرار، فيما امتنعت 21 دولة أخرى عن التصويت، منها دول عربية هي قطر والجزائر والكويت وموريتانيا وسوريا وتونس والمغرب والسعودية واليمن، وغابت ثلاث دول عربية أخرى عن جلسة التصويت هي الأردن وليبيا ولبنان. وعلى ضوء هذا المشهد السابق، فإن الكثير من التساؤلات والانتقادات تم توجيهها إلى الدبلوماسية المصرية التي لا يمكن إنكار تاريخها الحافل من النجاحات خلال عهد الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" على وجه التحديد، لاسيما وأن هذه الدول التي امتنعت عن التصويت أو عارضته حديثة عهد بالدبلوماسية، ولا يصل تاريخها إلى حجم القاهرة. الكيان الصهيوني يحتفل روجت الخارجية الإسرائيلية بشكل لافت إلى هذا الانتخاب وكواليسه، خاصة تصويت القاهرة لصالحها وعدم اتخاذها الموقف القطري أو الدول التي عارضت، حيث قالت البعثة الدبلوماسية الصهيونية بالأممالمتحدة، إن التصويت لصالحها، جاء تتويجًا لجهود دبلوماسية حثيثة بذلتها تل أبيب من أجل الحصول على العضوية الكاملة في اللجنة المهمة، معتبرة أن ما حدث هو يوم تاريخي، قائلة "هذا اليوم يعتبر يومًا مهمًا فيما تحقق لإسرائيل، إن القدرات المتطورة التي تمتلكها في ميدان الاستخدام السلمي للفضاء الخارجي مضافًا إلى ذلك الجهود الدبلوماسية الحثيثة منحتها القبول بهذه اللجنة المهمة"، وأضاف البيان "أن هناك دولا تفضل تقريع إسرائيل بدل المساهمة في جهود المجتمع الدولي، مثل قطر التي امتنعت عن التصويت بالرغم من أنه أيضًا كان تصويتا على عضويتها في نفس اللجنة". مصر تبرر موقفها من جانبها حاولت الخارجية المصرية تبرير موقفها، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية "أحمد أبو زيد"، "إن المصلحة العربية التي تتمثل في دخول قطروالإمارات وسلطنة عمان في لجنة الأممالمتحدة للاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي، اقتضت التصويت على الدول الأخرى وهم إسرائيل وسيرلانكا والسلفادور"، وأضاف تعليقًا على ما تداولته بعض الصحف والمواقع الإخبارية بشأن تصويت مصر لصالح انضمام الكيان الصهيوني لعضوية لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي بالجمعية العامة للأمم المتحدة، إن "مشروع القرار الذي تم التصويت عليه في الأممالمتحدة كان يشمل انضمام 6 دول جديدة إلى اللجنة المشار إليها دفعة واحدة، ومن بينها ثلاث دول عربية خليجية هي الإماراتوقطر وسلطنة عمان، دون منح الدول الأعضاء حق الاختيار فيما بينها، الأمر الذي قررت على إثره المجموعة العربية بالأممالمتحدة في نيويورك ترك المجال مفتوحًا لكل دولة عربية للتصويت بما تراه مناسبًا ولا يؤثر على الدعم المطلوب للدول العربية المرشحة". وتابع المتحدث باسم الخارجية أن "المجموعة العربية – ومن بينها مصر- اتفقت أيضا على تقديم شرح عقب انتهاء عملية التصويت، توضح فيه دعمها للدول العربية الثلاث المنضمة للجنة والدولتين الأخرتين، وهما سريلانكا والسلفادور، مع التحفظ على انضمام إسرائيل وانتقاد الأسلوب الذي تمت به صياغة مشروع القرار، والذي لم يعط الدول المصوتة حرية التمييز بين دعم انضمام بعض الدول والتحفظ على انضمام البعض الآخر"، واختتم المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية تصريحاته بتجديد التأكيد على أن "التزام مصر بدعم الدول العربية المرشحة للجنة هو الدافع الرئيسي وراء تصويتها لصالح القرار"، آخذًا في الاعتبار الموقف العربي الموحد الذي تم التعبير عنه في بيان مشترك عقب عملية التصويت، حيث سجلت مجموعة الدول العربية والتي تضم مصر في الأممالمتحدة الجمعة الماضية، تحفظها على عضوية إسرائيل في لجنة استخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية وذلك ل"عدم الثقة بنواياها السلمية في مجال الفضاء الخارجي وعدم شفافية أنشطتها الفضائية، ولنشاط إسرائيل النووي للأغراض العسكرية، ورفضها الانضمام لأي من الاتفاقات الدولية ذات الصلة". وفي إطار التبرير لهذا القرار أيضًا، قال مصدر دبلوماسي مصري إن القاهرة لم تنفرد بالتصويت لإسرائيل، وإنما كانت ضمن عشرات الدول التي منحت صوتها لتل أبيب، مطالبًا الجميع بوضع هذا القرار في "سياقه الطبيعي والعادي وعدم تسخين الأمر"، على حد قوله. ملابسات التصويت ما لبث أن انتشر الخبر على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، حتى اشتعلت الأجواء وردود الفعل التي عبرت عن اندهاشها من الإجراء المصري، حيث قوبل تصويت مصر لصالح الكيان الصهيوني باستياء وغضب شديد، حيث أعرب البعض عن اندهاشهم من الخطوة المصرية، خاصة في الوقت الذي تشهد فيه القضية الفلسطينية معاناة كبيرة وإهمال عربي غير مسبوق مع تصاعد انتهاكات الكيان الصهيوني بحق الفلسطينيين سواء من قتل وتعذيب وتهجير وتشريد وتضييق، وهو ما دفع المتابعين إلى دعوة الرئيس "السيسي" إلى تحديد موقف مصر تجاه الكيان الصهيوني ومصالحه، معتبرين أن الموقف المصري "مخيب للأمال". ردود الفعل على القرار المصري كان من بينها أيضًا تساؤلات عديدة، أهمها "لماذا لم تمتنع مصر عن التصويت على غرار بعض الدول العربية مثل قطر والسعودية وغيرها؟ لماذا لم تحذو حذو دولة "ناميبيا" التي أعلنت عن رفضها للقرار؟"، لكن إجابة هذا التساؤل شرحه بعض الدبلوماسيين الذين واكبوا عملية التصويت منذ بدايتها، حيث أوضحوا أن المجموعة العربية تقدمت بمقترح بأن يتم التصويت لكل دولة مرشحة بشكل منفرد، لكن اللجنة رفضت هذا المقترح بضغط أمريكى، وأصرت على أن التصويت يكون فى ورقة واحدة ومرة واحدة للدول المرشحة، بحيث يكون التصويت سواء بالقبول أو الرفض شاملاً للدول جميعها، وهو ما رفضته المجموعة العربية وبدأت في اتخاذ موقف المقاطعة حتى لا يستفيد الكيان الصهيوني من التصويت. الدول العربية المرشحة ضغطت بشدة على باقي المجموعة العربية، وطلبت منها عدم المقاطعة نظرًا لأن مصالحها تنطوي على التصويت لصالحها، وبعد نقاشات وجدال كبير داخل المجموعة العربية توافق أطرافها على تلبية طلب الدول الثلاث "قطر وسلطنة عمانوالإمارات" بعدم مقاطعة التصويت بل والتصويت لصالحها, وبهذا التوافق العربي أصبحت مصر مجبرة على التصويت الإيجابي لصالح هذه الدول وبالتالي لصالح الكيان الصهيوني. "فخ" قطري بعد توافق المجموعة العربية على التصويت لصالح الدول المرشحة للعضوية بضغط من هذه الدول، خرج الوفد القطري أثناء الجلسة بشكل مفاجيء ليعلن امتناعه عن التصويت، وهو ما أثار امتعاض الدول العربية الحاضرة في المحفل الأممي، متهمة الموقف القطري بمحاولة إحراج باقي الدول العربية ونصب الفخ لها، وهو ما سقطت به القاهرة فعليا. تقارب مصري صهيوني الخطوة المصرية وإن تم تبريرها كثيرًا إلا أنها أعادت إلى الأذهان دعوة الرئيس "عبد الفتاح السيسي" في مقر الأممالمتحدةبنيويورك، إلى أن "تتسع معاهدة السلام مع إسرائيل لتشمل جميع الدول العربية"، وهي الدعوة التي أثارت سخط كثير من المتابعين حينها، إضافة إلى مواقف القاهرة الباهتة تجاه القضية الفلسطينية خاصة خلال الفترة الأخيرة، والتي اتضحت في إعادة افتتاح مصر للسفارة الإسرائيلية في القاهرة بعد أربع سنوات من إغلاقها، وهو ما اعتبره البعض خطوة مستفزة لمشاعر الشعب الفلسطيني، خاصة وأنها جاءت في وقت تزداد فيه الانتهاكات الصهيونية تجاه الفلسطينيين. ما هي اللجنة؟ لجنة الأممالمتحدة للاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي هي لجنة تابعة للأمم المتحدة، أنشأت عام 1958 بعد أن أطلق الاتحاد السوفيتي القمر الصناعي الأول "سبوتنك-1″، وقد زاد أعضاد اللجنة من 24 عند تأسيسها إلى 69 عام 2007 ثم إلى 84 دولة، لتصبح أحد أكبر اللجان في الأممالمتحدة، وينتخبون أعضائها من المجموعات الإقليمية، وتقع على عاتق اللجنة "استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي لصالح الإنسانية في مجالات السلم والأمن والتنمية". وفي هذا السياق؛ استغرب الدكتور يحيي القزاز خبير جيولوجي وعضو مؤسس بحركة 9 مارس لاستقلال الجامعات، تصويت مصر لصالح الكيان الصهيوني في الأممالمتحدة، مطالبًا بالتحقيق مع مسئول وزارة الخارجية الذي قام بالتصويت، وأضاف في تصريحات صحفية أن التصويت للكيان الصهيوني ليس إجبارًا على مصر بعدما امتنعت دول عربية أخرى عن التصويت، رافضًا تبريرات وزارة الخارجية بأنها كانت تصوت للمجموعة العربية؛ لأنه جاء في النهاية لصالح الكيان الصهيوني وهو ما أسفر عن مساعدتها في الدخول للجنة الفضاء الخارجي بالأممالمتحدة. وردًا على أنه خطأ دبوماسي أم يشير إلى توجه مصر المستقبلى نحو العلاقة مع الكيان الصهيوني، أكد القزاز أنه ليس خطأ دبلوماسيا، بل فعل تكتيكى مقصود، الهدف منه التاكيد على أن النظام الراهن يختلف عن كل ماسبقه من النظم الحاكمة، وأضاف"القزاز" أن التصويت للكيان الصهيوني كان ممكن أن نعتبره خطأ لولا تبرير وزارة الخارجية بأنه جاء لمصلحة دول عربية أخرى، واعترافها رسميًا به، على عكس الدول العربية الأخرى التي امتنعت عن التصويت. وأوضح "القزاز" أن مصر حاليا تريد حماية نفسها ونظامها بدعم العدو الصهيوني، معتبرا أن التصويت لصالح الكيان الصهيوني أطلق صافرة النهاية فى ماتش طويل ومتعب لصالح تل أبيب، برضى وتنازل النظام المصري الذي كان يعد خصمًا في وقت سابق، مشيرا إلى أن هذا التصويت قد يكون "عربون شراكة" جديدة لم تظهر بعد، ستتحدد ملامحها فى القربب العاجل، وربما بعد انتخاب البرلمان. وفيما أكد دبلوماسيو وزارة الخارجية أن تصويت مصر للمجموعة العربية، كان الدافع الأساسي من اتخاذ هذه الخطوة، وأن الأممالمتحدة شاهدة دائمًا على المعارك الدبلوماسية بين مصر وإسرائيل والدليل على ذلك مشاركة القاهرة في لجنة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووي والقرارات التي تتبناها مصر في هذا الشأن توضح أنها تسعي لتجريد الكيان الصهيوني من أسلحته النووية، أكد الخبراء أنه لا يوجد معارك دبلوماسية في الأساس بين مصر والكيان الصهيوني، وأن القاهرة بتصويتها لصالح الكيان الصهيوني؛ لا تريد فتح جبهات خلافية مع تل أبيب في الأممالمتحدة. وشدد الخبير الدولي سعيد اللاوندي على أن الخطوة المصرية تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أنه لا يوجد خلافات بين القاهرة وتل أبيب في قضايا الأممالمتحدة، وأن العلاقات تسير بشكل عادي منذ سنوات طويلة، إلا أنه استطرد حديثه وأكد أن مصر لديها خلافات مع الكيان الصهيوني في ما يخص القضية الفلسطينية، خاصة وأن القاهرة بعد حصولها على العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن ستسعى لوضع حلول سريعة للقضية الفلسطينية في إطار حل الدولتين. وفي السياق ذاته؛ رأى "محمد عصمت سيف الدولة" الباحث المتخصص في الشأن القومي العربي أن تصويت مصر لصالح الكيان الصهيوني في الأممالمتحدة موقف ليس بجديد، قائلا إن تصويت النظام المصري لصالح الكيان الصهيوني في الأممالمتحدة ليس موقفا جديدا، وتابع: "فلقد انحاز لها فى العدوان على غزة وحصارها، وفي إنشاء المنطقة العازلة وفى إغلاق المعبر وهدم الأنفاق وفي عدائه للمقاومة وشيطنة الفلسطينيين". من جانبه؛ قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، إن تصريحات الحكومة حول تصويت مصر لصالح الكيان الصهيوني بالأممالمتحدة؛ سابقة دبلوماسية غير معهودة، معتبرا أن هذه التبريرات ما هي إلا عذر أقبح من ذنب، مضيفا أن قطر لعبت دورًا خبيثًا ليكون التصويت بنظام القائمة وإحراج الجانب الذي أصبح حائرًا بين الامتناع عن التصويت من ناحية، ودعم 3 دول عربية ضمن القائمة المطروحة للتصويت من ناحية أخرى، مؤكدا أن السياق العام كان يستوجب امتناع مصر عن التصويت كما فعلت دول عربية أخرى، لافتا إلى أن العلاقات المصرية مع الكيان الصهيوني لا يوجد بها ما يُعكر صفوها على المستوى الدبلوماسي، مشددا على أن نقطة الخلاف الجوهرية بين القاهرة وتل أبيب تتمثل في أن مصر تتبنى بعض المواقف العدائية تجاه الكيان الصهيوني بشأن ملف الانتشار النووي في منطقة الشرق الأوسط.