شكوك بسبب إصرار الحكومة على إقراره في غياب البرلمان القانون يتضمن عقوبات بالسجن ل15 عاما وغرامة 100 ألف جنيه حقوقيون: السلطة تصادر العمل الأهلي خوفا من توجيه الرأي العام أثار مشروع قانون الجمعيات الأهلية تخوفات منظمات المجتمع المدني، فمن ناحية تتخوف هذه المنظمات من بعض مواد القانون، ومن ناحية أخرى تخشى إقرار القانون بالطريقة ذاتها التي أقر بها قانون التظاهر في نوفمبر 2013 في غياب البرلمان، خوفا من تكرار سيناريوهات سابقة أدت إلى سجن عدد من أبرز النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان لمدد تصل إلى 15 عامًا، وفي حال اعتماد مشروع قانون الجمعيات الأهلية فإنه سيؤدي إلى حبس الحقوقيين المستقلين في مصر لفترات تصل إلى 15 عامًا أيضًا. ويبدو من مسودة مشروع القانون الأخير أن الحكومة أخرجت من أدراجها أكثر قوانين الجمعيات الأهلية قمعًا منذ نصف قرن، وأنها قررت الاستغناء عن المشروع الذي وضعته اللجنة التي تشكلت من وزارة التضامن الاجتماعي بمشاركة عدد من المنظمات، وعرضه الوزير السابق الدكتور أحمد البرعي على المفوضة السامية لحقوق الإنسان كدليل على نية الحكومة السابقة التي تشكلت بعد عزل الرئيس مرسي على التحول الديمقراطي، وتعزيز دور المجتمع المدني، حيث كان المشروع هو الأفضل مقارنة بكل مشروعات القوانين التي طرحتها الحكومة من قبل للجمعيات الأهلية، وكان يمكن البناء عليه بغرض تحسينه ليكون أكثر اتساقا مع المعايير الدولية، والذي بات واضحا أن إعداده في حينه لم يكن بغرض إصداره وإنما لتحسين صورة الحكومة أمام المجتمع الدولي. أصبح من الواضح بعد قراءة مشروع الوزارة لعام 2014 مدى رغبة الحكومة في السيطرة التامة على المنظمات الأهلية، وتحويلها من منظمات غير حكومية إلى كيانات شبه حكومية خاضعة للأجهزة الأمنية والإدارية، وتجعل الحكومة هي المدير الفعلي لها، حيث تعاقب على مخالفة بعض أحكام القانون بعقوبات الحبس لمدد تصل إلى 15 عامًا، والغرامة التي لا تقل عن 100 ألف جنيه؛ مما يدل على أن المشكلة ليست في عدم معرفة كيفية صياغة قانون حر للجمعيات، بل في انعدام الإرادة السياسية لدى الحكومة والجهات الأمنية لتحرير العمل الأهلي المستقل، والرغبة في تقويضه في الوقت ذاته. إن مشروع القانون الجديد يسعى لوضع المنظمات الأهلية تحت المراقبة اللصيقة والتحكم في نشاطها، متجاهلا نص المادة 75 من دستور 2014، والتي تقضي بأن تعمل الجمعيات الأهلية "بحرية"، ويعكس ذلك نظرة الحكومة إلى الجمعيات الأهلية باعتبارها مكاتب يجب أن تعمل تحت سيطرة الحكومة، بل ويجب أيضًا أن تديرها بشكل غير مباشر، بينما تقول المنظمات إن الحكومة على مدار عقود طويلة فشلت في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين كالتعليم والصحة، وفشلت في إنشاء آليات تراقب أداء الأجهزة الحكومية بحيادية واستقلال، واتسمت خدماتها بالرداءة والفشل وتفشي الفساد وإهدار المال العام. الدكتور أحمد مهران، أستاذ القانون العام، ومدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، يتساءل عن الأهمية السياسية والاقتصادية والاستراتيجية والعسكرية والأمنية التي تستلزم إعادة أو صياغة أو تعديل قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية قبل انعقاد البرلمان، ويؤكد أنه ليس من القوانين التي تتعلق بتهديدات تمس مؤسسات الدولة، وليس ضمن القوانين الاستثنائية أو القوانين التي تشكل حالة ضرورة أو طوارئ كقانون الإرهاب أو التظاهر ليصدر قرار من رئيس الجمهورية بتعديله أو إقراره قبل مجلس النواب. وأضاف: تأجيل النظر في تعديل هذا القانون أو إقراره قبل انعقاد البرلمان أمر طبيعي جدا يأتي متفقا مع صحيح الواقع، فالأصل هو صدور القوانين من السلطة التشريعية، واستثناء من هذا الأصل العام أجاز الدستور أن يصدر الرئيس قرارات لها قوة القانون في حالة غياب مجلس النواب إذا ما اقتضت الظروف ذلك، على أن تعرض هذه القوانين على المجلس خلال 15 يوما من انعقاده، وأرى أن هذه الشروط الإجرائية والموضوعية غير متوفرة حتى يصدر قرار من الرئيس بتعديل أو إقرار القانون لأنه لا يمثل ضرورة. وأوضح أن هناك تخوفات لدى الدولة من بعض منظمات المجتمع المدني لما قد يكون لها من علاقات أو دور يؤثر في التوجيه السياسي للرأي العام، وهو ما تحدثت عنه المادة 11 من القانون بحظر ممارسة منظمات المجتمع المدني للسياسة، موضحا أن بعض المنظمات تمارس العمل السياسي من منطلق توعوي عن طريق عقد ندوات توعية وتثقيف ومن خلالها تصدر بعض التوجيهات غير المباشرة لأعضاء هذه الجمعيات أو المتابعين لها أو المؤيدين في اتجاه ما، وهو ما اتضح من التجربة العملية على مدار السنوات الماضية وهذا ما يخشاه الأمن، بالإضافة إلى أن محاولة تحجيم دور هذه المنظمات يأتي نتيجة خوف من أن يكون لها دور في توجيه الرأي العام في اتجاه معارض للسياسة العامة للدولة، لافتا إلى أن المنظمات لا تمارس دورا سياسيا مباشرا لكنها تمارس ذلك الدور بطريقة غير مباشرة عن طريق التحايل، ومن الصعب أن يكون هناك ما يدينها قانونا، وهو ما يقلق السلطة. مهران، أشار إلى أن دور المنظمات الأهلية في مواجهة الإرهاب دور اجتماعي وديني تثقيفي وتربوي، يأتي من خلال عقد ندوات لتوعية الشباب بخطورة الإرهاب وأهمية مواجهته وحصاره، ورفض أسباب الظاهرة والعوامل التي أدت إليها، وكيفية تجنيب الشباب الانسياق وراءها، مؤكدا أن منظمات المجتمع المدني تشكل أقوى خطوط الدفاع في مواجهة هذه الظاهرة والقضاء عليها، لكن للأسف الدولة تخشي أن دور منظمات المجتمع المدني يأتي بنتائج عكسية. من جانبه، قال طلعت عبدالقوي، رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية إن قانون الجمعيات الأهلية أُعد بطريقة جيدة ومتوازنة ويتماشى مع المادة 75 من الدستور، موضحا أن معظم المشاكل التي كانت موجود في قانون 84 تمت معالجتها في القانون الجديد، وليس هناك ما يدعو لقلق الجمعيات والمؤسسات الأهلية، لأن مسودة القانون متوازنة ومتوافقة مع أحكام دستور 2014، كما أنه في كل الأحوال سيعرض على مجلس النواب القادم.