مثلت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة عن الأزمة السورية وعدم الاعتراض على بقاء الرئيس السوري في مرحلة انتقالية تحولًا كبيرًا في الموقف التركي، فقبل أشهر فقط كان أردوغان يتحدث عن استحالة إحلال الأمن والاستقرار في سوريا من دون تنحي الأسد. هذا التحول طرح أسئلة كثيرة.. هل جاء على خلفية تحول أغلب المواقف الغربية تجاه سوريا أم جاء بعد اقتناع انقرة بأن حل الأزمة السورية بات سياسيًا، لاسيما مع تفحل خطر الإرهاب في سوريا وتأثيره على الأوضاع التركية في الفترة الأخيرة . على الرغم من أن تركيا كانت محطة عبور المقاتلين المتطرفين نحو سوريا ومعسكراً لتدريبهم باعتراف الغرب، وتحولت فنادقها إلى مقار تعقد فيها اجتماعات المعارضة ومؤتمراتها، وكانت أول من طالب بإقامة منطقة عازلة في سوريا، يتضح من هذا التغيير المفاجئ أن كل هذه السياسات لم تأت بثمارها الإيجابية والمتوقعة من حكومة أردوغان على تركيا بعد أربع سنوات، فعلى العكس كانت انقرة من أكثر الدول التي عانت من هذه السياسات الأردوغانية. صدقت الأحاديث التي كانت تتوقع أن أنقرة ستنكوي بنار الإرهاب في سوريا، بعد كثرة العمليات والتفجيرات على الحدود السورية التركية، وبعد فشل عملية السلام مع الأكراد وتجدد القتال على خلفية عمليات تبنتها التنظيمات الإرهابية في سوريا ضد الأكراد داخل الأراضي التركية، وبعد تراجع شعبية أردوغان وحزبه. ولم تختلف التحليلات عن أن التحول في موقف أردوغان يأتي منسجماً مع المواقف الغربية الجديدة من بقاء الرئيس السوري، بدءا من موقف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي لا يشترط تنحي الأسد فوراً إلى إسقاط الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند شرط تنحي الأسد من أجل إطلاق عملية انتقال سياسية والموقف المتقارب لوزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، وصولاً إلى دعوة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى إشراك الرئيس السوري في أي مفاوضات لإنهاء النزاع في سوريا. أردوغان الذي كان يتحدث مع نظيره الإيراني حسن روحاني في وقت قريب عن استحالة إحلال الأمن والاستقرار في سوريا من دون تنحي الأسد، مواصلاً بذلك مواقفه العدائية من الأسد، أكد بعد أربع سنوات، أن «بشار الأسد يمكن أن يشكل جزءا من مرحلة انتقالية في إطار حل سياسي للأزمة في بلاده"، وهو الذي قال سابقا إنه رئيس غير شرعي وأيامه معدودة، ولا مكان له في حاضر سوريا أو مستقبلها» ويأتي هذا التحول بعد لقاء جمع الرئيس الروسي فلادمير بوتين مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، سمع فيه الرئيس التركي حديث روسي يؤكد أن دعم الجيش السوري بقيادة بشار في حربه ضد الإرهاب هو الوسلية الوحيدة لإنهاء الحرب في سوريا، ويأتي هذا الحديث في إطار حشد روسيا الدول الإقليمة المؤثرة في الأزمة السورية لإقناعها بالحل السياسي في سوريا دون سقوط بشار الأسد. هذه التطورات في المسار التركي الروسي نحو سوريا ، يوازيها أخرى تسعى لها موسكو لتقريب وجهات النظر بين المعارضة والدول الداعمة لها من جهة والحكومة السورية من جهة أخرى، والتي نجحت في تحقيق بعض الاختراقات تم التعبير عنها بالتصريحات الغربية التي لم تعد تتمسك برحيل الرئيس بشار الأسد كمقدمة لحل سياسي ممكن، ما يعد خطوة إلى الأمام باتجاه تسوية سياسية تلوح في الأفق .