«تمخض الجبل فولد فأرًا».. شعار رفعته الدولة المصرية على مدار أربع سنوات بعد ثورة 25 يناير، فتمخضت ثورية يناير فأنجبت نظام الإخوان، وتمخضت ثورة 30 يونيو فأعادت أبناء مبارك إلى الصدارة، وتمخضت انتفاضة «السيسى» على محلب، فولدت إسماعيل. وقفت حائرًا أمام قرار الرئيس السيسى بإقالة أو قبول استقالة المهندس إبراهيم محلب، من رئاسة الحكومة، وتكليف المهندس شريف إسماعيل، وزير البترول فى الحكومة المُقالة، بتشكيل الحكومة الجديدة، فى خطوة تبدو كأنها لتبادل الأماكن ليس أكثر. قرار تكليف «إسماعيل» بتشكيل الحكومة الجديدة يحمل علامات استفهام عديدة، أبرزها أنه كان تلميذ سامح فهمى، وزير البترول فى عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك، وكان عرّاب صفقة تصدير الغاز لإسرائيل وأحد الموقعين عليها، وصاحب التصريح الشهير «مصر لن تستغنى عن الوقود الصهيونى»، فضلًا عن علاقته بمحمد فودة، صاحب فضيحة وزارة الزراعة الكبرى والشهير ب«سجان الوزراء». كما كان «إسماعيل» أحد الوزراء فى حكومة محلب التى فشلت فى قيادة المرحلة الراهنة، وارتكبت العديد من قضايا الفساد الكبرى، على رأسها وزارة الزراعة التى يقبع وزيرها المقال صلاح هلال، خلف القضبان، رهن التحقيقات على خلفية تقاضى رشاوى لتمليك قطع من الأراضى لرجال أعمال بثمن بخث، ما أدى فى النهاية إلى إقالتها. تشهد مصر ظاهرة عجيبة لا توجد فى البلدان الأخرى، فبعد إقالة حكومة ما لتقصير أو إهمال أو فساد أو عدم رضا عام عنها، تأتى خليفتها متضمنة غالبية الشخصيات القديمة، فأثناء ثورة يناير، أقال الرئيس المخلوع حسنى مبارك، حكومة أحمد نظيف، وكلف أحمد شفيق، وزير الطيران فى الحكومة المقالة، بتشكيل الحكومة الجديدة التى تضمنت أسماء معظم الوزراء المُقالين، وتكرر الأمر فى حكومة عصام شرف، ثم كمال الجنزورى، ليختلف الأمر قليلًا مع حكومة هشام قنديل الإخوانية التى جاءت بالأهل والعشيرة، لكن سرعان ما عاد المد الطبيعى لحركة الوزراء بعد ثورة 30 يونيو، الذى استكمله حازم الببلاوى، وجاء خلفه وزير إسكان حكومته، إبراهيم محلب لرئاسة الوزراء، وها هو يسلم الراية أيضا لوزير بترول حكومته المقالة، شريف إسماعيل، وكأنه الزحف المقدس للوزراء – كما يطلقه الزند على القضاة. لم يتريث «السيسى» فى اختيار رئيس الحكومة الجديد، ولم ينتظر ليفكر فى مطالب الشارع المصرى فيما يخص اسم رئيس مجلس الوزراء الجديد، فى أمر وكأن يتوارثه الحكام المصريين بالاعتماد على أهل الثقة وليس أهل الخبرة، مُصرًا على التعامل مع المصريين كالقطيع الذى يساق فقط دون إرادة لهم تؤخذ فى الاعتبار. وأخيرًا، لماذا يُصر «السيسى» على اختيار شخصية بعيدة عن السياسة على رأس الحكومة؟؛ كونه أيضًا نشأ وترعرع فى المؤسسة العسكرية التى تلتزم بالأوامر وتفتقد الحنكة السياسية، فبعد ثورة 30 يونيو جاء على رأس الحكومة حازم الببلاوى، وهو شخصية اقتصادية، ثم خلفه إبراهيم محلب، المتخصص فى شئون الإسكان، والآن يأتى بشريف إسماعيل، المتخصص فى البترول فقط.. نفتقد الحنكة السياسية لإدارة الإرادة.