مرحلة جديدة تدخلها الدولة الفلسطينية في إطار محاولاتها لإثبات حقها المنهوب من قبل الاحتلال الصهيوني، حيث سعى الفلسطينيون بجهد كبير منذ أسابيع إلى جمع أكبر عدد ممكن من الأصوات لإقرار رفع علمهم على مقر الأممالمتحدة في نيويورك. علم فلسطين يرفرف أعلى الأممالمتحدة بالفعل؛ تبنت الأممالمتحدة قرارًا يجيز للفلسطينيين رفع علمهم على مقرها في نيويورك، حيث صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة على القرار، بواقع 119 عضوًا مع القرار، و8 أعضاء ضده، وامتنع 45 عضوًا عن التصويت على رأسهم بريطانيا وألمانيا والنمسا وفنلندا وهولندا وقبرص. ويطلب مشروع القرار رفع رايات الدول غير الأعضاء الحائزة على وضع "مراقب" في مقر ومكاتب الأممالمتحدة، وراء رايات الدول الأعضاء، وهذا التوصيف ممنوح إلى فلسطين والفاتيكان فقط، كما سيتاح رفع العلمين أمام المباني الرسمية الأخرى للأمم المتحدة في جنيف وفيينا. يمنح قرار الأممالمتحدة عشرين يومًا لرفع علم فلسطين، وهذا ما سيتزامن مع زيارة الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" إلى نيويورك، للمشاركة في الجلسة السنوية للجمعية العامة وقمة حول التنمية المستدامة، وسيلقي "عباس" كلمة أمام الجمعية العامة في 30 سبتمبر في هذه المناسبة التي سيتواجد فيها أيضًا رئيس الوزراء الاسرائيلي "بنيامين نتنياهو" بموجب المشاركة في أعمال الجمعية العامة. دول رافضة يأتي الكيان الصهيوني على رأس الدول الثمانية التي رفضت التصويت على رفع العلم الفلسطيني، حيث أثار القرار غضب الإسرائيليين الذين هددوا بتفريغه من الفوز، وقال مندوب إسرائيل في الأممالمتحدة "رون بروسور"، إن "العلم الذي سيرفع سيكون علم خيبة لا علم أمل، علم فشل لا علم نجاح". لحقت أمريكا بحليفتها إسرائيل، حيث قالت السفيرة الأمريكية "سامانتا باور"، إن "رفع العلم الفلسطيني لا يعوض المفاوضات ولا يقرب الطرفين من السلام". لم يختلف الموقف كثيرًا في كندا واستراليا، ودولة "تولفو" والتي تقع في المحيط الهادئ وتبلغ مساحته 25 كيلومتر، ودولة "البالو" والتي تقع في إندونيسيا، وتبلغ مساحتها 395 كيلومتر، وجمهورية جزر "مارشال"، وولاية "مايكرونزيا المتحدة" في المحيط الهادئ. دول داعمة الموقف الإسرائيلي ردت عليه الدول الداعمة لفلسطين بسخط وامتعاض، حيث أيدت فرنسا القرار بقوة وأيضًا السويد، ايطاليا، إسبانيا، فنزويلا، إيران، الصين، روسيا، بنجلادش، البرازيل، كمبوديا، كوبا، تشاد، السلفادور، إندونيسيا، ماليزيا، مالي، النيجر، باكستان، وتركيا، إضافة إلى الدول العربية. قالت وزيرة خارجية فنزويلا "دلسي رودريغيز" إن "ما سمعناه هو لغة غطرسة القوة الحربية"، متسائلة "إلى متى سنظل نتفرج على المجازر ترتكب بحق الفلسطينيين؟"، أما نائب مندوب إيران لدى الأممالمتحدة "غلام حسين دهقاني" فرأى أن "عدد الأصوات التي ساندت القرار يظهر مدى حرص الشعوب على دعم حق تقرير المصير"، واعتبر السفير الفرنسي "فرنسوا ديلاتر"، أن "هذا العلم رمز قوي وبارقة امل للفلسطينيين في الوقت الذي تتعطل فيه العملية السلمية، وتستمر فيه اسرائيل في الاستيطان غير الشرعي في الضفة الغربية المحتلة". مندوب فلسطين لدى الأممالمتحدة "رياض منصور" دعا لرفع الأعلام في كل مكان في فلسطين، بالتزامن مع رفع العلم الفلسطيني في نيويورك، وقال "إننا نعمل جميعاً على أن يكون ذلك اليوم يوم عزة وكرامة لشعبنا لشهدائنا، لأسرانا لقدسنا المحتلة، لغزة الباسلة المحاصرة، لوطننا الحبيب فلسطين". مقاومة العلم الفلسطيني مر العلم الفلسطيني بالعديد من المراحل التي كانت شاهده على وطنية ومقاومة هذا العلم للكيان الصهيوني، ففي عام 1917، استخدم الفلسطينيين العلم في إشارة للحركة الوطنية الفلسطينية التي كانت ولاتزال تمثل شوكة في خاصرة الدولة الصهيونية، وفي 1947 اتخذ حزب "البعث العربي" العلم كرمز للوحدة العربية والحرية، وفي 1948 تبنى الفلسطينيين العلم في المؤتمر الفلسطيني في غزة، وفي 1964 تم الاعتراف بالعلم الفلسطيني في جامعة الدول العربية على أنه يمثل الشعب والدولة الفلسطينية، وفي 1988 تبنت منظمة التحرير الفلسطينية العلم ليكون علم الدول الفلسطينية، إلى أن جاء سبتمبر الحالي ليعلن انتقال العلم الفلسطيني لمرحلة دولية، وتجيز الأممالمتحدة رفع العلم الفلسطيني على مقرها في نيويورك. نجاح الدبلوماسية بعد أن تأكدت القيادة الفلسطينية من مماطلة الكيان الصهيوني في المفاوضات، وأخذها ستار للانتهاكات المتكررة، بدأت تتجة إلى المحافل والمنظمات والهيئات الدولية، وشنت حملة دبلوماسية في محاولة منها لانتزاع اعتراف مهم بالدول الفلسطينية، وهو ما نجحت فيه الدبلوماسية الفلسطينية حتى الآن. الجهود الدبلوماسية لم تذهب هباءً على الرغم من الضغوط الإسرائيلية المستميته لإفشالها، إلا أنه في 29 نوفمبر من عام 2012، أصبحت فلسطين "دولة مراقبة غير عضو في الأممالمتحدة"، وذلك من خلال تصويت تاريخي ب138 صوتًا موافق، مقابل 9 رافض، مع امتناع 41 عن التصويت من أعضاء الجمعية ال193. لم تتوقف الدبلوماسية الفلسطينية عند هذا الحد، بل قررت خوض معركة الانضمام إلى وكالات المنظمة الدولية وإلى المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما حصلت عليه بالفعل لكنها لا تتمتع حتى الآن بعضوية كاملة في المنظمة الدولية بالرغم من اعتراف أكثر من 130 دولة بها.