الخليج يتنكّر لجمهوره السوري حين ننتقل إلى مرحلة استيعاب اللاجئين السوريين، يظهر ما لدى الرأي العام الخليجي، لا ما لدى الحكّام فقط، من روح معادية لبلاد الشام؛ يشرح أحد مثقفي الخليج، السبب الرئيسي وراء رفض استقبال لاجئين من سوريا، بأن هؤلاء ينتمون إلى ثقافة أخرى، غير الخليجية، مما يجعل توطينهم، في دول مجلس التعاون، صعبا. وهو يقترح أن يتوطن اللاجئون السوريون في لبنان والأردن، أي في بلدين شاميين. جاءت منهم؛ فنحن نؤمن بواقع الانفصال الحضاري بين الهلال الخصيب والخليج؛ في الواقع، لاشيء يجمعهما سوى البترودولار الذي حوّل صحارى مهملة لا يتذكرها السوراقيون، إلا في مواسم الحج، إلى مراكز لاجتذاب قوّة العمل السوراقية، الفائضة، ولتصدير الوهابية ونمط الحياة المنحط الناجم عن ازدواج التخلف الروحي والديني والثقافي مع التقدم الاستهلاكي المادي للرأسمالية النيوليبرالية، في صيغتها الأميركية، القائمة على تحويل الإنسان إلى حيوان استهلاكي مفرَغ إلا من التعصب الديني والطقوس والنفاق الأخلاقي. غير أن تصدي الرأي العام الخليجي لرفض اللجوء السوري، هو مناسبة للتفكير بما يلي: أولا، أن السستم الخليجي لا يسمح بالتفريق الجدي بين الحكّام والقسم الأساسي من المحكومين، المتمتعين بمزايا البترودولار، والمتماهين مع الأنظمة، طائفيا. وهكذا، فإن المعارضة المحتملة في الخليج، تأتي من جهتين؛ من التجمعات الشيعية، المقصاة والمضطهدة، ومن السلفية الجهادية الأكثر تشددا، والتي تكنّ "للأغيار" من شيعة وزيدية واسماعيلية وأباضية، نيّات فاشية. يخلق ذلك، بين المتشددين والأكثر تشددا، مساحة تواصل وتوافق، في الحرب على المناطق الحضارية الأخرى، العراقوسوريا واليمن. ثانيا، أن الكلام على وجود "أمة عربية" واحدة، ليس له أي معنى؛ فالتناقض بين الأقاليم العربية، لا يقوم على تناقض الأنظمة السياسية، فقط، وإنما على تناقض المجتمعات نفسها، أو تباعدها في الجناح الآخر، المصري والمغاربي على مستوى الفضاء الاجتماعي الثقافي، كله ثالثا، أن تصدير الوهّابية لا علاقة له بالسجالات الدينية التي شهدها تاريخ الإسلام، بين مدارسه وتياراته الناشئة عن صراعات اجتماعية وفكرية؛ وإنما هو محض أداة أيديولوجية للغزو الخليجي للعراق وسوريا الكبرى ومصر. وهي الكتل التي تشكّل قلب العالم العربي، وتمثّل تحديا حضاريا ووجوديا للخليج الذي عمل، كل ما أمكنه، لتجويف المقاومة الفلسطينية من الداخل، وإغراق لبنان بالحرب الأهلية، وجرّ مصر إلى حظيرة الرجعية المتحالفة مع إسرائيل، ومنع المصريين من استكمال مشروع التحرر الوطني التنموي، وتدمير الدولة الوطنية في العراقوسوريا، وسحق التمرد اليمني. رابعا، أن العلاقة المزعومة بين الوهابية وجماهيرها المضللة في بلاد الشام والعراق، ليست، بالنسبة للخليج الوهابي الاستهلاكي،علاقة شراكة طائفية؛ بل هي علاقة تشغيل داخل الدول الخليجية كعمالة وافدة لازمة، وكأداة سياسية أمنية لتقويض الدول الوطنية في تمردات طائفية وحروب أهلية وإرهابية. خامسا، أن ظاهرة اللجوء السوري، بالأساس، مصطنعة، سعوديا، إلى حدٍ كبير؛ ففي وثائق ويكليكس السعودية، ما يفضح قيام الرياض، العام 2012، بتنظيم وتمويل تطثيف عملية اللجوء السوري إلى تركيا والأردن ولبنان؛ وكان الهدف، حينها، الضغط على سوريا، وتأمين حواضن آمنة للإرهابيين. والآن، بينما تتجه السعودية وتركيا، نحو اليأس من نتائج حربها على سوريا، أصبح اللاجئون المستَجلَبون، بالتحريض والإغراء، فائضين عن الحاجة، وباتت إعادة تصديرهم إلى أوروبا، هي السبيل للخلاص منهم. سادسا، أن الدول الأوروبية، الحائرة بين حاجتها إلى أيدي عاملة شابة رخيصة وبين مخاوفها من تغيّر هوية أوروبا، هي أقدر، رغم امبرياليتها وعنصريتها، على استيعاب اللاجئين السوريين، من السعودية والخليج. وهذا يعني أن الوهابية الاستهلاكية الخليجية تمثّل أسوأ ما في هذا العالم من أنظمة ومجتمعات؛ فهل اكتشف المضلَّلون السوريون أنهم وقعوا في خديعة خليجية، وأنه جرى استخدامهم كمعاول هدم لبلدهم، ثم جرى التخلّي عنهم، ببساطة، من قبل " الشركاء في الطائفة"؟ وما هي الأفكار التي انتابت عقول اللاجئين، في رحلة الهجرة الكبرى إلى أوروبا، حول صدقيّة العلاقات الطائفية العربية؟ وما هي تحديدا مشاعر أولئك الذين تركوا السلاح، وفرّوا إلى بلاد الكفر؟ هل ما تزال السعودية، قادرة على تضليل جمهورها السوري، المرفوض في الديار الخليجية، من خلال بناء المزيد من المساجد والمراكز الدينية الوهابية في أوروبا؟ سابعا، أن جمهور المضلَّلين، لم يبدأ، بعد، باكتشاف الخديعة. معظمهم يعتبر أن فتح باب الهجرة إلى أوروبا هو أفضل نتيجة جانبية للحرب. يبدو اللاجئون، سعداء؛ فلم يصدر عن واحد منهم، ما يشي باكتشاف الخديعة، أو بالندم على المشاركة في تهديم الوطن، أو الحنين إلى ربوعه؛ هؤلاء.. لم يعودوا سوريين! ولا يقولنّ أحدٌ بأن هذه هي نتيجة الاستبداد؛ فالاستبداد لا يلغي الروح الوطنية، إلا عند غير الوطنيين، ولا يجعل من المتخلف السعودي أقرب إلى سوري من مواطنه السوري، إلا عند الطائفيين؛ إنها الوهّابية والنزعة الاستهلاكية الأنانية التي تحوّل الإنسان، في نهاية المطاف، إلى كائن بيولوجي.