تمتاز العلاقات السورية الفلسطينية بصفات خاصة، لا تتشابه مع أي من دول الجوار الفلسطيني، فعلى أرض سوريا نسجت المقاومة خيوطها وتشابكت أذرعها لأجل مواجهة الاحتلال الصهيوني وكبح جماحه عبر كافة السبل عسكريا وسياسيا، وهنا لم تتوان سوريا بقيادتها السياسية الحاكمة منذ ستينيات القرن الماضي عن مساندة فلسطين ودعمها بكافة السبل في معركتها ضد الاحتلال، لأنها تعلم جيدا أن فلسطين هي خط الدفاع الأول وأن انكسار هذا الخط سوف ينعكس سلبا على باقي الجبهات. لقد كان إشعال الفتنة في لبنان عام 1975 بهدف تقسيمه والقضاء على المقاومة الفلسطينية ردا على المعادلة الجديدة التي كرستها سوريا، حيث كان قرار الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد بتجاوز جدران "سايكس- بيكو"، ومؤازرة لبنان، فتمكنت سوريا بعد سنوات أن توقف الحرب وتسقط مشروع التقسيم وتحفظ وحدة لبنان، إلا أنّ العدو الإسرائيلي لم يتحمّل فشل مشروعه فاجتاح لبنان عامي 1978 و1982. بعد الفشل في إخضاع سوريا التي شكلت رئة التنفس للمقاومة، بدأت الحرب على سوريا عبر القرار 1559 والتهديد بالمحكمة الدولية وخروج الجيش السوري من لبنان، الذي تلاه بعد عام عدوان تموز 2006، والذي هدف إلى تصفية المقاومة، ثم العدوان على غزة 2008 -2009 بهدف القضاء على المقاومة الفلسطينية، ودائما ما وقف الرئيس الأسد إلى جانب لبنانوفلسطين، وكان قراره أثناء عدوان تموز المزيد من الدعم للمقاومة واحتضان سوريا لها، وبفضل هذه المواقف انتصرت المقاومة وفشل عدوان تموز، كما فشل العدوان على غزة بفضل سوريا ودعمها. عزز السوريون المقاومة الفلسطينية لمشروع الاستيطان، من خلال الاهتمام المتزايد للنخبة السياسية بفلسطين على نحو ما كانت مواقف المؤتمر السوري الذي أعلن فلسطين جزءا من الدولة العربية في دمشق عام 1918، ثم في مشاركة نخبة من السوريين بالمؤتمر الإسلامي بالقدس، ثم في انطلاق سوريين للمشاركة في المقاومة المسلحة لمشروع الاستيطان، كما فعل سعيد العاص، وعز الدين القسام، ورفاقهما قبيل انطلاق ثورة فلسطين الكبرى عام 1936، وهو أمر تكرر لاحقا إبان حرب فلسطين 1948 التي شارك السوريون فيها على المستويين الرسمي والشعبي. لم يقتصر دور السوريين على الدعم السياسي والمشاركة في المقاومة المسلحة في فلسطين، بل شمل تأمين المساعدة اللوجستية للمقاومة الفلسطينية قبل ثورة 1936 وبعدها من حيث تأمين الأسلحة والذخائر وتدريب المقاتلين وتنظيم الحملات الإعلامية. وفي بداية الستينات بدأت الحركة الوطنية الفلسطينية أحزابا وتنظيمات ومن ضمنها حزب البعث، تعبر عن ذاتها ومضمونها بالانخراط الواسع في عملية الكفاح المسلح والتوسع في مواجهة الاحتلال سواء من داخل الأرض المحتلة أو من خارجها، ومن هنا استطاعت الفصائل المنضوية تحت عنوان الثورة الفلسطينية أن تفرض نفسها على الواقع العربي ووجودها في الشارع العربي بعد أن أخذت الشرعية الجماهيرية الفلسطينية. لعبت الساحة السورية دورا رئيسيا في تهيئة ميدان العمل لانطلاق الرصاصات الأولى لقوات العاصفة الفلسطينية حين زار دمشق أول وفد رسمي من حركة فتح في 7 مايو1963 واستقبله وزير الدفاع السوري حينئذ حمد عبيد، الذي أعطى توجيهاته بالموافقة على استخدام الأراضي السورية في الإعداد العسكري للعمل الفدائي الفلسطيني المسلح، وشهدت هذه الفترة اتفاقا بين القيادة السورية وحركة فتح توصل إليه كل من اللواء أحمد سويداني، من هيئة أركان الجيش العربي السوري، وياسر عرفات، حيث تم إمداد حركة فتح بالكفاءات العسكرية وعلى رأسهم قائد الحرس القومي اللواء محمد إبراهيم العلي، وبالكفاءات العسكرية المنضوية في إطار الكتيبة الخاصة التي حملت اسم الكتيبة 68 والتي التحق منها 30 كادرا في قوات العاصفة، وافتتح أول مكتب علني لحركة فتح في دمشق، وتم إنشاء معسكر تدريب للحركة. مع تطورات المشهد بالساحة العربية مؤخرا، شهدت العلاقة بين سوريا وحركة حماس عدة توترات خاصة عقب اندلاع الأزمة السورية، وتناست الحركة الفلسطينية أن دمشق احتضنت قيادتها العسكرية والسياسية عشرات السنوات، حيث توترت العلاقات السورية الحمساوية بعد الموقف الذي تبنته قيادتها السياسية بدعم المعارضة والمخططات الغربية الهادفة لإسقاط الدولة السورية وتدميرها. لم يقتصر الأمر عند ذلك الحد، بل إن حركة حماس تورطت في الحرب الدائرة بسوريا ووجهت طعنة قوية لدمشق خلال السنوات الأربعة الماضية، لكن رغم كل هذه الجراح التي تنزفها سوريا لم تتوان الأخيرة يوما عن دعم المقاومة الفلسطينية، ومساندتها ضد الاحتلال الصهيوني، وما زالت حتى اليوم تزود حركات المقاومة الفلسطينية بالصواريخ وبعض المعدات العسكرية التي تحتاجها في معركة التحرير، فضلا عن الدعم والمساندة التي تقدمها إلى القضية الفلسطينية بالمحافل العربية والدولية، وتأكيدها الدائم على أن فلسطين هي محور الصراع العربي الإسرائيلي.