اغتيال الحاج رضوان في الميزان الإسرائيلي علي بدوان لم تكن عملية اغتيال عماد مغنية هي الأولى إسرائيلياً على أرض سوريا، فقد جاءت بعد أقل من أربع سنوات من العملية الإسرائيلية التي طالت الشهيد عز الدين الشيخ خليل أحد قادة حركة حماس في قلب العاصمة دمشق وعلى مقربة من مخيم اليرموك وذلك في سبتمبر 2004.
كما تأتي بعد سلسلة من عمليات الاغتيالات الإسرائيلية لرموز فلسطينية ولبنانية تمت بالطريقة الفنية ذاتها التي أصبحت اختصاصاً إسرائيلياً بامتياز (عبوة تحت المقعد الأمامي تنفجر لحظة إدارة محرك السيارة) وهو الحال الذي حصل مع اغتيال الشهيد جهاد أحمد جبريل في بيروت في مايو 2003،
والشهيدين محمد وعبدالله المجذوب من قادة حركة الجهاد الإسلامي في مدينة صيدا، وهي ذاتها الطريقة التي تمت أيضاً باغتيال بعض الشخصيات اللبنانية المحسوبة على الاتجاه الأخر، الأمر الذي يؤشر إلى محاولات إسرائيلية مستديمة للعبث في الحالة اللبنانية الداخلية وزيادة تعقيداتها.
وفي المقياس العام، تعتبر عملية اغتيال عماد مغنية في دمشق الإنجاز المخابراتي الأهم إسرائيلياً منذ فترة ما بعد انطلاقة مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 بعد اغتيال الدكتور فتحي الشقاقي (أبو إبراهيم) مؤسس حركة الجهاد الإسلامي في مالطة في نوفمبر 1995، حيث سبق اغتيال الشهيد الشقاقي استهداف الأمين العام السابق لحزب الله عباس الموسوي وعائلته عام 1992.
وهناك من وصف عملية الاغتيال إياها باعتبارها من وزن العملية التي قام بها جهاز الموساد الإسرائيلي في ستينات القرن الماضي ضد العلماء الألمان في مصر، ومن وزن عملية اغتيال القادة الثلاثة في بيروت في ابريل 1973، وعضوي اللجنة المركزية لحركة فتح محمد يوسف النجار.
وكمال عدوان، وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الشاعر كمال ناصر، وخليل الوزير (أبو جهاد) عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وعضو القيادة العامة لقوات العاصفة ومسؤول قطاع الأرض المحتلة (القطاع الغربي) الذي اغتيل في منطقة حمامات الشط في العاصمة التونسية يوم 16/ 4/ 1988 إبان لحظات الصعود الكبير للانتفاضة الفلسطينية الأولى.
وعليه، تأتي عملية اغتيال عماد مغنية بدمشق قبل أيام قليلة لتشكل تصعيداً جديداً غير مسبوق في صراع الإرادات بين قوى المقاومة وسوريا من جانب والعدو الإسرائيلي من جانب آخر، كما تأتي عملية الاغتيال أيضاً تحمل معها أكثر من رسالة دفعة واحدة.
ورسالتها الأولى إلى سوريا في عملية كبيرة اخترقت فيها الأجواء الأمنية السورية الموصوفة بجاهزيتها العالية وصحوتها الدقيقة ومراسها الجيد في تسييد الأمان داخل سوريا، بعد أن باتت دمشق منذ زمن طويل حاضنة المقاومة والممانعة في زمن عربي يتسم بالتراجع السياسي المرعب أمام سطوة العدو واستباحته لدماء الفلسطينيين واللبنانيين.
ورسالتها الثانية إلى حزب الله والمقاومة اللبنانية بشكل عام لإرهابها وإرعابها ووضعها أمام موقف مرتبك بعد اغتيال أحد أعمدتها العسكريين والأمنيين في ظل اختلالات واهتزاز الأوضاع اللبنانية الداخلية وتعقدها. ورسالتها الثالثة إلى القوى الفلسطينية التي تواصل الصراع ضد الاحتلال في الداخل الفلسطيني، وبشكل أكثر تحديداً لقادة (حركتي) حماس والجهاد الإسلامي وللجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كما للجبهة الشعبية القيادة العامة بزعامة احمد جبريل.
ورسالتها الرابعة للداخل الإسرائيلي في سياق السعي المحموم من قبل إيهود أولمرت لتحقيق انجاز نوعي يعيد فيه تلميع صورته المهزوزة منذ فشله في مشروع حرب صيف العام 2006 على لبنان، وبعد صدور تقرير فونوغراد بطبعته الثانية، وهو التقرير الذي حمل في جانب منه مسؤولية الفشل في الحرب المذكورة للأجهزة الأمنية وقصورها المخابراتي في التعامل مع قوى المقاومة وحزب الله.
فقد باتت حكومة أولمرت بحاجة لنقل أشكال من المعركة وأنماط القتال إلى خارج فلسطين في حالات معينة، كما فعلت من قبل ذلك حكومات إسرائيل المتعاقبة في فترات معروفة منذ قيام الدولة الصهيونية على أرض فلسطين العربية.
من جانب آخر، إن عملية اغتيال عماد مغنية في دمشق، عملية متقنة فنياً واستخباراتياً، ولوجستياً، فقد تمت على أيدي طرف محترف ومدمن لعمليات القتل والاغتيال بمهنية متقدمة، وفي وظيفة سياسية تتعدى شخص عماد مغنية على أهميته المعروفة في دوره في المقاومة اللبنانية وحزب الله.
لتصل إلى استهداف سوريا ككيان وكدولة وسياسة، بما تعنيه من مواقف سياسية تجاه المواضيع الحساسة المطروحة من لبنان وفلسطين والعراق وعلى صعيد عملية التسوية المأزومة على كل مساراتها. عن صحيفة البيان الاماراتية 18/2/2008