في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار الدولية إلى إقليم كردستان العراق الذي من المفترض أن يشهد انتخابات رئاسية خلال الفترة المقبلة، آثار ما تشهده الساحة السياسية من انقسامات بين الكتل الحزبية في الإقليم حول إعادة انتخاب بارزاني رئيسًا مرة أخرى جدلا كبيرا في الأوساط الإعلامية بسبب أزمة الرئاسة. وتنقسم المواقف بين مؤيد للتمديد لمسعود بارزاني للمرة الرابعة من منظور مراعاة المصلحة القومية في ظل ما تشهده المنطقة من أزمات واضطرابات كبرى، وبين من يرى ضرورة احترام العملية السياسية الديمقراطية وانتخاب رئيس جديد للإقليم. وكان من المفترض أن تنتهي ولاية بارزاني الثالثة التي تم تجديدها عام 2013 في 20 من شهر أغسطس الماضي، وتسعى الأحزاب الرئيسية التوصل إلى حل مناسب، يرضي جميع الأطراف بعد انتهاء المدة المحددة لبرزاني والذي يتوقع له الكثيرون الفوز بولاية جديدة في حال ترشحه، إلا أن يرى آخرون إنه قلت شعبيته، لاسيما بعد موقفه المفاجئ إزاء ضرب تركيا لحزب العمال الكردستاني في العراق، وهو ما أثر على شعبية حزبه. تحرّكات وسلسلة اجتماعات ومشاورات شهدتها الأحزاب في إقليم كردستان العراق على مدى أسابيع لإنهاء أزمة الرئاسة إلا أنها لم تثمر عن النتائج المرجوة، بعدما فشل البرلمان في إيجاد مخرج "مقبول" للأزمة، مما رأه محللون أن كل الطرق متجّهة نحو إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، ترسم خارطة نفوذ جديدة في الإقليم، والذي تعصف به أزمة اقتصادية، ويقاتل أبناؤه مسلحي تنظيم (داعش) على جبهة طولها 1000 كيلومتر. وبعد سلسلة اجتماعات مطوّلة للأحزاب الخمسة الرئيسية الممثّلة في البرلمان والحكومة بإقليم كردستان، اكتشف المشاركون أنّ مشاريعهم المطروحة لحلّ الأزمة يُنظر إليها من قبل المنافسين بريبة وشك، وعامل فقدان الثقة هو الذي يمنع تحقيق تقدم على صعيد حلّ الأزمة، ما دفع بالعديد من المسؤولين في الأحزاب السياسية المعنيّة، إلى الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة للبرلمان الذي أمضى نصف دورة، وربما انتخابات ثانية لاختيار رئيس جديد للإقليم. وتأتي الأزمة على خلفية رفض كتل وأحزاب مختلفة تجديد ولاية أخرى لمسعود بارزاني كرئيس لإقليم كردستان العراق، في الوقت الذي يصر حزبه الذي يحظى بغالبية مقاعد البرلمان بتجديد الولاية له من خلال تعديل الدستور، مستندا على ظرف الحرب الحالي بالإقليم مع تنظيم "داعش"، وعدم إمكانية إجراء تغيير سياسي داخل الإقليم حاليا. وهذا الصراع ينذر بعودة الصراع السياسي الذي شهده الإقليم مطلع تسعينيات القرن الماضي، عقب غزو العراق للكويت وانفصال كردستان العراق عن بغداد، وفرض الولاياتالمتحدة حظرا للطيران الحربي العراقي على الإقليم ونيله حماية دولية. وبدأت الأزمة تشتعل عندما قام أربعة من الأحزاب الرئيسية في البرلمان، والتي تملك نحو نصف المقاعد بعقد جلسة برلمانية 23 يونيو ، لتعلن عن مشاريع تتضمن تغيير النظام السياسي في الإقليم وتعديل قانون الرئاسة وسحب سلطات الرئيس وإقصاء بارزاني من الرئاسة وسحب حق الترشح منه في أي انتخابات مقبلة، كونه أمضى دورتين ونصف في الرئاسة، وقد أدّى هذا التحرك إلى تعقيد الصراع ونقله إلى البرلمان ومحاولة إضفاء الطابع القانوني عليه، وهو أساساً صراع سياسي. وتتمحور أزمة الرئاسة حول نقطتين بشكل أساسي: الأولى هي آلية انتخاب الرئيس، إذ يعتمد قانون الرئاسة الحالي على اختيار الرئيس من قبل الناخبين، لكن نحو نصف أعضاء البرلمان يريدون تغيير القانون لجعل اختياره يتمّ من قبل البرلمان، والنصف الآخر يرفض ذلك ويتمسك بالاقتراع العام في اختيار الرئيس. أما نقطة الخلاف الثانية، فهي سلطات الرئيس، وهي كثيرة وفق القانون الحالي للرئاسة. لكن الأحزاب، باستثناء "الديمقراطي الكردستاني"، (حزب الرئيس، وهو أكبر الأحزاب تمثيلاً في البرلمان، 38 مقعداً من أصل 111)، تتمسّك بسحب معظم السلطات من الرئيس، وجعل منصبه رمزياً ذا صلاحيات بروتوكولية على غرار رئيس الجمهورية في بغداد. ويرى محللون أن صورة الوضع السياسي في الإقليم ومستقبل أزمة الرئاسة فيه، باتا أكثر وضوحاً عقب الاجتماع الذي شارك فيه الرئيس البرزاني وقادة عدد من الأحزاب وسياسيين مستقلين في مقر الرئاسة، في بلدة صلاح الدين، شمال أربيل،و نقل مشاركون في الاجتماع عن بارزاني قوله إنّ «البرلمان الحالي فقد شرعيته، لأن أداء البرلمان ورئيسه كان حزبياً ولم يكن برلمانياً، ولم يتمكن البرلمان من معالجة الأزمة وإيجاد حل لها، ما يعني أن معالجة الأزمة باتت خارج البرلمان، وبالتالي لن نذهب إلى ذلك البرلمان إلى حين انتخاب دورة جديدة». يعني تصريح البرزاني انتهاء الدورة الحالية للبرلمان، وأنّ خيار الانتخابات البرلمانية المبكرة آتٍ لا محال . وفي إطار آخر، أعلنت رئاسة إقليم كردستان، عن تأجيل اجتماع الأحزاب الكردية الخمسة الذي كان مقررا الأحد بشأن مسألة رئاسة الإقليم إلى الأسبوع المقبل، مؤكدة أن إرجاء الاجتماع جاء بطلب من الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يرأسه جلال طالباني، وأعلن بيان لرئيس ديوان رئاسة الإقليم فؤاد حسين، أنه «بناءً على طلب ممثل الاتحاد الوطني الكردستاني بتأجيل اجتماع الأطراف السياسية وبعد موافقة الأحزاب الأربعة الأخرى (الديمقراطي الكردستاني، وحركة التغيير، والاتحاد الإسلامي الكردستاني، والجماعة الإسلامية الكردستانية) تم تأجيل الاجتماع إلى يوم الأحد المقبل».