وقود حضارة أي أمة هم الشباب، فما بالك بدولة تهجر شبابها وتضيق عليهم رزقهم، وتلاحقهم بالتصريحات الاستفزازية، مثلما خرج علينا رئيس الوزراء، إبراهيم محلب، مصرحًا بأن الدولة لا تملك وظائف حكومية وعلى الشباب اللجوء إلى (التوك توك)، رغم أنه أوقف استيراده وسيره من قبل، بجانب تصريح وزيرة القوى العاملة التى أكدت افتقار الدولة للوظائف الحكومية، وتوعدت أي شاب يضبط أثناء هروبة فى هجرة غير شرعية بتغريمه مليون جنيه، هو ما آل إليه حال قرابة 50 مليون شاب مصري من حديثي التخرج وحملة الماجستير والدكتوراه، وبناء على آخر بيان رسمي لجهاز التعبئة العامة والإحصاء، يتضح لنا أن 26.3% من الشباب يعانون من البطالة، ممن تتراوح أعمارهم بين (18 – 29) سنة، من بينهم 44.2% إناث و 20.2% ذكور. وبالحديث عن الفقر يتضح لنا أن 27.8% من الشباب بالمراحل العمرية من (18 – 29) عامًا، يعانون الفقر، و 24.1% آخرين على وشك اللحاق بهم، حتى أن بعض الخبراء الاقتصاديين اتهموا الدولة بالتقاعس عن دورها فى توظيف الشباب واحتوائهم، والاتجاه إلى الخلاص من قرابة 6 ملايين شاب سنويًا. قال الدكتور سرحان سليمان، الخبير الاقتصادى، ان مصر تعانى من ارتفاع معدل البطالة بين الشباب من سن (18 – 29) عامًا، يرجع إلى عدم خلق فرص تشغيل من الدولة بالاستثمار المحلي والأجنبي، كدولة جاذبة للاستثمار. هذا مناخ لم يتماشى فى مصر مع وظائف الشباب أو مؤهلهم، متسائلاً: كيف يكون الشاب حاصل على درجة الماجستير ويشغل وظيفة "ميكانيكي" ؟!؛ ويرجع ذلك إلى فشل منظومة التعليم فى مصر وانعزالها عن الواقع واحتياجات السوق الفعلية. وتابع ساخرًا، أغلب إعلانات توظيف الشباب فى مصر، تطلب شباب حديثي التخرج بشرط أن يكونوا ذو خبرة لا تقل عن 5 سنوات، ثم يتسائلون لماذا يسعى الشباب إلى الهجرة، ولماذا اختفت لغة الحوار بينهم، فالحكومة فى غياب تام عنهم، لانشغالها بالأوضاع السياسية المضطربة باستمرار. وطالب سليمان، بضرورة تطبيق تجارب دولتي ماليزيا والبرازيل على مصر، من خلال القضاء على الفساد الإداري والمالي، واستغلال الموارد البشرية بالشكل الأمثل، من خلال تسخير قدرات الشباب لخدمة المجتمع والإنتاج المحلي، ورفع الروح الوطنية لديهم، ليشعروا أن وطنهم يحتويهم ويرعاهم، وأنهم يرزقون من إنتاجهم دون السعي للهجرة غير الشرعية بحثًا عن وطن يآويهم. واتهم سليمان الحكومة، بفقر الرؤى الاستراتيجية، ودراسات الجدوى القومية، سواء كانت طويلة أو قصيرة المدى، وهو ما ينتج عنه تسرب الشعور باليأس إلى الشباب، فمصر بها قرابة 150 ألف شاب من حملة الماجستير، أغلبهم يعانون البطالة في ظل بيئات عمل فاسدة قائمة على المحسوبية وسوء التقدير والتقييم، لافتقار مؤسسات الدولة إلى الرؤى المستقبلية، وهو ما يجعل عامل النظافة فى أوروبا راتبه أضعاف الدكتور الجامعي بمصر، لأنهم هناك يقدرون القامات العملية ويجيدون استغلال الطاقات البشرية المعطلة. واتفق معه الدكتور محمد النجار، أستاذ الاقتصاد بجامعة بنها، أن فرص العمل غير متوفرة فى مصر لعدم وجود استثمار ونقص فى تكنولوجيا العمل ونقص المال، وضرب المثل بالهند بها 1.252 مليار نسمة، ولا تعاني من نقص فى المواد الغذائية، بل أصبحت دولة رائدة فى مجال صناعة التكنولوجيا. ووصف أداء الحكومة بأنه يسير بال"شعارات وليس العمل"، فهى تعتمد على المشروعات الاستهلاكية فقط، دون تنفيذ أية مشروعات إنتاجية عملاقة، كما أنها تفتقر إلى الخطط التنموية المسبقة، رغم افتقارها لمشروعات كافية لتوظيف الشباب بها، فهي تسير على خطى حكومة مبارك، قائلًا "نحن أبعد ما يكون عن الصين والهند، فحكومتنا ضعيفة حالياً ولا تقارن بالدول المتقدمة كالبرازيل وألمانيا وماليزيا". وقال الدكتور إيهاب الدسوقي، أستاذ الاقتصاد ومدير مركز البحوث بأكاديمية السادات، أن الحل الأمثل لنسبة البطالة فى مصر، وهو ضخ استثمارات جديدة، والاهتمام جذب الاستثمار الأجنبي، من خلال تفعيل نظام الشباك الواحد والقضاء على البيروقراطية، وتوفير قروض ميسرة للشباب لتشجيعهم على تأسيس مشروعات صغيرة، لأن المنظومة الحكومية أصيبت بتخمة فى العمالة؛ نتيجة زيادة معدلات توظيف أبناء العاملين، مقابل فقر المشروعات القومية، وإتباع سياسة الخصخصة وإهمال المصانع المحلية حتى أفلس أغلبها وأصبحت خاوية على عروشها، وتشرد قرابة 250 ألف عامل مصري. ودعا إلى أهمية التوسع فى الرقعة الصحراوية من 5 إلى 10% واستغلال الظهير الصحراوي للمحافظات، والقضاء على الفساد المالي والإداري وخصوصًا فى المحليات، مؤكدًا أن أجهزة الدولة تصب تركيزها على كيفية الخلاص من عبء وجود 6 ملايين شاب عاطل، دون تحمل أدنى مسئولية لتوظيفهم. ووصف وعود الدولة بتوظيف الشباب فى مشروعات قناة السويس، بأنها مجرد تطلعات غير مؤكدة، أو مدروسة، فالمشروعات لم تؤسس بعد لنعرف حجم العمالة المطلوبة بها، كما أن الدولة لا تملك خطط لمواجهة أزمة البطالة.