كيف تنظر في عيني امرأة أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟، كيف تصبح فارسها في الغرام؟، كيف ترجو غدًا لوليد ينام؟، كيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام وهو يكبر بين يديك بقلب مُنكَّس؟. بل نزيد على أمل دنقل: كيف تنظر في عين امرأة أنت تعرف أنك لا تستطيع حماية نفسك أمامها من الإهانة والضرب؟، كيف تنظر في عينيها بعد أن حاولت الدفاع عنها فانهارت كرامتك في معركة غير متكافئة مع من ظنوا ويظنون أنفسهم فوق القانون والناس؟. هذا هو ملخص مقطع الفيديو الذي انتشر على شبكات التواصل الاجتماعي، لمجموعة من أمناء الشرطة والعساكر ينهالون بالضرب على شاب. وكما اعترفت وزراة الداخلية بالحادث، وإن حاولت تجميله، فإن الواقعة تتلخص في أن "أشرف" الشاب المعتدي عليه، وصل لمحطة مترو دار السلام، ليجد خطيبته التي كانت في انتظاره، وقد تعرضت للإهانة والتحرش اللفظي من قبل مجموعة من الشباب، وحين استنجدت بأحد عساكر شرطة المترو رفض نجدتها بل عاكسها هو الآخر، وعندما حضر "أشرف" وعرف القصة طالب بتحرير محضر ضد العسكري، فتدخل أمين شرطة وسبه بوالدته، وعندما اعترض الشاب، فوجيء بأمين الشرطة وبكل قوة شرطة مترو محطة دار السلام تعتدي عليه بوحشية أمام خطيبته وأمام الركاب. لم يمر يومان على الحادث الأول، حتى سقط قتيل في المطرية برصاص الشرطة، بعد أن هاجمت قوة شرطية عائلة، وادعت أن أفراد العائلة قاوموا بالسلاح، فأطلقت قوة الشرطة الرصاص والخرطوش والغاز المسيل للدموع بشكل عشوائي، ما أسفر عن مقتل أحد أفراد العائلة وإصابة العديد من أفرادها، وعندما حاولت الأم الدفاع عن أبنائها تعرضت للضرب ب "دباشك" الأسلحة. هذه المشاهد التي التقطها مواطنون بكاميرات المحمول وانتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي، تؤكد أن جهاز الشرطة عاد أسوأ من قبل ثورة 25 يناير، وأن المصالحة الشكلية بين الشعب والشرطة في 30 يونيو كانت مجرد تمثيلية لاسترداد عنفوانهم وكرامتهم التي انهارت في 28 يناير. مشهد يؤكد أن الشرطة عادت لتنتقم لنفسها، وأنها لن ترضي حتى بوضعها قبل ثورة يناير، بل إنها قررت أن تعاقب الشعب على ثورته على الظلم، أن يدفع من يقع تحت أنيابهم ضريبة ثورة المصريين جميعا، فكل مواطن من وجهة نظرهم متهم بالثورة، متهم برفض الظلم، متهم بالتعالي على أسياده من الضباط والأمناء، متهم بأنه حاول استرداد كرامته، وهي تهم لو تعلمون كبيرة في وجهة نظر الباشوات. هذا هو ملخص حال المصريين، فليس جديدا أن يعتدي أفراد من الشرطة على مواطن، بل ليس جديدا أن يفقد مواطنون حياتهم داخل أقسام الشرطة، أو برصاص في مواجهات لا نعرف أسبابها، أو بسبب خوف لدى عناصر جهاز أمني لم يتدربوا على المواجهة فيسيطر عليهم الخوف فتخرج منهم ردود أفعال لا تناسب الموقف. أيا كان السبب، فكرامة المواطن ستظل حبرا على ورق في دستور لا نعرف متى سيطبق على أرض الواقع، وسيظل عناصر الشرطة يرون في أنفسهم أسيادا للشعب لحين محاسبة المخطيء منهم.