الزيادة وهمية.. والتجارة العالمية الميزان الحقيقي منذ حوالي أسبوع تم افتتاح محور قناة السويس، وسط حفل أسطوري ومنصة فرعونية، وقف عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي، لتعم الفرحة المصريين كافة، معتقدين أن ذلك المشروع بداية انتعاش الاقتصاد ومجال النقل البحري الذي يعزز حركة الاقتصاد بشكل كبير للغاية. وقد أكد الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، أن مشروع محور قناة السويس سيزيد من دخل القناة في أول عامين ليصل إلى 8 مليارات دولار، وبحلول عام 2023 ستتم زيادة دخل قناة السويس إلى 13.4 مليار دولار، وفي كلمته التي ألقاها في حفل الافتتاح الأسطوري، أكد أن دخل مصر من وراء مشروع قناة السويس الجديدة سيصل إلى 100 مليار دولار سنويًّا. فعلي الرغم من تضارب التصريحات بشأن العائد من المشروع من جانب رئيس هيئة قناة السويس، إلًّا أن المسؤولين أخذوا يرددون تلك الأرقام، معتبرين ذلك المشروع قوميًّا عظيمًا؛ لأنه يدر دخلًا يبلغ 100 مليار دولار بشكل سنوي بعد سنوات من إكماله، دون التطرق للحظات إلى أن تلك الأرقام غير حقيقية. أرقام فلكية والمتوسط الحقيقي 5 مليارات فلو تتبعنا أرباح القناة من عام 2009 سنجد أن الأرقام الرسمية للموازنة المصرية تفيد بأن أرباحها بلغت في العام المالي 2009/2010 نحو 4.5 مليار دولار، ثم ارتفعت إلى 5.1 مليار دولار في العام المالي 2010/2011، الذي شهد أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير. ورغم ما شهدته مصر في عام 2011 من ثورة هزت الكيان الداخلي والخارجي لمصر، إلَّا أنها قد زادت إيرادات القناة إلى 5.2 مليار دولار بالعام المالي 2011/2012، مما طرح سؤالًا حول زيادة إيرادات القناة، رغم انخفاض موارد النقد الأجنبي خلال ذلك العام، مما يؤكد ارتباط الحركة الملاحية بقناة السويس بالتجارة العالمية، وليس الأمور الداخلية لمصر وحدها أو حتى الوطن العربي بأكمله. ثم تراجعت الإيرادات بنسبة طفيفة إلى 5 مليارات دولار في العام المالي 2012/2013، ليصل النصيب النسبي للقناة من إجمالي موارد النقد الأجنبي 6.5%، حيث احتلت المركز السادس بين تلك الموارد، ثم زادت الإيرادات إلى 5.4 مليار بعام 3013/2014. وبعد أن كانت إيرادات قناة السويس تحتل عام 3013/2014، المركز السادس بين إيرادات ميزان المدفوعات المصري خلال السنوات الماضية، بعد تحويلات المصريين العاملين بالخارج، والصادرات السلعية والصادرات البترولية والغازية، والسياحة والاستثمار الأجنبي المباشر، تقدمت للمركز الخامس في عام 2013/2014 بعد تحويلات المصريين العاملين بالخارج، والصادرات السلعية والبترولية والمعونات الخليجية، في ضوء انخفاض موارد السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر. وبلغت إيرادات القناة خلال هذا العام المالي الأخير 5.4 مليار دولار، وهي تمثل نسبة أقل من 7% من إجمالي موارد النقد الأجنبي، البالغة حوالي 80 مليار دولار خلال ذلك العام المالي، وبالمقابل بلغت تحويلات المصريين العاملين بالخارج 18.4 مليار دولار، بنسبة 23% من إجمالي موارد النقد الأجنبي، وبما يمثل أكثر من ثلاثة أضعاف إيرادات القناة. وبالتالي فإن الحديث عن زيادة إيرادات القناة من 5.3 مليار دولار سنويًّا حاليًا، إلى 11 أو 13 مليار دولار أمر غير صحيح، فلا علاقة بين إنشاء مجرى ثانٍ للقناة وزيادة دخلها، فالأمر مرتبط بحجم التجارة العالمية التي تمر عبر مصر، الذي لا يتجاوز من 1 إلى 2% فقط من حجم التجارة العالمية. القناة تستوعب أقل من طاقتها القصوى.. والمحور للطوارئ يصل امتداد التفريعة الجديدة إلى 35 كم وعمقها إلى نحو 24 مترًا تقريبًا، أي أن القناة الجديدة تكاد تكون محدودة التأثير. وبالمعنى الحسابي، فإنَّ شق التفريعة الجديدة وتقليص الانتظار يسمحان بمرور عددٍ أكبر من السفن، لكن هذه الزيادة «النظرية» لن تترجم إلى حركة أكبر إلَّا لو كانت القناة قبل التوسعة قد وصلت إلى طاقتها الاستيعابية القصوى، وكانت هناك سفنٌ وخطوط ملاحية تتجنب سلوكها بسبب الازدحام أو ارتفاع رسوم العبور، بينما القناة أصلًا تعمل دون طاقتها الحالية (أكثر من 75 سفينة يوميًّا)، وبإمكانها استيعاب الزيادة الطبيعية في حركة التجارة الدولية لسنوات مقبلة. بحسب إحصاءات مجموعة «بلومبرغ» بأن القناة تشهد حركةً تقلّ 20% عمّا كانت عليه عام 2008، لذا يصعب الحكم بأن المحور سيكون له أثرٌ إيجابي مباشر في عدد السفن التي تمر من السويس. وعن ذلك تقول دكتور سلوى المهدي، خبير النقل الدولي: في الشهور التسعة الأولى من العالم المالي الجاري 2014/2015، احتلت إيرادات القناة المركز السادس، وبلغ نصيبها من إجمالي الإيرادات أقل من 7%، وفي ضوء إيرادات الشهور التسعة يتوقع تحقيق القناة نفس إيرادات العام المالي السابق، أو بزيادة حوالي 70 مليون دولار فقط. وتابعت: لابد من وضع مجرى قناة السويس الجديد في إطاره الطبيعي، فهو ليس مشروعًا جديدًا قائمًا بذاته، لكنه تطوير للمشروع القديم، ويؤكد دور مصر الإقليمي والجغرافي، ولن يكون له تأثر سياسي؛ لأن التأثير يتحدد بناء على المواقف السياسية". ومن الناحية الاقتصادية أكد دكتور هاني مختار، بجامعة عين شمس، أن الحديث عن ارتفاع إيرادات القناة من 5.3 مليار دولار سنويًّا حاليًا، إلى 11 أو 13 مليار دولار غير واقعي، فلا علاقة بين إنشاء مجرى ثانٍ للقناة وزيادة دخلها، فالأمر مرتبط بحجم التجارة العالمية التي تمر عبر مصر، الذي لا يتجاوز من 1 إلى 2% فقط منها. وأوضح أن حجم التجارة الدولية من المتوقع أن يزيد بعدما افتتحت قناة السويس الجديدة، وعلى وسائل الإعلام التي تتداول التصريحات دون فهم، إدراك أن القناة الجديدة وجدت لاستيعاب عدد أكبر من السفن حين تصل القناة إلى الحد الأقصى، وهذا لم يحدث في مصر منذ سنوات.