في أكتوبر الماضي شرعت السعودية في عملية إغراق لسوق النفط العالمي، بهدف خفض أسعاره لمستويات غير مسبوقة، مستغلة أنها الدولة الأولى على مستوى العالم في احتياطي واستخراج وتصدير النفط والمسيطرة بذلك على منظمة أوبك، وذلك دون تفسير اقتصادي منطقي، حيث أن زيادة إنتاج النفط في وقت يعاني في الاقتصاد العالمي من انكماش يخفض من حجم الطلب عليه، وخاصة من بلدان أوربا والصين، فكان لتفسير هذا الإجراء السعودي دلالات أخرى أوضحها أن تخفيض أسعار النفط هو حرب موجهة ضد إيران، الدولة المنتجة والمصدرة للنفط والتي كانت تعاني في وقتها من عقوبات دولية بسبب برنامجها النووي، وتخنق اقتصادها، وبالتالي فأن تخفيض سعر النفط سيضر بها أكثر من أي دولة أخرى بما فيها السعودية، التي تستند إلى وفرة نقدية لا تتمتع بها إيران المحاصرة والمضيق على اقتصادها وتصديرها للنفط عن طريق العقوبات الأممية والأميركية. وفي حين أن إدارة أوباما دعمت هذه الإجراءات السعودية، وتلاقت معها بهدف الضغط على روسيا، البلد الذي يعتمد في نهضته الاقتصادية بعد مرحلة تفكك الاتحاد السوفيتي على عوائد النفط والغاز، حيث أن ذلك الضغط الأميركي يأتي على خلفية الموقف المتأزم بين روسيا والغرب وعلى رأسه واشنطن، بسبب الأزمة الأوكرانية وتداعيات انفصال القرم وضمها إلى روسيا، خاصة وأن الولاياتالمتحدة استخدمت مثل هذا السلاح عشية تفكك الاتحاد السوفيتي وبالتعاون أيضاً مع السعودية. إلا أن بعد أسابيع من هذا التلاقي السعودي-الأميركي، اتضح أن الرياض ترمى إلى أكثر من الضغط على إيران، وأن إجراءات خفض أسعار النفط لم تكن إلا إستراتيجية سعودية جديدة لمواجهة خطر استغناء الغرب وخاصة واشنطن عن نفط الخليج واستبداله بالنفط الصخري، أي أن التلاقي الأميركي-السعودي كان يعني للأولى تكتيك سياسي مؤقت ومحدد بمجريات الصراع مع روسيا فيما يخص أوكرانيا، وللثانية إستراتيجية بعيدة المدى تهدف بالإضافة لخنق الاقتصاد الإيراني أكثر، إلى إضعاف صناعة النفط الصخري الناشئة والمعول عليها في انتزاع قدرة النفط السياسي السعودي. وبعد حوالي عام على بدأ هذه الإستراتيجية السعودية، فأن هناك متغيرين أساسيين قلبوا الحسابات السعودية بل وردت أثرها على المملكة التي يقوم اقتصادها على النفط؛ الأول هو الاتفاق النووي الإيراني وتبعاته الاقتصادية الإيجابية على إيران، الدولة ذات الاقتصاد المتنوع، والتي بدأ العالم في العودة للاستثمار معها بعد رفع العقوبات الوشيك، وأولها رد ما يقارب من 170 مليار دولار أميركي كانت مجمدة في البنوك العالمية بسبب العقوبات، بالإضافة إلى تعطش دول العالم وخاصة أوربا ودول شرق أسيا إلى انطلاق استثماري في شتى المجالات الاقتصادية والصناعية مع إيران، بما في ذلك صناعة النفط. المتغير الثاني وهو يتعلق بصناعة النفط الصخري، هو أن شركات النفط العالمية، وخاصة تكتل الشركات الأميركية العاملة في مجال استخراج النفط الصخري، قد نجحت خلال الشهور الماضية في بدء تجاوز عقبة تخفيض سعر النفط، حيث خفضت بواسطة التكنولوجيا تكلفة استخراج النفط الصخري، ليتناسب مع سعر النفط الحالي ويصبح ذو جدوى اقتصادية، وبالتالي فأن الإستراتيجية السعودية ليس فقط فشلت بشقيها، ولكن أيضاً ساهمت دون غيرها في الإضرار بصناعة النفط والاقتصاد السعودي. الصحفي الإنجليزي المخضرم والخبير في الاقتصاد الدولي، أمبروز إيفانز بريتشارد، نشر تحليل مطوّل في صحيفة "ديلي تيليجراف" البريطانية بعنوان "السعودية قد تفلس قبل إخضاع صناعة النفط الأميركي"، تناول فيه الشق المتعلق بمواجهة السعودية لصناعة النفط الصخري الأميركية، وكيف أن الإستراتيجية السعودية بخصوص ذلك قد ارتدت بآثار سلبية على اقتصاد المملكة. وفيما يلي نص تقرير بريتشارد: إذا كانت توقعات مستقبل سوق النفط صحيحة، فإن المملكة العربية السعودية ستبدأ في دخول مرحلة الأزمة خلال عامين من الأن، وستتحول أزمتها إلى أزمة وجودية بحلول نهاية العقد الحالي. السعر التعاقدي لخام النفط الأميركي الذي سيُسلم حتى ديسمبر 2020 يبلغ حالياً 62.05 دولار أميركي، وهذا السعر محمل بتغيير جذري في مشهد اقتصاد منطقة الشرق الأوسط والدول القائم اقتصادها على ريع البترول. خاض السعوديين مقامرة ضخمة في نوفمبر الماضي، عندما توقفوا عن دعم ثبات أسعار النفط، وعوضاً ع ذلك اختاروا إغراق السوق وإخراج المنافسين إبان دورة انكماش الاقتصاد العالمي، وذلك بزيادة أنتاجهم إلى 10.6 مليون برميل يومياً. يعبر عن ذلك تصريحات مسئولي "بنك أوف أميركا" بقولهم أن "أوبك تتحلل بشكل طردي"، حيث أغلقت هذه المنظمة المُجمعة لمنتجي النفط مكاتبها في ڨيينا لتوفير المال. إذا كان السعوديين يرموا بزيادة إنتاج وتخفيض سعر النفط إلى خنق صناعة النفط الصخري في الولاياتالمتحدة، فأنهم قد أساؤوا الحكم كثيراً في هذا الأمر، تماماً كما أخطئوا بالحكم على التهديد المتزايد للنفط الصخري خلال كل مرحلة من مراحل السنوات ال8 الماضية، حيث يذكر تقرير الاستقرار المالي الصادر عن مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي السعودي) الذي صدر مؤخرًا "أصبح واضحاً أن الدول المصدرة للنفط من خارج الأوبك لا تستجيب لأسعار النفط المنخفضة بالقدر المتصور سابقًا، على الأقل في المدى القصير". وأضاف تقرير المركزي السعودي أن "الدافع الرئيسي للأسعار المخفضة الحالية هو الحد من عمليات الحفر للبحث عن آبار نفط جديدة، بدلاً من الحد من استخراج النفط من الآبار الحالية، ولذا من المتوقع أن تؤثر الأسعار المنخفضة في الفترة الراهنة على الإنتاج المستقبلي للنفط بدلاً من الإنتاج الحالي، ويتطلب ذلك قدراً من الصبر من دول الأوبك المنتجة للنفط". ولكن أحد الخبراء السعوديين كان أشد حدة في حكمه على هذا الأمر حيث قال" لم تنجح هذه السياسة، وسوف لن تنجح أبدًا". من المؤكد أن سياسة السعودية وشركائها النفطيين في الخليج النفطية التي تسببت بانخفاض أسعار النفط قتلت احتمالات الشروع في تنفيذ مجموعة من المشاريع النفطية ذات التكلفة العالية، كالمشاريع النفطية في القطب الشمالي الروسي، خليج المكسيك، المياه العميقة في منتصف المحيط الأطلسي، ورمال القطران الكندية، حيث أشار استشاريون في وود ماكنزي بأن شركات النفط والغاز الكبرى أجلت 46 مشروعًا نفطياً كبيراً، مؤجلة تنفيذ مشاريع استثمارية تبلغ قيمتها 200 مليار دولار أميركي. ولكن المشكلة بالنسبة للسعوديين هي أن تكلفة استخراج النفط الصخري في الولاياتالمتحدة ليست مرتفعة، بل هي بالغالب متوسطة التكلفة، وكما سبق لي وأن ذكرت في مقالة سابقة نقلت فيها الآراء المطروحة في منتدى الطاقة (سيرا ويك) في هيوستن، فإن الخبراء من شركة (آي إتش إس) الاستشارية المالية الأمريكية يعتقدون بأن شركات النفط الصخري قد تكون قادرة على تخفيض تكاليف استخراج هذا النفط بنسبة 45% هذا العام، وهذا التخفيض ليس ناجماً فقط عن التحول التكتيكي لاستخراج النفط من الآبار ذات العوائد المرتفعة. فتقنيات منصات الحفر المتقدمة تسمح بإطلاق عمليات الحفر في خمسة أو عشرة آبار في اتجاهات مختلفة من نفس الموقع، والحفارات الذكية المزودة برقائق الكمبيوتر قادرة على تحديد مواقع التشققات في الصخر عوضًا عن الحفر في طبقات الصخر السميكة، والسدادات الجديدة القابلة للذوبان تعد بتوفير حوالي 300 ألف دولار أميركي في كل بئر نفطي، "لقد خفضنا تكاليف الحفر بنسبة 50%، ونسعى حالياً لتخفيضها بنسبة 30% أيضًا"، حسب جون هيس رئيس شركة هيس. القصة ذاتها بالنسبة لسكوت شيفيلد، رئيس شركة بايونيير للموارد الطبيعية "لقد حفرنا لتونا بئراً بعمق 18.000 قدم خلال 16 يوماً في حوض البرمي، وفي العام الماضي استغرقت ذات العملية 30 يوماً". وعلى الرغم من أن عدد الحفارات في شمال أميركا انخفض إلى 664 من 1608 في أكتوبر الماضي، بيد أن الإنتاج شهد ارتفاعاً ملحوظاً إلى 9.6 مليون برميل في اليوم إبان شهر يونيو، وكما يقول ريكس تيلرسون، رئيس شركة إكسون موبيل النفطية "قطار شحن نفط شمال أميركا الخفيف لم يتوقف عن الحركة". وأضاف تيلرسون بن مرونة صناعة الغاز الصخري الشقيقة تعطي تحذيراَ واضحاَ لأولئك الأشخاص الذين يعولون في تخميناتهم على عدد الحفارات العاملة؛ فعلى الرغم من أن أسعار الغاز انخفضت بمقدا ر يتراوح بين 8 دولار إلى 2.78 دولار منذ عام 2009، ورغم انخفاض عدد حفارات الغاز إلى 209 حفارة، إلا أن الإنتاج ارتفع بنسبة 30% خلال تلك الفترة. حتى الآن، مازالت حفارات الصخر بعيدة عن المخاطر نتيجة لارتباط عملها بعقود إحاطة مالية (ثابتة القيمة بأثر رجعي)، والاختبار الحقيقي لقدرتها سيحل خلال الأشهر القادمة بمجرد انتهاء هذه العقود، ولكن حتى لو أفلست هذه الصناعة نتيجة لفرط تعويلها على أموال الاستدانة، فإن هذا لن يعمل على تحسين الأمور بالنسبة لأوبك، كون هذه الآبار ستبقى موجودة، والتكنولوجيا والبنية التحتية التي تعتمد عليها لن تندثر، وبالتالي ستستحوذ شركات أقوى على هذه الآبار والبنية التحتية بأسعار رخيصة، وبمجرد صعود أسعار النفط إلى 60 دولار أميركي، أو حتى 55 دولار، ستباشر هذه الشركات إنتاجها على الفور. أوبك (التي تسيطر عليها السعودية كونها أكبر منتج ومصدر للنفط) تواجه عكس الرياح، كون كل ارتفاع في سعر النفط سيرافقه زيادة في نسبة إنتاج النفط الأمريكي، والقيد الوحيد على هذا الموضوع هو حجم احتياطيات الولاياتالمتحدة التي يمكن استخلاصها بتكلفة متوسطة، وهذه الاحتياطيات قد تكون أكبر مما هو متوقع، ناهيك عن إمكانية استخراج النفط من الأرجنتين وأستراليا، أو إمكانية استعمال تقنية الحفر النظيف في الصين من خلال تكنولوجيا ضخ البلازما التي تقلل الحاجة للماء. يشير شيفيلد بأن حوض البرمي في ولاية تكساس وحده، قادر على إنتاج من 5 إلى 6 مليون برميل يومياً على المدى الطويل، وهذا الرقم يفوق ما ينتجه حقل الغوار العملاق في المملكة العربية السعودية، وهو حقل النفط الأكبر في العالم. بشكل عام، فإن المملكة العربية السعودية هي المتضرر الأكبر من كل ما أقدمت عليه، بسبب أنها تعتمد على إيرادات النفط في 90% من إيرادات ميزانيتها؛ فبعد خمسين عاماً كاملة من الغنى النفطي، لا يوجد أي صناعة أخرى غير النفط، يمكن التعويل عليها لدفع الاقتصاد السعودي. المواطنون السعوديون لا يدفعون ضريبة على الدخل، ولا فوائد، ولا يتم حتى اقتصاص مبالغ من أرباح أسهمهم، كما أن البنزين في محطات الوقود يباع بمبلغ 12 سنتًا للتر الواحد، وسعر الكيلو واط الواحد من الكهرباء يقدر ب1.3 سنت، فضلًا عن أن إنفاق المملكة على الرعاية الاجتماعية وصل إلى أرقام فلكية إبان انطلاق ثورات الربيع العربي، في خضم سعي المملكة لخنق المعارضة. يقدر صندوق النقد الدولي أن عجز الموازنة في السعودية سيصل إلى 20% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، أو حوالي 140 مليار دولار، وسعر التعادل المالي لبرميل النفط القادر على موازنة الميزانية يقدر ب106 دولار للبرميل. وعوضاً عن تخفيض الإنفاق، عمد الملك سلمان إبان اعتلائه للعرش السعودي على ذر المال بشكل متزايد، حيث تخلى عن حوالي 32 مليار دولار أنفقها على شكل مكافئة تتويج وزعت على جميع العاملين والمتقاعدين، كما باشر حربًا مكلفة ضد الحوثيين في اليمن، خاضها بتعزيزات عسكرية ضخمة تعول كلياً على الأسلحة المستوردة من الخارج، علماً أن إنفاق المملكة العربية السعودية على التجهيزات الدفاعية يضعها في المركز الخامس عالميًا. العائلة المالكة في السعودية تقود حرباً سنية ضد نهضة إيران، حيث تقاتل السعودية من أجل إحراز الهيمنة في خضم الصراع المرير والطويل بين السنة والشيعة في منطقة الشرق الأوسط. يقول جيم وولسي، الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية: "في الوقت الراهن، السعوديون لديهم شيء واحد فقط في أذهانهم وهو إيران، ولكن هذه مشكلة خطيرة جداً بالنسبة للسعوديين، كون وكلاء إيران يعملون في اليمن، سورية العراق، ولبنان". من الملاحظ وجود اتجاه تصاعدي في تسرب رؤوس الأموال خارج المملكة العربية السعودية إبان انطلاق ثورات الربيع العربي، حيث بلغ صافي تدفقات رأس المال الخارجة حوالي 8% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا، وذلك حتى قبل انهيار أسعار النفط، والبلاد منذ ذلك الحين تحرق احتياطياتها من النقد الأجنبي بوتيرة مذهلة، حيث بلغت هذه الاحتياطيات ذروتها في شهر أغسطس من عام 2014 بمبلغ 737 مليار دولار أميركي، وانخفضت إلى 672 مليار دولار في مايو، وهذا ما يعني أن السعودية ضمن وتيرة الإنفاق الحالية تنفق حوالي 12 مليار دولار من احتياطياتها كل شهر. يقول خالد السويلم، المسئول السابق في البنك المركزي السعودي، والذي يعمل حاليًا في جامعة هارفارد، بأنه يجب تغطية كل دولار من العجز المالي من خلال السحب من الاحتياطيات، وبشكل عام، إن الاحتياطيات السعودية ليست كبيرة نسبيًا، وذلك نظرًا لنظام الصرف الثابت الذي تتبعه البلاد، فالكويت وقطر وأبوظبي جميعهم يمتلكون احتياطيات تبلغ ثلاثة أضعاف نصيب الفرد، ويعلق سويلم على هذا قائلًا: "لهذا نحن أكثر عرضة للخطر، ولهذا السبب نحن رابع دولة في الخليج بتصنيف ائتماني هو -AA". وكالة التصنيف الائتماني (ستاندرد آند بورز) خفضت تقييماتها الائتمانية للمملكة العربية السعودية لتصبح "سلبية" في فبراير الماضي، حيث تم تعليل ذلك بالقول "نحن ننظر إلى اقتصاد المملكة العربية السعودية باعتباره اقتصادًا غير متنوعاً، وضعيفاً تجاه التراجع الحاد والمستمر في أسعار النفط". كتب سويلم تقريرًا لهارفارد حول المملكة العربية السعودية، مشيراً بأن السعودية كان بإمكانها توفير تريليون دولار إضافي بأصولها المالية، لو اعتمدت على النموذج النرويجي لصندوق الثروة السيادية، بغية إعادة تدوير الأموال، عوضًا عن التعامل معها باعتبارها حصالة لوزارة المالية، وتسبب هذا التقرير بعاصفة كبيرة في الرياض، "كنا محظوظين سابقًا لأن سعر النفط تعافى في الوقت المناسب، ولكن لا يمكننا الاعتماد على ذلك مرة أخرى". أوبك أخفقت في معالجة الأمور، رغم أنها لا تمتلك أدوات يمكنها استعمالها لمحاربة تقدم التكنولوجيا الأمريكية؛ فبعد فوات الأوان، تبين بأن قيام أوبك بإبقاء الأسعار مرتفعة جدًا ولفترة طويلة، كان خطأ إستراتيجيًا كبيرًا، كونه سمح لحفارات النفط الصخري، ولصناعة الطاقة الشمسية، بالعمل والتضخم والوصول إلى سن الرشد. السعودية في وضع لا تحسد عليه اليوم، كونها محاصرة من جميع الاتجاهات، فحتى لو أبرمت صفقة مع روسيا للاتفاق على خفض الإنتاج لدعم الأسعار، وهو احتمال بعيد جدًا، فإنها بذلك قد تكتسب بضع سنوات أخرى من الدخل المرتفع، ولكن هذا الإجراء سيتم على حساب تقديم موعد طفرة زيادة إنتاج النفط الصخري في وقت لاحق. وفي حال استمرت السعودية بإتباع النهج الحالي، فإن احتياطياتها من النقد الأجنبي ستهبط حتى 200 مليار دولار بحلول نهاية عام 2018، ولكن رد فعل السوق سيسبق هذا الهبوط بفترة طويلة، فمجرد الإحساس بهذا الخطر، كفيل بتسارع واطراد وتيرة هروب رؤوس الأموال خارج البلاد. يمكن للحكومة أن تخفض الإنفاق الاستثماري لفترة من الوقت، كما فعلت في منتصف الثمانينيات، ولكنها في النهاية يجب أن تواجه سياسات التقشف الصارم، وبالتالي لن تستطيع حينها تحمل دعم مصر، والحفاظ على رعايتها السياسية الباهظة لجميع أنحاء العالم السني. الإنفاق على النواحي الاجتماعية هو اللاصق الذي يجمع شتات النظام الوهابي الذي يحكم بعقلية العصور الوسطى في الوقت الذي تختمر فيه الاضطرابات بين الأقلية الشيعية في المنطقة الشرقية، وتزداد به الهجمات الصادمة لجماعة داعش الإرهابية، وتلاقي فيه السعودية مصير رد الفعل الارتدادي جرّاء غزوها لليمن. الإنفاق الدبلوماسي هو ما يُدعّم مجال التأثير والسيطرة السعودية في النسخة الشرق أوسطية من حرب الثلاثين سنة في أوروبا، والتي لا تزال تعاني من صدمات ما بعد الثورة الديمقراطية. أخيراً، فقد تثبت لنا الأيام بأن صناعة النفط الأمريكية تتمتع بقابلية أكبر على البقاء والصمود من تلك التي تتمتع بها الدول التي تقف خلف الصرح السياسي المتهالك لأوبك. موضوعات متعلقة: