التهاوي في أسعار النفط خلال الأسابيع المعدودة الأخيرة أثار جدل كبير عند مختلف المحللين السياسيين على مستوى العالم، فللمرة الأولى منذ سنوات تنخفض أسعار النفط بقرار سياسي الغرض منه توجيه ضربة اقتصادية مؤلمة في إطار صراع سياسي مستمر بين الولاياتالمتحدةوروسيا، وحلفاء كل منهما، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط، حيث اكبر انتاج للنفط، التي تتربع السعودية على عرش منتجيه ومصدريه، وكما أن الأخيرة حليفة للولايات المتحدة، فأنها أيضاً في صراع مع حليفة روسيا الرئيسية في المنطقة؛ إيران. قبل حوالي شهر، بدأت أسعار النفط في الانخفاض وبلغت أقصى معدلات حتى الأن لأكثر من خمسة وعشرين بالمئة من سعره الذي كان يتجاوز سقف المئة وعشرة دولارات، ليصل إلى ما فوق الثمانين دولاراً، وفي مقال سابق استعرضنا الأسباب وراء هذا التهاوي، و استخدام النفط كسلاح سياسي للمرة الثانية خلال أقل من ربع قرن في الصراع بين موسكووواشنطن، حيث يشابه الأمر الأن ما حدث عشية انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث عمدت الولاياتالمتحدة على تخفيض سعر النفط لأكثر من ستين بالمئة من قيمته وهو ما أضر باقتصاد الاتحاد السوفيتي المتعثر وقتها، والذي كان يعتمد كما حال روسيا الأن على مبيعاته من النفط، وكيفية توظيف واشنطن للنفط السعودي في هذا المضمار، وهو ما ثبت مؤخراً بعدم انزعاج السعودية من هبوط أسعار النفط، وعدم تخفيض انتاجها وممارسة نفوذها في منظمة "اوبك" من أجل تخفيض انتاج دول المنظمة مما يوقف تهاوي أسعار النفط التي يتوقع خبراء أن تنخفض لأدنى من ثمانين دولار ويذهب بعضهم إلى حدود الخمسة وسبعين دولاراً للبرميل، وهو ما يعني خسارة اقتصادية كبير لروسيا، قدرها البعض بما يفوق المئة وعشرين مليار دولار سنوياً، وكذلك بالنسبة لإيران التي تعاني منذ عقود من عقوبات اقتصادية ونفطية تجعل عملية تصدير وبيع النفط صعبة تصعب من وضع الاقتصاد الإيراني المتأزم دوماً بسبب هذه العقوبات. الأمر نفسه بالنسبة للسعودية، من حيث التحكم في الأسعار العالمية، ولكن مع اختلاف غياب الصراع السياسي كما الأن، ففي منتصف الثمانينيات شرعت السعودية بعدة إجراءات لضمان التحكم بإنتاج وسعر النفط العالمي، سواء بزيادة الإنتاج أو تقليصه بغرض المنافسه مع أسعار استخراج نفط بحر الشمال، وتقليص الإقبال عليها سوقياً، وإحلال خام "أوبك" محلها، وليس ذلك فحسب لكن أيضاً إخضاع المنظمة ككل للسعر الذي تحدده الرياض بصفتها صاحبة الحصة الأكبر من ضخ النفط في المنظمة وعلى مستوى العالم. الجولة الجديدة من حرب النفط بأطرافها الكونية، الولاياتالمتحدةوروسيا، والإقليمية، السعودية وإيران، كما كل الحروب الحديثة، لا انتصار ساحق ولا هزيمة كاملة، ويضاف إلى هذا التعميم الموجز، أن سوق النفط بوضعه الحالي لا يتحمل تخفيض السعر إلى أدنى من ثمانين دولاراً للبرميل، وذلك لسبب رئيسي اعتمدت عليه الولاياتالمتحدة مؤخراً وهو انتاج النفط الصخري، الذي دخل مرحلة الاستثمار الصناعي قبل عامين بعد الطفرة التي انتابت اسعار النفط العالمية في السنوات الأخيرة، فأصبح هناك هامش ربحي من فارق تكلفة الاستخراج للبرميل الواحد، والتي تقترب من الثمانين دولار، في حين ان سعر البرميل وقتها كان يتخطى سقف المئة دولار، وهو ما دفع الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى إعلانه أن الولاياتالمتحدة ستصبح الدولة رقم واحد في انتاج النفط وستسبق السعودية أكبر المنتجين حالياً وذلك بحلول عام 2017. لكن الأن ومع انخفاض سعر النفط أثر ذلك على جدوى انتاج النفط الصخري، وأصبح هناك تربص غير معلن بين الولاياتالمتحدة والسعودية حول من سيقوم بخفض إنتاجه لايقاف تدهور اسعار النفط، فمن ناحية سياسية هناك مكسب لو استمر الانخفاض وسيؤثر بالطبع على عدد من الملفات السياسية العاجلة بين روسياوالولاياتالمتحدة وحلفائهم في المنطقة، سواء الأزمة الأوكرانية، أو السورية، أو المفاوضات النووية، ولكن من ناحية اقتصادية وسياسية –خاصة داخل الأسرة المالكة السعودية- هناك ضرر إضافي يقع على واشنطنوالرياض جراء تخفيض سعر النفط، ويمكن القول أن هذا الضرر من الممكن احتماله من العاصمتين، ولكن إلى أي مدى؟ يجاوب هذا السؤال وأكثر تقرير نشره موقع "كوارتز" المختص بشئون الاقتصاد والأعمال، تحدث عن أزمة السعودية والولاياتالمتحدة كدول مسيطرة على انتاج وسوق النفط، وأفق حربهم الحالية ضد موسكو وطهران المستخدم فيها النفط، في ظل أزمة تراجع الطلب والجدوى الاقتصادية للنفط الصخري وأيضا ردود فعل أنظمة العاصمتين على ذلك وفيما يلي نص المقال الذي ترجمه موقع راقب: في التاسع من أكتوبر، قلنا أن التوقعات بشأن وضع الأنظمة النفطية تبدو سيئة. إلا أن الواقع كان أسوأ من التوقعات: فقد كانت المملكة العربية السعودية تأمل أن يضطر منتجو النفط الصخري الأمريكيون إلى البدء في خفض الإنتاج نظرا لهبوط أسعار النفط، ولكن الوكالة الدولية للطاقة (IEA) قالت اليوم أن الأسعار يمكنها أن تهبط بمعدلات أكبر. ما الذي يعنيه هذا على الساحة الجيوسياسية؟ من المؤكد أن المباحثات النووية طويلة الأمد مع إيران، والتي تم استئنافها اليوم في فينا، سيكون لديها فرصة أفضل كي تُفضِيَ إلى اتفاق. وقد يصبح الزعيم الروسي فلاديمير بوتين أكثر تسامحًا مع أوكرانيا في مناقشات أسعار الغاز التي ستبدأ الأسبوع المقبل. أما بالنسبة لمنتجي النفط الصخري، فإنهم سيكونون أقل تأثرا. قبل أسبوعين، قال أحد مسئولي النفط السعوديين الكبار أن حاجز السعر الضروري بالنسبة للنفط الأمريكي الصخري كي يظل مربحا هو تسعين دولار للبرميل. واليوم، تحطم سعر خام برنت المتداول دوليًا ليهبط إلى أقل من 87 دولار للبرميل، حيث كان يتم تداوله بسعرٍ وصل إلى 86.17 دولار، أي بهبوط بنسبة 25 بالمائة من سعره في يونيو (115.17 دولار). وفي تقريرٍ صدر هذا الصباح، قالت الوكالة الدولية للطاقة أن أسعار النفط قد تنخفض بشدة لتصل إلى 80 دولار للبرميل، لتضع عراقيل بسيطة أمام إنتاج النفط الصخري الأمريكي: إذ قد ينخفض إنتاج النفط الصخري من 2.8 مليون براميل في هذا الربع الأخير من العام ليصل إلى 2.7 مليون برميل، بهبوطٍ نسبته 4 بالمائة، كما تتوقع الوكالة. وبالمثل، فإن الحفارات على المستوى العالمي من شأنها أن تتراجع بشكلٍ بسيط في المشاريع باهظة الكلفة، لتقلص الإنتاج العالمي بما لا يربو عن 2.8 بالمائة أو 2.6 مليون برميل في اليوم الواحد ليصل الإنتاج إلى 90.6 مليون، فالأمر ليس مفجعًا. وهذا هو مخطط الوكالة الدولية للطاقة الذي يوضح أثر هبوط سعر النفط إلى 80 دولار للبرميل على أنواع النفط الخام في أمريكا الشمالية. وهناك مجموعةٌ من العوامل تؤدي إلى هبوط الأسعار: فقد تراجع الطلب من المستهلك الأكبر للنفط في العالم (الصين)؛ وفقًا للوكالة الدولية للطاقة، فإن واردات الصين من النفط الخام هبطت بشدة بنسبة 63 بالمائة على مدار الخمسة أشهر الماضية، من 800 ألف برميل يوميًا في أبريل إلى 290 ألف برميل في سبتمبر. وفي الوقت نفسه، ارتفع المعروض من الولاياتالمتحدة وليبيا؛ فقد ازداد الإنتاج الليبي أكثر من 33 بالمائة منذ أغسطس، ليصل إلى 810 ألف برميل، وتهدف البلاد أن يصل إلى مليون برميل يوميًا بنهاية العام. وفي هذه الأثناء، يبدو أن الأسواق بأسرها تأثرت جرّاء المشكلات الجيوسياسية التي تدخلها حتى الآن في تذبذبات ونوبات حادة. وإحدى الطرق التي توضح هذه الديناميكية بجلاء هي النظر إلى العرض والطلب في أوبِك. فعندما يتحدث الاقتصاديون عن النفط العالمي، فإنهم يستخدمون مصطلح "الطلب على أوبك" كتعبيرٍ عن حجم الطلب. وهو ما تحصل عليه عندما تطرح كل الإنتاج العالمي من الطلب الظاهر باستثناء الطلب من أوبك. وبسبب العوامل سالفة الذكر، تقول الوكالة الدولية للطاقة أن "الطلب على أوبك" العام المقبل سيصبح 29.3 مليون برميل يوميًا. وذلك أقل ب 1.3 مليون من ال 30.6 مليون برميل التي تقول الوكالة الدولية للطاقة أن المنظمة ستنتجها يوميًا. انظر إلى هذا المخطط. وعندما تضيف ذلك إلى قدرة إنتاج أوبك الخاملة، والتي تعرف ب"قدرة الإنتاج الاحتياطي،" فإنك ستجد فائضا كبيرا يقدر تقريبا بخمسة ملايين برميل يوميا في الأسواق. إلا أنه لا يعتقد الجميع أن انخفاض الأسعار سوف يستمر. فقد نوهت مجموعة أوراسيا اليوم أن السوق مشجع وأن الأسعار ستبدأ في الارتفاع بنهاية العام. "التشاؤم الحالي بسبب القلق من موقف ليبيا وإيران ليس في محله، وذلك فضلا عن الاعتقاد المتزايد بأن السياسة السعودية قد تحوّلت جذريًا لتبتعد عن الإدارة النشطة للمعروض." وتستمر مجموعة أوراسيا في ملاحظتها: من المرجح أن تشهد ليبيا انتكاسة في الانتعاش في إنتاج النفط مع تفاقم الحرب الأهلية، كما أن نوفمبر 2014 سيكون بمثابة مفترق طرقٍ بالنسبة لإيران، وهناك احتمال كبير أن تضغط الولاياتالمتحدة من أجل تقليصٍ إضافي في الصادرات النفطية الإيرانية مع فشل المفاوضات النووية في التوصل إلى اتفاق أو مع مد أجلها. ومن المؤكد أن كلا من مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي وبوتين سيراقبان الأسواق آملين أن تكون حسابات التجار خاطئة. وفي نهاية المطاف، ستنعكس القرارات السياسية التى سيتخذونها على حالتهم النفسية – بتعبيرٍ آخر، يعتقد كل من خامنئي وبوتين أن هبوط الأسعار سوف يستمر.