تشير توقعات صناعة النفط العالمية الي تراجع أسعار الخام الي ما دون المائة دولار للبرميل في العام الجديد, وهو المستوي الذي ظل التداول فوقه خلال معظم السنوات الثلاث الماضية. هذه التوقعات تعكس اتفاقا واسع النطاق بشأن تحديات امام هيمنة منظمة اوبك علي السوق, والتي يري البعض انها قد اوشكت علي النفاد. في ضوء اكتشافات النفط الصخري في الولاياتالمتحدة وتحفيف العقوبات الدولية عن ايران, من المرجح حدوث انتعاش كبير في الانتاج العالمي خلال السنوات المقبلة ما سيغير في رأي المراقبين هيكل سوق النفط الذي هيمن عليه عدد قليل من المنتجين الرئيسيين لسنوات طويلة مما يثير قلق مجموعة اوبك لمنتجي النفط, فمع بقاء الاسعار مرتفعة, حرصت دول منتجة في الشرق الاوسط وامريكا اللاتينية وافريقيا علي ضخ اكبر كميات ممكنه. ولكن من ناحية اخري, يتوقع كثيرون قيام اوبك بخفض انتاجها في عام2014 بسبب زيادة الامدادات من الولاياتالمتحدة, كندا, كازاخستان ودول اخري خارج المجموعة حيث يراهن خبراء مثل جيسون بوردوف مدير مركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا واحد المسئولين في إدارة اوباما سابقا علي ان اوبك لاتزال لاعبا رئيسيا في السوق نظرا لقدرتها علي التحكم في المعروض من النقط. والسؤال المهم هو ما اذا كان أي عضو آخر في المجموعة, اضافة الي المملكة السعودية, علي استعداد لخفض انتاجه في المستقبل استجابة لتغير احوال السوق. الحديث عن ثورة في امدادات النفط في الولاياتالمتحدة بدأ بالفعل, اذ تنتج امريكا اكثر مما تستورد وذلك لأول مرة منذ التسعينيات. بل من المتوقع ان تصبح في غضون سنوات اكبر منتج للنفط في العالم. كما انها تعمل علي تقليل اعتمادها علي النفط فخلال عام2013, علي سبيل المثال, تراجع استهلاك المواد البترولية بنسبة10% مقارنة بمستوي الذروة الذي بلغته في عام2005. وفي الوقت نفسه بدأ استخدام الغار الصخري الوفير والرخيص كوقود للشاحنات والقطارات ليتحدي هيمنة النفط كوقود لوسائل النفط. حتي الآن, كان لهذه العوامل تأثير بسيط علي اسعار النفط. فانخفاض الامدادات الليبية بسبب ماتمر به البلاد من اضطرابات حادة, وكذلك الامدادات الايرانية بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها عمل علي موازنة نمو الانتاج الصخري في الولاياتالمتحدة. يذكر انه خلال عام2013, كا ن متوسط سعر خام برنت في حدود108.5 دولار للبرميل, وكان علي المملكة السعودية زيادة انتاجها الي مستويات قياسية تجاوزت عشرة ملايين برميل يوميا. وكذلك كان مستوي انتاج دول خليجية اخري, مثل الكويتوالامارات, بالقرب من او عند مستويات قياسية ايضا. وما يثير قلق المراقبين السعوديين حقيقة ليس نمو الانتاج الامريكي بقدر تغير استراتيجية حليفهم القديم. فالاتفاق مع ايران بخصوص برنامجها النووي مؤخرا, وتراجع الولاياتالمتحدة عن توجيه ضربه عسكرية ضد سوريا يثير مخاوف لدي دول الخليج, حيث من الملاحظ وجود علاقة مباشرة بين السياسة الخارجية الامريكية وسوق النفط. ويقول سداد الحسيني الرئيس السابق للتنقيب عن النفط في ارامكو أن هناك قصورا في استراتيجية وتفكير دول غربية كبيرة لاسيما الولاياتالمتحدة, وتخبط واضح في سياستها الخارجية أو الاقتصادية, والذي يخلق حالة من عدم اليقين لدي منتجي النفط. فعدم اليقين بخصوص الطلب ينعكس علي قرارات الاستثمار. وكانت المملكة السعودية قد اعلنت في وقت سابق عدم نيتها زيادة انتاجها علي المستوي الحالي الذي يقارب12.5 مليون برميل يوميا قبل عام2040وذلك بسبب نمو الامدادات في اماكن أخري. الامارات ارجأت ايضا هدفها بزيادة الطاقة الانتاجية الي3.5 مليون برميل يوميا ابتداء من عام2017الي عام2020 أما في الكويت, فالحكومة في صراع مع البرلمان من اجل تبرير الاستثمارات الاضافية في الطاقة الاحتياطية. ومن المؤكد أن دول الخليج لاتزال تنفق بقوة في هذا المجال, فالسعودية ضغت17 مليار دولار في حقل منيفه الذي بدأ الانتاج في عام2013, ويتوقع ان يصل انتاجه الي900 الف برميل يوميا وهو ما يماثل الانتاج الحالي للتكوينات الصخرية لحقل باكيناوايجل فورد رائدي ثورة الغاز الصخري في الولاياتالمتحدة. غير أن الاستثمارات الجديدة تستهدف, بشكل متزايد,تعويض تراجع انتاج الحقول القديمة اكثر منها زيادة الطاقة الانتاجية. ويسخر مسئولون خليجيون من فكرة أن نمو تنوع المعروض يمثل تهديدا للطلب علي الخام الخليجي, فزيادة انتاج النفط الامريكي تم ابرازه ليخفي الناتج المخيب للامال في عدد من الدول الاخري خارج اوبك والتي كان يتوقع لها ان تظهر كقوة موازية للمنظمة. وعلي سبيل المثال, كانت اكتشافات المياه العميقة جدا في البرازيل في عامي2007, و2008 بغرض دفع البلاد الي مصاف كبار منتجي النفط في العالم, ولكن بدلا من ذلك, تراجع الانتاج في عام2012 وتتوقع وكالة الطاقة الدولية المزيد من الانخفاض في2013 في ظل معاناة شركة النفط الوطنية بتروبراس في استخراج النفط من المياه العميقة المليئة بالصخور والاملاح. وفي كاراخستان ايضا, حقول النفط تمثل تحديا صعبا للشركات العالمية مثل اكسون موبيل واين, رويال دويتش شل وتوتال, فبعد عشر سنوات من التأخير و50مليار دولار من الاستثمارات, بدأ الانتاج اخيرا في شهر سبتمبر ليتوقف بعد اسابيع قليلة بسبب مشاكل فنية جديدة. علي مدار الثلاث سنوات الماضية كانت توقعات وكالة الطاقة الدولية للطلب علي خام اوبك في مطلع كل عام اقل من الواقع. الآن تغير تفاؤلها بشأن النمو في الامدادات الي دول من خارج اوبك. في تقريرها السنوي عن اسواق الطاقة العالمية الذي صدر في شهر نوفمبر الماضي, وصفت المنظمة ومقرها في باريس ثورة الغاز الصخري بانها مجرد توقف مؤقت لسيطرة اوبك المستمرة علي اسواق النفط في العالم. ومن جانبه قال فتيح بيرول كبير الاقتصاديين في الوكالة ان هناك رسائل خاطئة الي الشرق الاونسط والتي قد تثني عن استثمارات مهمة, وهو ما قد يتعارض في النهاية مع مصلحة المستهلكين او اسواق النفط العالمية لانه سيعني ارتفاع الاسعار في المستقبل. تتوقع وكالة الطاقة الدولية بلوغ انتاج الغاز الصخري في الولاياتالمتحدة المستوي الذروة في عام2020 ثم تراجعه فيما بعد. كما تتوقع ان يساهم انتاج الغاز الصخري خارج الولاياتالمتحدة بنحو1.5 مليون برميل يوميا فقط بحلول عام2035 في ظل قيام دول مثل روسيا والصين بتقدم محدود إزاء استخراج احتياطياتها الصخرية. هناك ايضا مسألة التكلفة. فانتاج النفط غير التقليدي مكلف. وحسب تقديرات الوكالة تكلفة الانتاج من المياه العميقة100 دولار لبرميل النفط مقابل20 دولارا لانتاج الخام التقليدي في الشرق الاوسط. وهذا يعني انه اذا انخفضت الاسعار الي مادون المائة دولار للبرميل لفترة طويلة فان ارتفاع تكاليف انتاج النفط في حقول كندا الرملية وحقول الغاز الصخري في الولاياتالمتحدة قد تدفع للتوقف عن الانتاج, مما قد يدفع الاسعار مرة اخري الي الارتفاع. ربما كان اكبر تهديد لاوبك بعيدا عن ازمة في الاسواق الناشئة او انخفاض حاد في النمو الاقتصادي الصيني هو احتمال انتاج اعضائها لكميات كبيرة من النفط وبأسعار ارخص. واتفاقية شاملة مع ايران بخصوص برنامجها النووي قد تسمح لطهران بزيادة انتاجها بواقع مليون برميل يوميا في غضون اشهر قليلة, في الوقت نفسه تسعي العراق الي زيادة انتاجها بنحو500 الف برميل يوميا الي3.5 مليون برميل يوميا في ظل استمرارها في إعادة بناء صناعتها النفطية بعد الغزو الامريكي. بعد سنوات طويلة من الابتعاد عن الاسواق بسبب الحرب أو العقوبات الدولية, لن ترغب كل من إيرانوالعراق في الالتزام بسقف الانتاج المستهدف لدول اوبك البالغ30 مليون برميل يوميا, في ضوء سعيهما الي استعادة حصتهما في السوق. ويقول خبراء في سيتي جروب ان معظم التوقعات تقلل من احتمال تكرار طفرة الغاز الصخري الامريكية في دول أخري بما يزيد التحديات طويلة الأجل لاوبك. بينما يقول البعض الآخر ان زمن اوبك قد انتهي وان العالم بصدد عصر جديد من وفرة الهيدروكربونات وتنوع المعروض وانها مسألة وقت فحسب. مع بقاء الاسعار فوق حاجز المائة دولار للبرميل, سمحت اوبك لهيكلها بالتفكك مما أثار تكهنات حول امكانية فرض التحكم في حجم انتاج اعضائها اذا لزم الامر. وكانت اوبك قد توقفت منذ خمس سنوات عن اصدار النشرة التي تبين الحصص المقررة لكل دولة. ومنذ عام2011 تجاهلت السعودية سقف الانتاج للمنظمة, وكذلك الدول الاعضاء الاخري تنتج بقدر ما تستطيع للاستفادة من ارتفاع الاسعار. ولذلك يري محللون انه اذا ما انهارت اوبك سيكون ذلك بسبب افتقار المنظمة للقدرة علي مقاومة نمو الانتاج داخلها وليس بسبب الغاز الصخري الامريكي. كقاعدة عامة, تفضل اوبك الانتظار دائما لرؤية التحولات في العرض والطلب حتي تنعكس علي الاسعار قبل اتخاذ قرار بزيادة الانتاج او خفضه. وعلي مدار تاريخها, كانت اوبك اكثر فعالية حين تتجه الاسعار للانخفاض وليس عند ارتفاعها.