تزايد اكتشافات الغاز و النفط الصخري وتخفيف العقوبات على ايران ، عاملان يراهن عليهما خبراء و محللو سوق النفط فى كونهما اختبارا لقدرة منظمة أوبك على التحكم فى الانتاج وأسعاره العالمية . ففي مأدبة عشاء خاصة في مطلع نوفمبر الماضى ، سئل مجموعة من المديرين التنفيذيين لكبريات الشركات التجارية للسلع الأساسية في العالم ، حول توقعاتهم لسعر النفط في غضون عام ، و تدوين توقعاتهم دون اى استشارات خارجية ، و قد وجد أن التوقعات تصب فى خانة انخفاض خام برنت لأقل بكثير من 100 دولار للبرميل وهو مستوى لطالما كانت الاسعار تتجاوزه بكثير معظم السنوات الثلاث الماضية. و تعكس تلك التنبؤات إجماع متزايد في سوق النفط من ان الصخر الزيتي الامريكى ، وتخفيف العقوبات على ايران.. سيكونا داعمين خلال السنوات القادمة لتوفير دفعة قوية لمزيد من توافر الانتاج العالمى من النفط ، و هوأمر يخالف واقع و هيكل سوق النفط الحالى ، الذي ومنذ فترة طويلة يتحكم بحجم إمداداته حفنة من المنتجين. وقد أصبح هذا الاتجاه مصدر قلق داخل دول مجموعة أوبك المنتجة النفط فيما يستعد وزراؤها للاجتماع في فيينا هذا الاسبوع.. هذا التكتل النفطى لمنتجي منطقة الشرق الأوسط، و أمريكا اللاتينية وأفريقيا تعتمد سياستهم على بقاء ارتفاع الأسعار، مع السماح لبعض أعضاء المنظمة بضخ النفط بقدر ما يستطيعون. لكن العديد من المحللين يتوقعون ان تعمد أوبك لخفض انتاجها العام المقبل ، مع زيادة الانتاج وإلامدادات من الولاياتالمتحدةوكندا وكازاخستان وغيرها من البلدان خارج المنظمة. و يقول جيسون بردوف، مدير مركز جامعة كولومبيا لسياسة الطاقة العالمية، والمسئول السابق بإدارة أوباما. " ان سياسات أوبك لا تزال حاسمة في السوق بسبب قدرتها على تقليص الإنتاج.. ولكن السؤال هو إذا كان هناك أي عضو باستثناء المملكة العربية السعودية مستعد للقيام بذلك في المستقبل استجابة لظروف السوق المتغيرة " نمو هائل لانتاج النفط الامريكى و الحديث عن ثورة إمدادات النفط ، يبدأ من الولاياتالمتحدة ، حيث انها الآن تنتج من خام النفط أكثر مما تستورد لأول مرة منذ بداية التسعينيات ،و في غضون بضع سنوات من المتوقع أن تكون أكبر منتج للنفط في العالم.. فضلا عن بدء الولاياتالمتحدة عملية فطام طويل الاجل من تلقاء نفسها للتغلب على إدمانها على النفط ، حيث انخفض الاستهلاك العام من المنتجات البترولية نحو 10 %عن ذروته عام 2005، كما ان الغاز الصخري الرخيص والوفير بدأ يجد طريقه إلى القطارات ومحركات الشاحنات، للتخلص من احتكار النفط كوقود للنقل. وحتى الآن كان لهذا تأثير كبير على أسعار النفط ، ولكن نقص الامدادات نتيجة استمرار الحرب الأهلية في ليبيا والعقوبات ضد إيران و عدم استقرار الشرق الاوسط ، قضى على تاثير نمو إنتاج الولاياتالمتحدة. حيث بلغ متوسط سعر خام برنت حوالي 108،50 دولار للبرميل هذا العام مع اضطرار المملكة العربية السعودية لإنتاج مستويات قياسية تقدر باكثر من 10 مليون برميل يوميا. كذللك فان انتاج دول الخليج الأخرى، فى الكويتوالإمارات العربية المتحدة، كان أيضا على مقربة من المستويات القياسية. كما شهدت تلك الفترة زيادة لواردات الولاياتالمتحدة من الشرق الأوسط بشكل ملحوظ ، نظرا الى مواصلة مصافي "تكساس" المتطورة اعتمادها على الخامات الثقيلة الواردة من المنطقة. ولم يمر التحول النفطى فى الانتاج الامريكى مرور الكرام على دول الخليج، وخاصة الرياض التى وجدت فى اعلان الولاياتالمتحدة بانها سوف تكون أكبر منتج في العالم، وأنها سوف تصبح مستقلة فى مجال الطاقة وأن العالم سيعتمد بشكل أقل على النفط المستورد .. رسائل مزعجة. رسائل مزعجة . و يقول محمد الصبان، أحد كبار مستشاري وزير النفط السعودي منذ عام 1986 ،إن المراقبين السعوديين ليسوا قلقين كثيرا من نمو إنتاج الولاياتالمتحدة و لا يعتبرونه سببا لتغير الاستراتيجية مع أقدم حلفائهم. الصفقة النووية مع ايران جاءت الصفقة مع ايران بشأن برنامجها النووي التى تم التوصل لها الاسبوع الماضي ، لتضاف الى تراجع الولاياتالمتحدة عن الضربات الجوية ضد سوريا .. جعل دول الخليج السنية غاضبة ازاء ما وصفوه بتملق الولاياتالمتحدة لمنافسيهم الشيعة في المنطقة. وقال سداد الحسيني، الرئيس السابق للتنقيب في شركة أرامكو، شركة النفط الحكومية السعودية" إن هناك صلة مباشرة بين السياسة الخارجية وسوق النفط ، وهناك قصور فى استراتيجية الدول الكبرى في الغرب، ولا سيما الولاياتالمتحدة ، وهو الذى يخلق حالة من عدم اليقين لدى منتجي النفط ". وفي وقت سابق من هذا العام، أعلنت السعودية أنها لا تعتزم زيادة القدرة الانتاجية للنفط عن مستواه الحالي البالغ نحو 12.5 مليون برميل يوميا قبل عام 2040 بسبب نمو الإمدادات في أماكن اخرى.. كما اعلنت الإمارات العربية المتحدة انها لن تزيد الطاقة الإنتاجية لاكثر من 3.5 مليون برميل يوميا فى الفترة من 2017-2020. يأتى هذا فى الوقت الذى تستثمر فيه دول الخليج الكثير لاجل تطوير حقولها ، فالمملكة العربية السعودية انفقت 17 مليار دولار لتطوير حقل " منيفة " الذى بدأ انتاجه هذا العام ، ومن المتوقع أن ينتج ما يصل إلى 900،000 برميل / يوميا، أي ما يعادل الإنتاج الحالي في مناطق " باكن" أو ايجل فورد" وهما اكبر التشكيلات الصخرية الامريكية التى تقود ثورة الصخر الزيتي في الولاياتالمتحدة. تأثير نمو الانتاج الامريكى على الدول المنتجة خارج اوبك و لكن طفرة إنتاج النفط في الولاياتالمتحدة قد تؤثر على الانتاج في عدد من البلدان الأخرى خارج منظمة أوبك، والتي كان من المتوقع أن تظهر لتنافس ثقل المنظمة بانتاجها فى السوق العالمى . ففي البرازيل، والتى كان من المفترض ان تؤدى الاكتشافات في المياه العميقة جدا في عام 2007 و 2008 لدفع البلاد الى مصاف أكبر منتجي النفط ، انخفض الانتاج في عام 2012، وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ينخفض مرة أخرى هذا العام مع شركة بتروبراس، وشركة النفط الحكومية، التى تناضل من أجل استخراج النفط من تحت الماء والصخور والملح. وفي كازاخستان حقول النفط الهائلة فى " كاشاغان" تواصل خداعها لقدرات تجمع شركات إكسون موبيل، شركة ايني ورويال داتش وشل وتوتال مع استمرار تسرب غاز كبريتيد الهيدروجين القاتل، وبعد عشر سنوات من التأخير ونحو 50 مليار دولار من الاستثمارات، بدأ الإنتاج أخيرا في شهر سبتمبر الماضى لكنه توقفت في غضون أسابيع نتيجه عطل فني آخر. وفي كل سنة من السنوات الثلاث الماضية ، كانت وكالة الطاقة الدولية، ومقرها باريس ، تصوغ سياسة الطاقة للدول الصناعية، و توقعت انخفاض الطلب على نفط أوبك ، و كان مصدر هذا التفاؤل هو الامل فى زيادة الانتاج من خارج مجموعة .. وفي تقريرها السنوي عن أسواق الطاقة العالمية الصادر الشهر الماضي، اعتبرت المنظمة الصخر الزيتي جزء من العوامل التى يمكن ان تسهم فى تحجيم سيطرة أوبك على سوق النفط. ولكن " فاتح بيرول" و هو كبير الاقتصاديين في وكالة الطاقة الدولية ، قال : " أنا قلق حقا من أننا نعطي إشارات خاطئة إلى الشرق الأوسط، وهو الامر الذي قد يؤدى للتأثير سلبا على أسعار النفط العالمى مستقبلا ". كما أن توقعات منظمة الطاقة تشير الى ان إنتاج الولاياتالمتحدة من الغاز و النفط الصخرى سيصل إلى الذروة في عام 2020 وينخفض بعد ذلك. وخارج الولاياتالمتحدة، تتوقع المنظمة على اكثر تقدير أن يسهم النفط الصخرى فقط بنحو 1.5 مليون برميل يوميا بحلول عام 2035 حيث تقوم دول مثل روسيا والصين بإحراز تقدم محدود لفتح احتياطيات الصخر الزيتي لديهم . كذلك فهناك تكلفة الإنتاج ، حيث يعد النفط غير التقليدي باهظ الثمن. وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية الى أن تكلفة الإنتاج في المياه العميقة جدا تصل إلى 100 دولار للبرميل مقارنة مع ما يزيد قليلا على الحد الأقصى من 20 دولارا للبرميل لإخراج النفط التقليدي في الشرق الأوسط. كما ان إلانتاج عالية التكلفة من الرمال النفطية في كندا إلى حقول الصخر الزيتي بالولاياتالمتحدة قد يضطر البلدين الى وقف انتاجه، مما يسمح لأسعار النفط باسترداد قوتها. وهذا يعني إن النفط لن ينخفض عند مستوى أقل من 100 دولار لفترة طويلة..و يبقى اكبر تهديد للأوبك هو حدوث أزمة بالأسواق الناشئة أو تباطؤ حاد في النمو الاقتصادي الصيني .