تصاعدت الأحداث في تركيا مؤخرا، لا سيما مع تزايد تظاهرات الأكراد المناهضة للغارات التركية على حزب العمال الكردستاني بالعراق، فنحو ألف متظاهر تجمعوا في العاصمة التركية أنقرة، وقامت الشرطة التركية بتفريقهم بإستعمال المدافع المياه والغاز المسيل للدموع. تستمر الاحتجاجات المناهضة للحكومة في حي غيزي ذي الأغلبية الكردية، منذ مقتل ناشطة يسارية من العلويين الأتراك في مداهمة أمنية، وتزامنت الاشتباكات مع شن الشرطة التركية حملة اعتقالات ومداهمات في مختلف أنحاء البلاد، تستهدف عناصر حزب العمال الكردستاني ونشطاء يساريين راديكاليين، إلى جانب مشتبه بانتمائهم لتنظيم "داعش". وعلى عكس العديد من الدول التي تتعرض لهجمات إرهابية، حاولت الحكومة التركية أن تكون أكثر تنصلًا تجاه مسؤوليتها من حادثة التفجير الإرهابي الانتحاري الذي استهدف تجمعًا لاتحاد الشباب الاشتراكي اليساري في سروج، قبالة مدينة عين العرب شمال سوريا. وسادت أجواء من التوتر في تركيا عقب حادث سروج وشنَّت أنقرة غارات على مواقع تنظيم "داعش" داخل الحدود السورية، وعلى مواقع كردية في شمال العراق، في حملة تقول السلطات التركية إنها تستهدف اجتثاث جذور الإرهاب، ورغم اختلاف حزب العمال الكردستاني عن تنظيم "داعش" فكرًا وأسلوبًا، إلا أن السلطات التركية تلقي اللوم على الحزب في أحداث العنف التي تقع بالبلاد، وبحسب المعلومات الأولية فقد أسفرت الحملة عن اعتقال حوالي 600 شخصا. ثمة تقارير برزت تتحدث أن المصالحة التي أبرمها زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان مع الحكومة التركية بعد عقدين من الحرب بين الجانبين هشة، وأن هذا العمل المضني انهار الأسبوع الماضي ب"عمل جنوني واحد" بعد الهجوم التركي على قاعدة الحزب في جبال قنديل شمالي العراق وذلك في أعقاب مقتل عدد من ضباط الشرطة على يد مسلحين أكراد، وترى صحيفة تايمز البريطانية أن تركيا الآن تقف مرة أخرى على حافة حرب عصابات مع الأكراد، وأن إضعاف الخطوط الكردية سيسمح لتنظيم داعش بتعزيز وتوسيع أراضيه في الشمال حتى في الوقت الذي يدفع فيه باتجاه بغداد في الجنوب، وأضافت أن الهجمات التركية تجازف أيضا بتأجيج سلسلة من الاشتباكات بين الأكراد وقوات الأمن التركية إلى جحيم دموي. واعتبرت تايمز هجوم تركيا "حماقة" مخيبة للآمال نظرا لتحولها مؤخرا من موقف المشاهد الساخط لضربات التحالف الجوية ضد تنظيم داعش إلى مشارك نشط وتواق للانتقام، وختمت الصحيفة بالتأكيد على ضرورة إخماد نيران هذه الحرب قبل أن تستفحل، وأن هذا ممكنا من خلال هدنة فورية مع حزب العمال الكردستاني واستئناف المفاوضات في أقرب وقت وبذلك يمكن إنقاذ المصالحة الهشة التي أُبرمت من قبل. وفي سياق متصل، قال رئيس إقليم كردستان العراقي مسعود بارزاني إن الأكراد في إقليم شمال العراق لا يتحملون مسؤولية سياسات تنظيم حزب العمال الكردستاني، مضيفا أن الحكومة التركية خطت خطوات إيجابية على طريق تحقيق السلام مع الأكراد، وجاءت تصريحات بارزاني على خلفية التصعيد العسكري الأخير بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني، وإعلان إنهاء السلام بين الطرفين. ووصف حزب العمال الكردستاني الغارات والقصف التركي الأحد بأنها "عدوان"، وقال إنها جعلت الهدنة في حكم المنتهية، ويخوض الحزب تمردا منذ عقود ضد السلطات التركية أسفر عن سقوط عشرات آلاف القتلى، وقد أعلن عن التوصل إلى هدنة مع الحكومة عام 2013 إثر مفاوضات سرية بين السلطات التركية والزعيم الكردي المعتقل عبد الله أوجلان. ويلقى دخول تركيا إلى ساحة المعركة ضد تنظيم "داعش"، مباركة التحالف الدولي ضد هذا التنظيم ودول الناتو التي أعلنت موافقتها على عقد اجتماع طارئ على مستوى السفراء تلبية لطلب تركي بهذا الخصوص، حيث دعا ينس شتولتينبيرج الأمين العام لحلف شمال الأطلسي إلى اجتماع طارئ يوم الثلاثاء لبحث المسألة الأمنية بناء على طلب من تركيا بعد تفجير انتحاري وقع الأسبوع الماضي هناك وبعد عمليات أمنية تركية ضد تنظيم داعش وحزب العمال الكردستاني. وأضاف الحلف أن مجلس الحلف الذي يضم سفراء من دول الحلف البالغ عددها 28 دولة سيجتمع بناء على طلب من تركيا لإجراء مشاورات بموجب المادة الرابعة من معاهدة واشنطن المؤسسة للحلف، وقال الحلف "طلبت تركيا الاجتماع في ضوء خطورة الموقف بعد هجمات إرهابية شريرة في الأيام الأخيرة ولإبلاغ الحلفاء بالتدابير التي تتخذها"وأضاف "أن الدول الأعضاء في الحلف تتابع التطورات عن كثب وتتضامن مع تركيا." وبموجب المادة الرابعة فإن الاعضاء يستطيعون الاجتماع لطرح موضوعات على الطاولة للنقاش واجراء مشاورات سياسية، ومنذ تأسيس الحلف في عام 1949 استخدمت تلك المادة عدة مرات حيث طلبت تركيا ذلك في 2003 و 2012 وبناء على طلب بولندا عام 2014. وتنص المادة الرابعة على أن "يتشاور الأطراف مع بعضهم البعض عند إحساس أي منهم بأن سلام المنطقة أو الاستقلال السياسي أو أمن أحد الأطراف مهدد"، وهذه المادة أقل حدة من المادة التي تليها والتي تصنف الهجوم على أي من أعضاء الحلف بأنه هجوم على جميع الأعضاء.