قالت صحيفة "هفنجتون بوست" الأمريكية إن للحرب الأهلية السورية وللنزاعات الطائفية العراقية التي تشمل داعش، تداعيات بعيدة الأثر على الديموغرافيات في عموم المنطقة، حيث شهدت منطقة إقليم كردستان العراقية التي كانت ذات مرة منطقة متجانسة إثنيا ديموغرافيتها وهي تتغير بشكل درامي بسبب تدفق أعداد ضخمة من اللاجئين العرب إلى الداخل، وما كانت ذات مرة دولة كردية قيد الانتظار، وفي الأثناء، أفضى تدفق اللاجئين الهاربين من مناطق في العراق يسيطر عليها داعش إلى تضافر جهود الجيش العراقي ضد التكفيريين. وتضيف الصحيفة أن نتيجة لذلك يتجلى في كردستان أثر داعش على الحدود والديموغرافيات في شكل تداعيات أكثر مباشرة وذات آثار بعيدة المدى، ويصبح ذلك صحيح في ضوء حقيقة أن سورياوالعراق لم تعودا على الأرجح نفس الدولتين الأمتين اللتين كانتا منذ نيلهما الاستقلال وحتى وقت قريب. وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أنه كان لذلك تداعياته على التطلعات الكردية لنيل الاستقلال وهو ما تجلى في ذروته بعد اكتساح داعش في العام الماضي لشمالي العراق، حين استولت داعش على الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، وفي البداية رد "مسعود بارزاني" رئيس الحكومة الإقليمية الكردية على اكتساح داعش بفرض السيطرة على مدينة كركوك الغنية بالنفط والمتنازع عليها مع حكومة بغداد، ثم بالإسراع في برنامجه الزمني لإجراء استفتاء يقرر فيه الأكراد إعلان الاستقلال، ومع ذلك، ومع وجود لاجئين من غير الأكراد والذين من المرجح أن يستقروا في المناطق الكردية على مدى المستقبل المنظور إن لم يزرعوا لهم جذورا ويشكلوا راهنا ثلث سكان كردستان العراقية البالغ عددهم 5.2 مليون نسمة، فإن فرص نيل الاستقلال الكردي تتعقد بشكل كبير، ويفرض تدفق اللاجئين تعقيدا مختلطا على ما كانت ذات مرة منطقة هويتها كردية بشكل حصري تقريبا، وفيما ينطوي على مفارقة، يلائم هذا الانهيار غير المقصود لتدفق اللاجئين رؤية داعش المعادية للقومية. وتلفت الصحيفة إلى أنه بالإضافة إلى ذلك، أجبر التهديد العسكري المستمر الذي يشكله داعش "بارزاني" على التخفيف من سقف تطلعاته، ومن المفارقة أن العكس يحدث في شمال غربي سوريا حيث يتهم العرب الأكراد السوريين الذين سجلوا مؤخرا انتصارات كبيرة ضد داعش بتنفيذ عمليات تطهير ضدهم في المناطق التي يسيطرون عليها، تحضيرا لإقامة دولة كردية مستقبلية. وتوضح الصحيفة أنه يشتمل تدفق اللجوء على حساسيات مضاعفة، ومثلما هو الحال في الأردنولبنان، حيث غير اللاجئون من سورياوالعراق الموازين الديموغرافية مسبقا، وهم يضعون ضغطا كبيرا على البنية التحتية للخدمات في البلدين، فإن العرب ينافسون الأكراد في سوق الوظائف في كردستان، غالبا عبر عرض أجور أقل بكثير مما يتقاضاه المواطنون الأكراد طبقا لما دأبوا عليه، وعلى نحو مشابه، بلغت أسعار الإيجارات والعقار إلى عنان السماء، وعلى نحو يحد من وصول الأكراد المحليين إليها بعد أن لم يعودوا قادرين على مواكبة ارتفاع الأسعار. من الممكن أن تأخذ التوترات المجتمعية الكامنة التي أصبحت مرئية في لبنانوسوريا بعد إضافي في العراق، حيث لطالما تعايش الأكراد والعرب بصعوبة، ولا ينسى الأكراد أن رجل العراق القوي "صدام حسين" كان قد استخدم الأسلحة الكيميائية ضدهم في محاولة لإخماد ثورة الأكراد الذين كانوا يسعون إلى نيل الحكم الذاتي، ومباشرة بعد سقوط "صدام" في العام 2003، قام الأكراد بطرد العرب الذين كانوا قد استقروا في كردستان بتشجيع من "صدام". وتلفت الصحيفة إلى أنه في الأثناء، تتجلى أمارات التوتر المتفاعل في أوساط المواطنين الأكراد المتعاطفين مع أولئك الذين يفرون من أمام التمييز والقمع والعنف بسبب تاريخهم الخاص من مواجهة القمع، ولذلك، تجد أن الأكراد شرعوا في الإعراب عن الاستياء لأن عليهم مقاتلة داعش على خط الجبهة لحماية العرب الساعين إلى اللجوء. وتضيف الصحيفة أنه يتفاقم تهديد التوترات المجتمعية بفعل اهتمام داعش بإذكاء نار المشاكل بين الأكراد والعرب، وكان طالب كردي قد اعترف بمسؤوليته في أبريل الماضي عن تفجير سيارة بالقرب من القنصلية الأمريكية في عاصمة إقليم كردستان، أربيل.