اعتمدت الصدق منذ اللحظة الأولى للكتابة، أعلنت أنها ترددت كثيرًا في البوح عن الإحساس بالمهانة، لما حدث لها في طفولتها ومراهقتها، بفعل التخلف الذي كان سائدًا، حتى واجهتها ابنتها بالازدواجية المتمثلة في ادعاء التحرر والهروب من كتابة التجربة الشخصية. الكاتبة المصرية فتحية العسال (26 ديسمبر 1933)، التي تمر ذكرى وفاتها الأولى اليوم، كانت عضو مجلس إدارة اتحاد الكتاب ورئيس جمعية الكاتبات المصريات، وأمين عام اتحاد النساء التقدمي، تزوجت من الكاتب عبد الله الطوخي، والذي انفصلت عنه في فترة من حياتها، وابنتها هي الفنانة صفاء الطوخي. تعتبر أول أديبة عربية يتم عرض عمل أدبي لها على خشبة المسرح، كتبت 57 مسلسلًا، منهم مسلسل رمانة الميزان، وسيناريو مسلسل شمس منتصف الليل، وحبال من حرير، وبدر البدور، وهي والمستحيل، وحتى لا يختنق الحب، وحبنا الكبير، ولحظة اختيار، ولحظة صدق الحاصل على جائزة أفضل مسلسل مصري لعام 1975، كما كتبت عشر مسرحيات، وهي: المرجيحة، والبسبور، والبين بين، ونساء بلا أقنعة، وسجن النسا، وليلة الحنة، ومن غير كلام. كانت العسال من أبرز المشاركين في اعتصام المثقفين المصريين، قبل نحو عامين، احتجاجًا على تعيين وزير ثقافة محسوب على «الإخوان المسلمين»، وسبق أن خاضت تجربة الانتخابات النيابية غير مرة، من دون أن يحالفها الحظ، وبحسب سيرة العسال فإن والدها حرمها من التعليم وجاء زواجها وهي في الرابعة عشرة من عمرها من الكاتب الراحل عبدالله الطوخي نقطة تحول في حياتها، إذ إنها نجحت في أن تعلم نفسها القراءة والكتابة، لتخوض تجربتها الأدبية الممتدة منذ أواخر خمسينات القرن الماضي. وبحسب تلك السيرة أيضاً فإنها تأثرت بالكثير من الأحداث في نشأتها، كختانها ورؤيتها خيانة أبيها لأمها وحرمانها من التعليم، وربما دفعها ذلك إلى الاهتمام بالقضايا الاجتماعية وقضايا المرأة، وتم اعتقالها ثلاث مرات بسبب كتاباتها. وعن تجربة زواجها تقول العسال في مذكراتها: إن زوجها كان مثقفاً وواعياً وجريئاً مثلها، ودخلا السجن معاً إلا أنها طلبت الطلاق حين شعرت أنه «يحاول أن يتملكها ويستحوذ عليها»، ولكن ما حدث بعد ذلك -كما تقول العسال- كان أشبه بفيلم سينمائي مصري، إذ إنهما التقيا بعد ثلاث سنوات مصادفة، وخلال ساعتين من الحديث اكتشفا أن الحب لا يزال يجمع بينهما، وتزوجا مرّة ثانية في مساء اليوم نفسه. وبالنسبة لأزمة سوريا، سبق وقالت خلال كلمتها في المؤتمر الصحفي الذي عقدته جبهة نساء مصر للتضامن مع سوريا اليوم: إن أمريكا والدول الأوروبية وكل العالم الذي يخطط ضد المنطقة العربية يريد تدمير سوريا، المسألة ليست قضية سوريا فقط، بل قضية العالم العربي أجمع، مطالبة الدول العربية أن تأخذ موقفا واحدا ضد أمريكا، وعلى دول البترول أن تشهر سلاحها في وجههم. أمريكا هي إسرائيل ومصالحهم واحدة، ويريدون تدمير الشعب السوري، الذي يعي مصلحته جيداً، ودون مصر لا يستطيع الشعب السوري أن يقاوم وحده، أمريكا لن تقدر على الشعوب العربية. عقب وفاتها، قالت الروائية سهير المصادفة «للبديل»: فراق فتحية العسال شئ يدعو للاختناق، فهي من أنقى الشخصيات التي يمكن للمرء أن يتعامل معاها، واستطاعت عن جدارة أن تؤدي رسالتها كما ينبغي لها، لذا لاشئ يدعو للندم اليوم، إذ أنها صاحبة مواقف ثابته، وكانت تتميز بإخلاصها لافكارها والدفاع عنها دئمًا لو كلفها ذلك السجن، فهي كانت أيقونة نضال اليسار المصري، ولا نذكر يومًا تنازلت فيه «العسال» عن مبادئها قيد أنملة. أضافت «المصادفة»: للكاتبة الكبيرة فتحية العسال فضل كبير على جيلي، لذا ارتبطنا بها كثيرًا وكنا نقول لها "ماما توحة"، كما أنها تركت للدراما التليفزيونية ما تفخر به وتتابهى، فقد ناصرت المرأه ودافعت عنها أمام الحكومات الخاشمة و السلطات الذكورية بقلمها، وفي النهاية لا توجد كلمة تصفها أفضل من أنها «جدعة جدًا» وللاسف لا أجد كلمة باللعربية الفصحي تعوضنا عنها. كما قال وقتها الشاعر زين العابدين فؤاد: هي نموذج فريد للمرأة المقاومة، إذ حاربت التخلف الفكري والاجتماعي والديني ورؤيته للمرأة بالكتابة والفن، وتجلى ذلك في مسلسل «هي والمستحيل»، إذ تناول جزء من حياتها وما يتعلق بحرمانها من التعليم وهي لم تتعدى الحادية عشر من عمرها. وأضاف «فؤاد» للبديل: «العسال» مرآة لتاريخ مصر الاجتماعي والسياسي والثقافي والفني، خلال ال70 سنة الماضية، فقد كانت تقاوم من موقع الأحداث لا تكتفي بالنظر عن بعد، فالتحقت بوفد الفنانين المتوجه إلى لبنان عام 1982، عندما إندلعت الحرب آنذاك، واستمر نضالها حتى مشوارها الأخير في حياتها، فقد شاركت في اعتصام المثقفين في يونيه العام الماضي، رغم ظروفها الصحية، وكانت دائمًا تدافع عن حرية المرأة والإبداع، ولا نذكر وقفه في معركنا الثقافية تغيبت عنها «العسال». في نوفمبر الماضي، انتهت الإدارة العامة للثقافة السينمائية، من إنتاج فيلم تسجيلى عن الكاتبة فتحية العسال، عبارة عن شهادات، ومدة الفيلم من 30:15 دقيقة بتكلفة مالية 26.000 جينه، إخراج كريم سمير محمد عزب، سيناريو وإعداد على عفيفى، والفيلم يتناول دور الراحلة فتحية العسال فى اعتصام المثقفين فى وزارة الثقافة الذى يعد المقدمة الحقيقة لثورة 30 يونيو. كما يتضمن الفيلم شهادات عدد من المبدعين والفنانين وهم الشاعر سيد حجاب، والروائى بهاء طاهر، والسيناريست محمد العدل، والدكتور أحمد سيحة. وبدأت بعدها الإدارة في إنتاج الجزء الثاني من الفيلم، الذى يتناول السيرة الذاتية والفنية للراحلة فتحية العسال، ويأتى بعنوان حضن العمر. ماذا لو نشرنا للقراء في ذكرى وفاتها الأولى اليوم، شهادة الراحلة فتحية العسال عن المسرح، التي كتبتها عام 2004، بعنوان: «المسرح أب الفنون» المسرح أب الفنون هذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان. لذلك كتبت إهداء له.. عشقي الأول والأخير. لقد آمنت بأن أهم ما يميز الكاتب المسرحي هو امتلاء روحه برسالة إنسانية سامية ينشرها بين الناس من أجل الارتقاء بحياتهم وتحريرهم من كل عوامل القهر والاستغلال وانتهاك الكرامات. ولكي يبلغ هذا الكاتب رسالته ويؤثر في حياة الناس، لابد له من إتقان صنعته والسيطرة على أساليب التعبير الفني، وإلا تتبدد رسالته إدراج الرياح دون أن تخلف ورائها أثرا أو تحقق هدفا.. ففي كل الأعمال الفنية اقترنت دائماً الرسالة الإنسانية العادلة بنضج التعبير الفني وأصالته.لذلك من الخطأ أن نزيد من أهمية أحد العنصرين على حساب الآخر.يقال أن المسرح كفن يعتمد على البناء المحكم الخالي من كل زيادات، والحوار المركز المكثف البعيد عن الثرثرة، لا تتلاءم مع طبيعة المرأة التي لا تستطيع الانفصال عن ذاتها، وبالتالي تعجز عن تقديم النظرة الموضوعية اللازمة. وهنا أجيب: أن المرأة التي تعرف الحمل طوال تسعة أشهر، قادرة أن تبني مسرحية محكمة ومتماسكة، شرط أن تكون حقا كاتبة مسرحية، لحسن الحظ ، أن المسرحية الحديثة تحررت من الأشكال التقليدية نتيجة موجات التجديد المتعددة التي بدأها (بيرندللو) و(برناردشو) و(برشت) وغيرهم من كتاب المسرح العبثي والغضبي، ومن المجددين والتجريبيين فأصبح من النادر اليوم أن نجد كاتبا كبيرا يقدم مسرحية في إطار البناء التقليدي. في مسرحيتي الأولى "نساء بلا أقنعة" اخترت صيغة "المسرح داخل المسرح"، الصيغة التي أصبحت مألوفة في المسرح الحديث. بدأت مسرحيتي بصرخة وبسؤال, لأنني كنت أشعر أني حبلى بالكلمة من عشرات لا بل من مئات السنين. فهل أن الأوان لآلام المخاض أن تعتصر أعماقي وتدفع بكلمتي للوجود.. كلمتي.. حبيبتي.. طفولتي.. ابنتي، أسمع صوتها المختلف عن كل الآهات والإناث المستضعفة المكبوتة المقهورة والمهزومة، والتي يتردد صداها عبر أجيال وأجيال وينوء بها، وبكل المخزون، من رفض للقهر والتبعية، ضمير التاريخ الإنساني.. رفضت أن أخطأ واحدا على الورق ما لم يكن نابعا من أعماقي، ومعبرا عن حقيقة المرأة وقدرتها على العطاء، لذلك استحلفت قلمي بأن يتوقف ولا يسطر حرفا واحدا مستضعفا أو مقهورا، أن شعر أني قد جبنت عن قول الحقيقة، ثم طلبت منه أن يساعدني على أن أخرج إلى الوجود. عددا من النساء أعايشهن وأتقرب منهن متكلمة بألسنتهن.. بذلك نتعرى تماما أمام أنفسنا ونجلو صدأ السنين ونصرخ في وجه الظروف والأوضاع التي حرمتنا من تفجير طاقاتنا البشرية. إنني أؤمن أخيراً، أن المسرح هو الضوء الذي ينير للإنسان الطريق. ويؤمن التواصل مع المشاهد. التواصل الذي يولد الدفء بيننا سواء كنا أمام النص المسرحي أو أمام خشبة المسرح.