شهد القرن الواحد والعشرين ثورة تكنولوجية واسعة الانتشار، وأضحي العالم المترامي الأطراف قرية صغيرة ترتبط ببعضها عن طريق شبكات الاتصال العالمية، وقد ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي لتلبية رغبات الشباب في التواصل داخل عالمهم الافتراضي البعيد عن الحواجز العرقية والأيدلوجيات المعقدة، والتي يتمتع في إطارها برسم توجهاتهم الفكرية إلى جانب إثراء حصيلتهم العلمية والمعرفية في جميع الأنساق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية، إلي جانب كونها وسيلة فعالة لخلق منبر ينشدون من خلاله التغيير. ويري بعض الخبراء أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت متنفسًا وملاذاً للبعد عن القهر والظلم المجتمعي الذي يعاني منه المواطن المصري، خاصة فئة الشباب للتعبير عن آرائهم بحرية تامة، وخير دليل علي ذلك ماحدث في 25 يناير 2011 واندلاع شرارة الثورة الأولي من مواقع التواصل، ثم تبعها ظهور الصفحات المواجهة لفساد الدولة، كان آخرها "عشان لو جه مايتفاجئش" التي بدأت بالصحة، ثم انتقلت إلي التعليم والعشوائيات، وملفات أخري مهملة من جانب الحكومة. الشباب ومواقع التواصل الفرصة الأخيرة للتصدي إلى فساد الدولة يقول جهاد عودة، أستاذ العلوم السياسية، إن مواقع التواصل الاجتماعي سمحت للشباب بالشعور بأهمية التعبير عن آرائهم، والمشاركة الفعلية في المجتمع؛ وذلك عقب عقود من الإذعان والقهر وعدم الالتفات من جانب الدولة للشباب واعتبارهم في حكم الأموات، ما ساهم في تنامي مشاعر الغضب تجاه النظام الحاكم تبلور في ثورة يناير. ويضيف "عودة" أنه عقب الثورة، سعي الشباب إلي الاحتفاظ بالمكاسب التي تحصلوا عليها، والمتمثلة في التصدي لفساد الدولة وإمكانية إيصال صوته إلي الجميع، وظهر ذلك جلياً في أزمة وزير العدل المستقيل، حينما صرح بأن أبناء عامل النظافة لا يمكن العمل بالوزارة، فلم يستطع الصمود أمام طوفان مواقع التواصل والانتقادات التي انهالت عليه، الأمر الذى أجبر الحكومة علي إقالته. وتابع: علي الدولة أن تستوعب أن الأمر لم يعد مقتصراً علي الإعلام المرئي أو المقروء لبث المعلومات، وإنما ظهر كائن جديد وهو مواقع التواصل التى لن تستطيع السيطرة عليها، وستظل سداً منيعاً أمام محاولات النظام المستمرة في السيطرة والظلم الاجتماعي، ويجب أن يكون لدي النظام الحالي رؤية أفضل كي لا يلحق بسابقيه ممن لم يستطع أن يجاري حقيقة الوضع بأن الشباب ومواقع التواصل هي الحاكم الفعلي للمجتمع. ويؤكد أستاذ العلوم السياسية أن الوسائل التكنولوجية الحديثة سمحت للجميع بالاطلاع علي جميع المعلومات والبيانات الخاصة بالدولة، مما يتيح إمكانية الحساب لكل مسئول والقضاء علي الفساد الإداري المستشري بالبلاد منذ عقود. فشل التعليم وإهمال الأسرة وراء اتجاه الشباب للعالم الافتراضي يقول الدكتور جمال فرويز، الاستشاري النفسي: "يتبلور تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على المنظومة الأخلاقية، إذا أحسن توظيفها واستغلالها في كونها أداة تستخدم في تعزيز وترسيخ التمسك بالقيم الدينية وقيم المواطنة الصالحة وتأصيلها في نفوس الشباب، ومرتع فاضل تمارس فيه أخلاقيات التواصل والحوار مع الشعوب المختلفة في شتى أصقاع المعمورة، نابذين التعسف والتعصب ضد الإيديولوجيات واللغات، مجسدين الوفاق العرقي، بالإضافة إلى الإطلاع على ثقافة الآخر وحرية التعبير عن الرأي، في ظل احترام الغير وعدم المساس بالمقدسات والحريات الشخصية". ويوضح "فرويز" أن كل تقنية تعتبر سلاحا ذى حدين، فقد تكون منصة بناء أو معولاً للهدم، ففي ظل ذوبان الحواجز والمسافات بين الدول يزداد خطر التأثر بسلوكيات وأفكار غريبة منبوذة في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية وغريبة عن موروثاتنا القيمية، ويظهر هذا جليًا في الملبس والمظهر الخارجي للشباب والعنف الذي يمارسونه لفظيًا أو سلوكيًا والانزواء عن محيط العائلة والأصدقاء والاكتفاء فقط بالتواصل مع أصدقاء العالم الافتراضي، فيفتقرون بذلك إلى مهارات التواصل وينسونها، مضيفا: "لذلك يجب أن نعمل على توعيتهم بكيفية استخدامها بالشكل الأمثل، التحذير من مغبة الوقوع في براثنها، ونجعلهم يميزون بين الغث والسمين فيها ونصل إليهم من خلالها فهي الأقرب إلى استمالتهم ذهنيا وعاطفيا، ونستنهض هممهم ونشاركهم القضايا التي تهمهم، ونستمع لهم على صفحاتها بدلاً من أن نحجمها". واستطرد: "الأزمة بدأت في ميل الشباب لمواقع التواصل حينما أهملت الأسرة دورها في تكوين شخصية الشاب وتركت الأمر للتعليم، الذي بدوره فاشل ويعتمد علي التلقين وليس الفكر والإبداع، إضافة إلي إهمال المجتمع دور الشباب فى السنوات الماضية، ولم يحصل على التقدير المناسب لهم، فكل تلك العوامل ساهمت في بعد الشاب عن العالم الواقعي والاتجاه للعالم الافتراضي الذي يشكله بحسب مايريد دون التعرض لضغوط أو مضايقات ودون إملاء لأوامر من أحد". ويؤكد الخبير النفسي أن علاج المشكلة يكمن فى إصلاح منظومة التعليم ككل؛ حتى يصبح تطور المجتمع مبنى على علم وفكر صحيح، ولا يكون مبنى على جهل، مما يؤدى إلى تدهور وهدم المجتمع، مشيرا إلى ضرورة احتواء المجتمع للشباب وتنمية العمل الجماعى، وإعلاء مصلحة الدولة، ومشدداً علي الدور المهم الذي تلعبه الأسرة، فيجب على الآباء أن يعطوا الفرصة لأبنائهم للتعبير عن أنفسهم وإعطائهم مساحة وحرية للتعبير عن آرائهم وأفكارهم المختلفة.