«احترام آراء الآخرين على اختلاف أصولهم وأعراقهم ودياناتهم»، «احترام الملكية الخاصة وعدم المساس بها»، «ألا يكون له تاريخ نازى أو شيوعى أو تبنى فى الماضى أى فكر متطرف»، «لم يعاقب أو يصدر ضده أحكام بشأن جرائم ارتكبها فى الماضى» أربعة شروط وضعتها دولة ليبرلاند للحصول على المواطنة والجنسية بها، ولكن يبقى السؤال ما هى دولة ليبرلاند؟! التى سجل الشباب المصرى أعلى معدلات على موقعها الإلكترونى من طلبات الهجرة إليها والعيش بها، تجاوزت 60٪ من الشباب المتقدمين من حول العالم. جمهورية ليبرلاند الحرة، بكل صراحة «اشتغالة إلكترونية افتراضية» أطلقها أحد المواطنين من دولة التشيك «ييدليتشكا»، وأعلن لها عن موقع منصبا نفسه رئيسا لهذه الدولة التى أعلن موقعها بأنها تقع على نهر الدانوب بين كرواتيا وصربيا، ولغتها الرسمية الإنجليزية والتشيكية، وحدد شعارها بعبارة «عش الحياة ودع غيرك يعيشها»، وأعلى من مبادئها التى تنص على إرساء الحرية على مختلف الأصعدة، الصعيد الشخصى والاقتصادى والسياسى، وهى الحرية التى يكفلها الدستور الذى يقوض فى الوقت ذاته قوة ونفوذ الساسة بما لا يمكنهم من التدخل فى حريات الشعب. بغض النظر عن التصريح العقيم الوحيد الذى صدر من وزارة الخارجية الذى ينفى وجود هذه الدولة على الخريطة، ويرسل تحذيراته ونصائحه للشباب المصرى بألا ينساق وراء هذه الدعوات المغرضة، لم نر مسئولا آخر يناقش الواقعة من خارج الصندوق، ويسأل نفسه عن أسباب اندفاع الشباب وراء هذا السراب، الذى وصل الى هاشتاج على السوشيال ميديا بالتنازل عن الجنسية المصرية من أجل ضمان القبول للمواطنة بالدولة الجديدة؟! وفى مقابل ليبرلاند الحرة الأوروبية، دشن الشباب صفحة على الفيس بوك باسم عرب لاند العربية وكانت مطالبها بسيطة للغاية ولكنها عميقة جدا وتدل على معاناة الشباب المصرى وهى «لن يكون للواسطة والمحسوبية مكان فى دولتنا الجديدة، فأبناء أى مسئول سيتساوون مع أبناء البسطاء فى فرص العمل والمناصب، ولن يصبح ابن الضابط ضابطاً وابن القاضى قاضياً . هكذا أحلام يجب أن نفتح باب التساؤلات: ألم يسأل صناع القرار أنفسهم لماذا يغضب الشباب إلى هذا الحد؟، وهل قدمت الدولة ما عليها من واجبات تجاه هذا الشباب؟!. الدكتورة سوسن الفايد - أستاذ علم الاجتماع السياسى بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية قالت: إن إقبال الشباب على التسجيل وطلب الهجرة لموقع جمهورية «ليبرلاند» هو مؤشر خطير لرفض هؤلاء الشباب الواقع المصرى والسياسات الماخؤذة على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وابتعاد هذه السياسات عن الشاب البسيط وعدم تلبيتها لاحتياجاته ومتطلباته الأساسية. وأضافت: الرغبة فى الهجرة التى وصلت للتنازل عن الجنسية لإمكانية القبول فى دولة ليبرلاند المزعومة هو فى حد ذاته تأكيد أن الشباب ليس لديه أى أمل أو رؤية ممكنة لملامح التغيير، سواء على مستوى الإصلاح فى الجهاز الإدارى أو منظومة العمل أو طرح مشروعات استثمارية تستوعب الملايين من الشباب. وأكدت الفايد أن برامج الدولة تقدم للشباب كلاما معسولا لكن على الأرض لايشعر المواطن البسيط بأن هناك جديدا يحدث، وهذا يؤدى إلى إحباط جمعى وإنهيار لمنظومة القيم. وأشارت إلى أن موضوع دولة ليبرلاند قد يتخذه البعض أو المسئولون مزحة وأن الشباب يتسلى بها، ولكن الدولة الجديدة الوهمية تلعب دورا مهما على صناع القرار، لفهم ودراسة الملابسات والمؤشرات التى طرحتها فكرة الهجرة لهذه الدولة، لأنها تعكس حالة التمرد وعدم الرضا فى قطاعات واسعة من الشباب، وإهدارا للثروات البشرية والأمل والحماس، وهو ما تكون نتيجته عكسية وغير مرضية للجميع بل تعود بالضرر على المجتمع كله. وقالت: «دولة ليبرلاند» الوهمية هى أحد أشكال حروب الجيل الرابع التى تواجهها مصر، ومع ذلك لا يجب أن نتغافل عن مؤشراتها، هذه الحروب القائمة على تفتيت الدول والتشكيك فى الانتماء والوطنية، واستغلال شبكة الإنترنت كمناخ خصب وواسع لاستغلال الطاقة السلبية التى تعانى من الإحباط وتوجيهها نحو التطرف بدلا من الاستثمار الإيجابى، مشددة على أهمية فهم صناع القرار فى مصر لمطالب الشباب. «الشباب مش لاقى أصلا وطنه مصر، فمن الطبيعى أن ينساق وراء إعلان لدولة افتراضية على الفيس بوك اسمها ليبرلاند حتى لو كانت مربع متر فى متر بالصحراء، لأنه فقد الإحساس بالعدالة والقانون وإعادة الحقوق لأصحابها، بعدما فقد الأمل فى فرصة عمل حقيقية فى ظل الإعلان عن المشروعات القومية الفضفاضة التى لم تنفذ على أرض الواقع.. مش ممكن نلوم على الشباب دلوقتى ونبحث عن أسباب رغبته فى الهجرة أو تنازله عن الجنسية «هكذا عبرت مرفت موسى - الناشطة السياسية وعضو جبهة طريق الثورة». وأضافت إن الشباب من قبل ثورة يناير وهو غائب من المعادلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، وغائب من أجندة سياسات الحكومة، وعندما نزل الشباب الثورة لم يكن هدفه فقط فرص عمل أو وظيفة، بل بحثا عن وطن وبلد كان يشعر بالإهانة والمهانة طول الوقت، نزل الثورة من أجل الحرية والديمقراطية، والعدالة ورفع الظلم. وأكدت أن الشباب المصرى منذ اندلاع ثورة يناير كانت لديه طاقة كبيرة مليئة بالأمل والحماس، وكان يمكنهم تغيير وجه مصر وتحويلها إلى أوروبا، فهو من كنس الشوارع ونظم إشارات المرور وشعر أن البلد عاد له، وأنه ليس غريبا عنه، أو مسروق منه، بل شعر بأنه استرده من جديد، ولكن هذه الطاقة ظلت تتراجع يوما بعد الآخر حتى تحولت إلى إحباط وفقدان للأمل والاستمرار فى العيش بمصر، والرغبة العارمة فى الهجرة منها. وطالبت موسى المسئولين من جميع مؤسسات الدولة بفتح الحوار السريع والجاد مع الشباب لامتصاص البركان الذى يتكون يوما تلو الآخر تحت السطح. أحمد دراج - أستاذ العلوم السياسية جامعة القاهرة وأحد مؤسسى الجمعية الوطنية للتغيير - يرى أن الإعلام والمسئولين بالدولة يعتقدون أن الشباب راض عن أدائهم، ونسمعهم يتحدثون دائما عن مطالب الشباب وطموحه، ولكن هذا غير صحيح، فالشباب أبعد ما يكون عن أجندة الدولة، وهو ما ولد عنه حالة الإحباط واليأس فى الإصلاح فمازال يرى الفساد أمام عينه، ومازال يرى قمع الحريات والسجن أمامه، وفى الفترة الأخيرة أصبح الشباب الثورى يواجه بحزمة من الاتهامات المتكررة من العمالة والخيانة والتمويل أو انتمائه لتيار إسلامى إرهابى. وأكد أن الشباب عندما حلم بالسفر إلى ليبرلاند كان يبحث عن الحرية عندما شعر بالغربة فى وطنه والتجاهل، وغياب الأمل فى رؤية أى ضوء فى نهاية النفق، مشددا على خطورة استمرار ابتعاد الدولة عن احتواء الشباب . وحذر دراج من خطورة استغلال ظرف الإرهاب بأن تتعامل الدولة مع المواطنين من منطلق لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، فجيل الشباب الذى نزل وتصدر الثورة ودفع الثمن جيل مختلف لن يقبل الإهانة أو التعامل الأمنى العنيف مثلما قبلته الأجيال السابقة، معربا عن خطورة هجرة الشباب الذى أغلبه سيكون متعلما ولديه خبرة ونجاح يمكن أن يفيد به دولته وليس أوطانا أخرى، ولن يبقى سوى المطبلاتية والمنافقين الذين تعودوا على ارتقاء المناصب بالمحسوبية وليس عن طريق الكفاءة. من جانبها قالت منى عزت - المتحدث الرسمى لحزب العيش والحرية تحت التأسيس - أن ما وصل إليه الشباب لتصديق فكرة الهجرة إلى دولة ليبرلاند الافتراضية يوضح مدى انسداد كل الطرق والسبل الخاصة بالتغيير فى وجوه الشباب المصرى، وتعامل مع الدولة الجديدة كأنها فرصة حقيقية للهروب من الواقع العام التى تشهده البلاد بعد 4 سنوات من الثورة. وأضافت أن الشباب الذى خرج للثورة لأسباب مختلفة يجد استمرارها حتى الآن من البطالة والفقر والمحسوبية والفساد الذى يقضى على مستقبله فى الحصول على وظيفة محترمة، ولم يبق سبيل أمام الشباب سوى الهجرة أو الانتحار كما انتشرت عدة حالات فى الفترة الأخيرة، نتيجة لاستمرار نفس السياسات الاقتصادية والاجتماعية، فى ظل غياب مشروعات واضحة وآفاق للتغيير. أكدت أن المجال العام أصبح مغلقا أمام الجميع وعلى رأسهم الشباب، فهناك تضييق على عمل كل المبادرات حتى التنموية والاجتماعية والثقافية، بل أصبحت هناك مصادرات لأى مبادرات أو آراء مختلفة مع النظام السياسى، مؤكدة أن استمرار الدولة فى عزلها للشباب وعدم إتاحة حرية الرأى والتعبير والتمكين السياسى والاقتصادى لهم، ستترتب عليه نتائج سلبية تخلق مناخا خصبا للتطرف وتبنى الشباب للأفكار الانعزالية التى تتعامل مع المجتمع بشكل عدائى. بينما يرى الدكتور جمال فرويز - استشارى الطب النفسى بجامعة القاهرة - أن حالة الإحباط والرغبة فى الهجرة لدى الشباب مسئول عنها الإعلام الذى يضخم المشكلات ويحولها إلى أزمات وكأنها ظاهرة، فالإعلام يبث يوميا عشرات من حالات الاغتصاب والقتل والعنف وزنى المحارم وكأن مصر تحولت إلى دولة كبيرة من الانحرافات، رغم أن هذه الحوادث لا تتعدى حالات فردية لايمكن أن ترقى إلى حد الظاهرة، ويتحول البلد فى وجه أى مواطن وخاصة الشاب المتحمس الذى يريد أن يطمئن على مستقبله إلى وطن لا يوجد فيه سوى الأخبار السوداء والمشكلات. وقال إن الشباب المصرى يرفض البدء من الصفر، وهناك 300 ألف لاجئ سورى وجدوا لأنفسهم أعمالا فيشكو المصريون من البطالة. وطالب فرويز القيادة السياسية بسرعة اتخاذ إجراءات تستقطب الشباب وتفرغ طاقته السلبية اتجاه المجتمع عبر محورين من مشروعات طويلة المدى قومية عملاقة وبين مشروعات قصيرة المدى تستوعب فرص عمل كبيرة للشباب، بدلا من تركيز الشباب على الأفكار السلبية. ويرى أحمد كامل البحيرى - المتحدث الرسمى لحزب التيار الشعبى تحت التأسيس - إن تسجيل الشباب المصرى على موقع جمهورية ليبرلاند يشير إلى عدة جوانب أن هؤلاء الشباب ينتمى إلى الطبقة المتوسطة المتعلمة القادرة على التواصل تكنولوجيا مع العوالم الحديثة، فضلا عن امتلاك لغة أجنبية جيدة للتواصل والمعرفة والقراءة والكتابة، وليس تلك الطبقة الدنيا المطحونة والتى تبحث عن الهجرة لمجرد البحث عن لقمة عيش، وهذا هو المؤشر الخطير فى طلبات هجرة الشباب إلى ليبرلاند، وهو يوضح أن الهدف من الهجرة سياسى ومن أجل الحريات والديمقراطية. وأضاف أن هذه الأسباب التى تتعلق بحرية الرأى والتعبير هى أزمة الشباب منذ اندلاع ثورة يناير حتى الآن، فالجميع يجب أن يعلم أن الثورة لم تكن من أجل العيش والأهداف الاقتصادية ولكن من أجل الظلم ورفض الانتهاكات التى تمارسها الداخلية فضلا عن قمع الحريات وتضييق المشاركة السياسية، ومن ثم لا يعقل أن بعد أكثر من 30 شهراً من اندلاع يناير أن نعود للمربع صفر، وهو ما يشعر الشباب بالإحباط والرغبة فى الهجرة. توقع البحيرى انخفاض المشاركة من قبل الشعب بأكمله فى الانتخابات البرلمانية المقبلة، فى ظل حالة التشبع الثورى للمواطن الذى مر بها خلال الأربع سنوات الماضية، بل سيكون هناك انخفاض فى أعداد المرشحين من الشباب لخوض الانتخابات عكس النسب الكبيرة التى كانت موجودة فى برلمان 2012 .∎