حالة من اليأس والإحباط أحاطت بالشباب المصري؛ نتيجة عدم تحقق أي من مطالب الثورة التي راح ضحيتها العديد من الشهداء والمصابين؛ من أجل تحسن أحوال المواطن البسيط. وفي الأيام الأخيرة أظهر استطلاع للرأي نشرت نتيجته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن الشباب العربي أصابه الإحباط من محاولات تحقيق الديمقراطية وبناء نظام يحكم على أساس احترام حقوق المواطنين وآرائهم، خاصة بعد التغييرات الكبيرة الواقعة في المنطقة العربية، والتي يتصدرها استخدام الخوف من التطرف الإسلامي كأداة للأنظمة الحالية في وأد الثورات ومنع أي طريق إلى الديمقراطية الحقيقية. ووفقًا لاستطلاع الرأي السنوي الذي أجراه مشروع «أصداء» التابع لمؤسسة «بيرسون مارستيلر»، والذي يأتي في نسخته السابعة هذا العام، فإن هناك انخفاضًا ملحوظًا في أعداد الشباب العربي الذي لا يزال يعتقد بالديمقراطية منذ الربيع العربي الذي بدأ في نهايات عام 2011، والذي أطاح بأربعة من قادة الدول العربية. نتائج الاستطلاع الذي أُجري هذا العام تعكس هذا الانخفاض. فبينما أبدى 92% من الشباب العربي في عام 2011 رغبتهم في «العيش في دولة ديمقراطية»، فإن نتائج العام التالي في 2012 أظهرت أن 42% اعتبروا أن غياب الديمقراطية هو أكبر عقبة تواجه منطقة الشرق الأوسط. وفي الوقت الذي بلغت فيه نسبة الشباب العربي الذي ما زال يثق في تحقيق الديمقراطية في استطلاع هذا العام 15% من إجمالي الأعداد التي شملها الاستطلاع، والتي بلغت 3500 شخص ممن تتراوح أعمارهم بين 18-24 عامًا. عوامل عدة كانت قد عززت من ذلك التراجع، من بينها تحوّل ثورات الربيع العربي إلى حملات قمع طالت الأحزاب الإسلامية بالتزامن مع صعود الجماعات الإسلامية المتطرفة في العراق وسوريا وليبيا، ناهيك عن احتدام الصراعات الطائفية بين السنة والشيعة. كما يؤشر ذلك على أن التباين في آراء الشباب العربي بشأن التحديات السياسية والاقتصادية كان من شأنه تقويض التصورات الإيجابية إزاء ثورات الربيع العربي. الحكومة فقدت مصداقيتها لدي الشباب.. والديمقراطية «للخف در» يقول محمد زارع، رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، إن الشباب العربي خاصة المصري تعرض لصدمة تصل إلى حد اليأس عقب الثورة؛ نتيجة عدم تحقق أية مطالب نادى بها المصريون خلال تلك الثورة من عيش وحرية وعدالة اجتماعية، فالحياة الاقتصادية للمواطن تسير من سيئ لأسوأ، فقد قامت الحكومة برفع الدعم عن كافة القطاعات من كهرباء وغاز ومياه، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار كافة السلع الأساسية في حياة الفرد، كل ذلك إلى جانب عدم تحقق مطلب العدالة الاجتماعية، مشيرًا إلى أنه للأسف لا تزال معاناة المواطن البسيط مستمرة. ويضيف زارع أن استطلاع الرأي وإن كان لا يختص بالشباب المصري فقط، ويظهر الوضع في العالم العربي ككل، ولكن بالنظر إلى الوضع المصري نلاحظ أنه مطابق تماماً لكل ما جاء في التقرير والاستطلاع، لافتاً إلى أن الشباب فقد المصداقية، خاصة في التعامل مع النظام، والذي أثبت خلال الفترة الماضية عدم اكتراثه باحتياجات المواطنين، وإنما يلبي مطالب الساسة ورجال الأعمال. ويؤكد رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي أن الهاجس الذي يطارد الشباب حاليًّا باليأس من المستقبل وعدم توقع حدوث تغيير إيجابي تمثل في طلبات الهجرة التي تزايدت خلال الفترة القليلة الماضية، سواء للدول صاحبة المكانة العريقة في استقبال المهاجرين أو الدول الجديدة التي تظهر على السطح كما هو الحال بالنسبة للضجة التي أثيرت حول دولة ليبرلاند وطلبها الحصول على مواطنين. قوانين ضالة في أعقاب الثورة.. والمحصلة شباب فاقد للهوية ويقول أمين إسكندر، القيادي بحزب الكرامة، إن حزمة القوانين التي صدرت في أعقاب ثورة يناير أضلت الشباب عن مسعاهم الحقيقي من عيش وحرية وعدالة اجتماعية، فكافة التشريعات التي صدرت كانت لأجل حماية السلطة الحاكمة أو في سبيل عقد الاتفاقات والمصالح مع أحزاب سياسية؛ مما ساهم في تزايد حدة التوترات في فترة من الفترات؛ نتيجة شعور القوى السياسية بتغليب المصالح الخاصة للبعض على مصلحة الدولة العليا. وأضاف أنه سواء المجلس العسكري أو المستشار عدلي منصور، أو الدكتور مرسي، أو المشير السيسي، فالجميع يسعي لشيء واحد فقط هو تحقيق المصلحة دون النظر للمواطنين وأحلامهم، مشدداً على أن الفترة الأخيرة وما شهدته من قوانين خير دليل على رغبة السلطة في إعادة النظام الديكتاتوري السابق، لافتاً في الوقت ذاته إلى عدم سماح الشباب بحدوث ذلك، فمن ضحى بحياته في سبيل الحرية لن يقبل بالهوان ثانية. ويؤكد القيادي بالكرامة أن تلك التقارير تعكس الوضع الحقيقي على أرض الواقع، وتثبت أن الشباب العربي بصفة عامة والمصري بشكل خاص وصل لمرحلة من اليأس تجعله يفقد الأمل في تحسن الأوضاع وحدوث تغيير فعلي على أرض الواقع، موضحاً أن حالة الغضب التي تتراكم داخل نفوس الشباب تمثل خطراً على الدولة، فهي السكون الذي يسبق العاصفة والتي قد تدمر كل شيء في حال عدم التعامل معها بحنكة من جانب الدولة.