"أما مصر رائدة تحرر واستقلال القارة السمراء، فإنني أقول لمن يحاول فصلها عن واقعها الإفريقي: لن تستطيع فصل الروح عن الجسد، فمصر إفريقية الوجود والحياة، وأقول لأبناء الشعب المصري العظيم -الذي قامت حضارته العريقة على ضفاف نهر النيل الخالد- لن أسمح لموضوع سد النهضة أن يكون سببا لخلق أزمة أو مشكلة، أو أن يكون عائقا أمام تطوير العلاقات المصرية سواء مع إفريقيا أو مع إثيوبيا الشقيقة، فإن كان السد يمثل حقها في التنمية فالنيل يمثل لنا حقنا في الحياة، النيل الذي ظل رمزا لحياة المصريين منذ آلاف السنين، والي جانب استمراره كشريان حياة المصريين علينا أن نعمل ليصبح واحة للتنمية والتعاون فيما بين دول حوضه، وكما شهدت علاقات مصر الإفريقية تطورا تاريخيا بدءا من مساندة حركات التحرر والاستقلال، ومرورا بدعم أشقائنا الأفارقة من خلال التعاون الفني لأبناء القارة، فإن تلك العلاقات يتعين أن تتطور لتحقيق الشراكة في التنمية في شتى المجالات الصناعية والزراعية والتجارية، فمصر بوابة العالم إلى إفريقيا ونافذة إفريقيا على العالم". كانت هذه الجمل جزءا من خطاب الرئيس السيسي، في حفل التنصيب قبل عام تقريبا، حينها كان ملف إفريقيا من أهم الملفات التي كان على الرئيس المصري الجديد أن يُعيد ترتيب أوراق مصر فيها، أما القضية الأهم التي كان ينتظرها الشعب المصري من الرئيس هي قضية استعادة النيل، ثم النظر لاستعادة القارة، وكان المصريون كل أملهم بل ثقتهم أن الرئيس يوقف استكمال بناء سد النهضة الذي يهدد حصة مصر من مياه النيل، لكن الملف كان شائكاً، خاصة وأن قضية المياه تحوَّلت إلى أزمة سياسية، لينتهي الأمر باعتراف السيسي بأحقية إثيوبيا فى بناء السدود، واتفاق بين القاهرةوالخرطوموأديس أبابا على مبادئ حول مشروع سد النهضة (اتفاق الخرطوم)، وكانت تلك الاتفاقية تعتبر اعترافًا دوليًا بسد النهضة الذي تعتبره مصر مسألة أمن قومي، وبذلك تكون إثيوبيا هي الرابح الوحيد من هذه الوثيقة، لأنها بذلك سوف تضمن تدفق الاستثمارات على السد بعدما توقفت شكاوى مصرية للأمم المتحدة. أكد الخبراء أن هذا الاتفاق تم بشكل متعجل، وأنه في صالح الجانب الإثيوبي الذي حصل بذلك على اعتراف دولي من مصر لتمويل السد، مشيرين إلى أن الوثيقة لم تضف شيئًا للجانب المصري، وأن أديس أبابا هي الرابح الأكبر، مضيفين أن الوثيقة لا تحمل أي التزام من الجانب الإثيوبي، والوثيقة مجرد "تعبير عن النوايا بين الدول الثلاث"، وأن اتفاقية 1902 التي تنص على منع إثيوبيا من بناء أي سدود على مجرى النيل أصبحت شبه لاغية، وأن هناك مخاطر تتمثل في مخالفة تلك الاتفاقيات القديمة التي كانت حصنًا لمصر لحماية نصيبها من مياه النيل. كما نسفت هذه الوثيقة اتفاقية 1902 للمياه التي تنص على منع إثيوبيا من بناء أي سدود على مجرى النيل، ونسفت أي حق لمصر في منع إثيوبيا من إقامة سدود أخرى، علمًا أن خطة إثيوبيا هي بناء 22 سدا، ويجري بالفعل بناء 4 منهم (جابا، وكارادوبي، ومنداي، وبيكو) وهذه المجموعة سينشأ عنها أزمات مستقبليّة بين القاهرةوأديس أبابا، وقد وقعت إثيوبيا اتفاقية 13 سبتمبر 2014 مع 3 شركات لبناء سد "جبا" لإنتاج الطاقة وري الأراضي الزراعية على نهر "بارو أكوبو" جنوب غرب البلاد، بتكلفة تبلغ 533 مليون دولار. نص التقرير النهائي للجنة الثلاثية المصرية السودانية الإثيوبية، وكذا دراسات متعددة لخبراء المياه المصريين، فضلًا عن معظم الدراسات، على أن "التصميمات المقدمة من الجانب الإثيوبي بها قصور في منهجية عمل تلك الدراسات، والتي لا ترقى إلى مستوى مشروع بهذا الحجم على نهر عابر للحدود"، وقد طالبت مصر بتحديث تلك الدراسات لمعرفة المخاطر التي يمكن أن تضر دول المصب لو توقفت محطات توليد الكهرباء أو أنهار جزء من السد والتي لم يتم توضيحها في الدراسات الإثيوبية والتصميمات المقدمة للجنة، ومع هذا اكتفى نص البند الثامن "مبدأ أمان السد" بالنص على أنه: سوف تستكمل إثيوبيا بحسن نية التنفيذ الكامل للتوصيات الخاصة بأمان السد الواردة في تقرير لجنة الخبراء الدولية دون إلزام، مكتفيًا ب"حسن النية".