تعد اليابان من الناحية الاقتصادية واحدة من أكثر الدول تقدمًا في العالم، تتمتع العلامات التجارية اليابانية مثل تويوتا وسوني وفوجي فيلم وباناسونيك بشهرة عالمية، ويعتبر التصنيع أحد ركائز القوة الاقتصادية اليابانية، لكن مع ذلك، تمتلك اليابان القليل من الموارد الطبيعية، لذلك فإن أحد الأساليب التي تتبعها الشركات اليابانية تتمثل في استيراد المواد الخام وتحويلها لمنتجات تباع محليًّا أو يتم تصديرها، ويعد عِلم استخدام الإنسان الآلي أحد أهم المجالات الواعدة للنمو الاقتصادي المستقبلي، الذي تتفوق فيه التكنولوجيا اليابانية على باقي دول العالم. وفيما يخص العلاقات الخارجية لليابان، خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية، تتميز هذه العلاقة بعدم الاستقرار منذ زمن طويل، لقد قادت هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية إلى مرحلة تغيير قسري بالنظام السياسي والاجتماعي الياباني، قادته الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث لم تكتف الولاياتالمتحدةالأمريكية بإعادة صياغة النظام السياسي، بل كتبت الدستور الياباني وعملت على القضاء على التركيبة الاجتماعية المرتبطة بشخص الإمبراطور، وبالفعل فإن النجاح الأمريكي على المستوى السياسي كبير، بينما كان ومازال هناك تمسك ياباني بجزء من القيم الاجتماعية اليابانية، حيث أصبحت نموذجًا واضحًا في مرحلة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي لمفهوم الأصالة والمعاصرة، أي الربط بين التمسك بالقيم الاجتماعية والتقدم التقني السريع، وبالفعل فإن اليابان أصبحت مثالًا يقتدى به في شرق آسيا ووسطها في هذا الجانب على وجه التحديد، إلَّا أنه في أواخر القرن الماضي أي منذ عام 1990م وحتى اليوم فإن شواهد التأثير الاجتماعي الأمريكي أصبحت من الوضوح في شوارع طوكيو والمدن اليابانية الكبيرة. تجذر التأثير الأمريكي على السياسة اليابانية في جانبين رئيسين هما: البعد الأمني الاستراتيجي، مع نهاية الحرب العالمية الثانية والهزيمة اليابانية، ثم قيام الحرب الباردة واحتلال السوفيت لجزر الكوريل في أطراف اليابان، ثم الثورة الصينية عام 1949م والحرب الكورية عام 1950م كل هذه العوامل جعلت اليابان تندفع إلى تعزيز علاقتها غير المتوازنة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، بحيث أصبحت اليابان تحت المظلة النووية الأمنية وتفتح أراضيها للقواعد الأمريكية، بل وتدفع ثمن هذه القواعد وهذه التسهيلات، مما جعل اليابان حجر الزاوية في الاستراتيجية الأمريكية في جنوب شرق آسيا، بحيث أصبح التقارب الأمريكيةالياباني الكوري الجنوبي المثلث الذي من المفترض أن يحاصر المثلث الصيني الهندي السوفيتي، وبالفعل فإن هذه الشراكة الاستراتيجية الأمنية بين اليابانوالولاياتالمتحدةالأمريكية دفعت اليابان بأن تتوسع في مجال نشاطها السياسي الخارجي في محيط جنوب شرق آسيا، وخصوصًا في تايوان ودول النمور الآسيوية الصاعدة هذه السياسة، التي أخذت من البعد الاقتصادي مدخلًا مهمًّا وجذريًّا، سواء على شكل مساعدات مالية أو تقنية أو على شكل استثمارات وفتح أسواق، وكان إطلاق العنان لليابان من قِبَل الإدارة الأمريكية في هذه المناطق يخدم مصلحة الطرفين، حيث يتم إبعاد هذه الدول الصغيرة عن التأثير السوفيتي الصيني من جانب، ومن جانب آخر ربطها باليابان وبالتالي بالولاياتالمتحدةالأمريكية. لقد استطاعت السياسة الأمريكية القائمة على فتح الأسواق وضبط الإيقاع الاقتصادي الياباني بالعجلة الاقتصادية الأمريكية، أن تربط البعد السياسي والاستراتيجي اليابانيبالولاياتالمتحدةالأمريكية، وعلى الرغم من الجهود اليابانية بتنويع ارتباطاتها الاقتصادية الدولية، إلَّا أنها فشلت في كبح جماح المغريات الأمريكية الهائلة، وبالتالي بدلًا من التنويع الاقتصادي الدولي من أجل تحرير السياسة اليابانية، أصبحت اليابان في طور المنافسة مع الصين على السوق الأمريكية، أي الولاياتالمتحدةالأمريكية، واستطاعت خلق تنافس ياباني صيني على إرضاء الولاياتالمتحدةالأمريكية في التنسيق السياسي والأمني. عدم تكافؤ الموقع في العلاقات الثنائية بين الولاياتالمتحدةواليابان يضع الأخير في موقع الخاضع للابتزاز المالي والتبعية السياسية، وتحملت اليابان تلك المرتبة الدونية طول مرحلة الحرب الباردة؛ بسبب علاقاتها السيئة جدًّا مع دول الجوار الإقليمي، خاصة الاتحاد السوفيتي والصين وكوريا، من ناحية أخرى كانت اليابان من أكثر دول العالم ترحيبًا بنهاية الحرب الباردة والإعلان عن ولادة عصر العولمة. مع نهاية الحرب الباردة باتت اليابان أمام أسئلة محرجة تجاه شعبها أولًا ومحيطها الآسيوي ثانيًا، وتجاه الدول الأخرى المشاركة في النظام العالمي الجديد ثالثًا، فلم يعد الشعب الياباني مستعدًا للقبول بالمرتبة الدونية وغير المتكافئة في علاقاته مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولم تعد اليابان تبدي استعدادًا كما في السابق لمزيد من الابتزاز الأمريكي بعد أن تصالحت مع محيطها الآسيوي، فأقامت علاقات دبلوماسية كاملة مع كوريا منذ عام 1965 وأرفقتها بمساعدات مالية كبيرة وقروض طويلة الأمد منذ عام 1969 وكان لها دور أساسي في النهوض الاقتصادي لكوريا الجنوبية، كذلك أقامت علاقات دبلوماسية كاملة مع الصين منذ عام 1972 وتصالحت معها عبر سلسلة من اللقاءات والزيارات الرسمية بين كبار مسؤولي البلدين، ولعبت المساعدات المالية والقروض طويلة الأمد وتصدير الخبرات التكنولوجية اليابانية إلى الصين دورًا أساسيًّا في التبادلات الجارية في الاقتصاد الصيني منذ عام 1978. ساهمت المعونات اليابانية في ولادة مرحلة الانفتاح الاقتصادي في الصين وعلى جميع المستويات بعد تخليها عن كثير من مقولات التطرف الثوري التي نادى بها الرئيس ماوتسي تونغ والمعروفة باسم (مبادئ الكتاب الأحمر والثورة الثقافية)، أما في عصر العولمة الجديد فقد أصبحت اليابان مضطرة إلى مراجعة دورها السابق لمواجهة استراتيجية الولاياتالمتحدةالأمريكية، فقد أدرك اليابانيون بالممارسة العملية أن حصر الرساميل الكبيرة والتكنولوجيا بالغة التطور داخل حدود اليابان، يجعل من بلدهم جزيرة معزولة عن باقي دول العالم، لذلك وظفوا قسمًا كبيرًا من الفائض المالي لديهم من إنتاجهم التقني في السوق العالمية وبأسعار أدنى كلفة من التقنيات الغربية، وهم على قناعة تامة بأن عصر العولمة سيزيد من دور اليابان على المستوى الكوني في مجال المساعدات المالية والتقنية للدول الأخرى، شرط معرفتها الدقيقة بحدود الدور الموكول لها على المستوى الكوني، بما يفرز من موقعها في النظام العالمي الجديد. لذا فتقاعس اليابان عن القيام بهذا الدور سيسبب لها عقبات كثيرة تؤدي إلى كساد سلعها، بالإضافة إلى نزاعات حادة مع الدول المتطورة والنامية على حد سواء. وتسعى اليابان إلى كسب صداقات دول جديدة وتتحاشى انفجار أي نزاع قريب مع الولاياتالمتحدة من جهة ومع الصين من جهة أخرى. وهي تعمل بإصرار على إيجاد الحلول السلمية لكثير من المشكلات العالمية. في المقابل لا تبدي الولاياتالمتحدة عداءً سافرًا لليابان على رغم الصراع الاقتصادي المضمر معها، إلَّا أنها تصر على إبقائها تحت المظلة الأمريكية كما كانت طوال النصف الثاني من القرن العشرين، وحين صاغ المستشار الأمريكي الشهير بريجنسكي شكل العلاقة الموجودة ما بين اليابانوالولاياتالمتحدة في عقد التسعينيات من وجهة نظر أمريكية، توصل إلى معادلة مختلة ترضي الأمريكيين وتضع اليابانيين في مرتبة الشريك التابع أو الملحق. فجاءت توصيته على الشكل الآتي: (إن الولاياتالمتحدة بحاجة إلى الرساميل اليابانية لتجديد مصانعها ولتطوير التكنولوجيا فيها، كما أن اليابان بحاجة إلى المظلة الأمريكية لحماية أراضيها وإلى الأسواق الأمريكية لزيادة تراكم الثروة لديها). هنا تبرز تساؤلات منهجية مهمة حول مستقبل السياسة اليابانية المعتمدة حتى الآن، وما إذا كانت ستساهم في تعزيز صورة اليابان لدى الدول النامية ومنها البلدان العربية، وهل كانت سياستها السلمية قادرة على إرجاع جزر الكوريل إلى السيادة اليابانية، وهل تم تصحيح صورة اليابان لدى الصين والكوريين وغيرها من الشعوب التي خضعت للاحتلال الياباني حتى الحرب العالمية الثانية؟ لقد أعطى النمو الاقتصادي السريع صورة لليابان تكاد تكون غير واضحة المعالم خارج أراضيها، فمن جهة مثلت اليابان نموذج الدولة الإمبريالية الأكثر بطشًا في تاريخ الدول الآسيوية حتى هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، ومن جهة أخرى قدمت نموذج الدولة المسالمة جدًّا والمنزوعة السلاح طوال النصف الثاني من القرن العشرين، هكذا يبدو مستقبل اليابان مشوشًا جدًّا، وخير ما توصف به أنها عملاق اقتصادي وقزم عسكري، مع ذلك فهي قدمت واحدة من أفضل النماذج الاقتصادية الناجحة في العالم طوال النصف الثاني من القرن العشرين، ومازالت في طليعة الدول المتطورة، من حيث جودة الإنتاج الصناعي المتطور وحجمه، والابتكارات التكنولوجية الرائدة، والتراكم المالي الهائل للرساميل المعدة للتوظيف في الخارج، وتخلت طوعًا عن مقولات حركة التحديث الأولى التي أفضت إلى السيطرة العسكرية والنزعة الإمبريالية التوسعية، وتبنت مقولات تجربة التحديث المعاصرة التي تدعو إلى الديمقراطية، والتحديث الشمولي لأهداف غير عسكرية، وإلى المشاركة النشطة في بناء نظام عالمي جديد، على أسس مغايرة تمامًا للأسس السابقة، التي كانت تشجع الحروب أو تعجز عن منعها قبل انفجارها. في هذا السياق قال علاء علي زين العابدين، أستاذ اللغة اليابانية بكلية الآداب جامعة القاهرة: المجال العسكري يعتبر أبرز جانب يعكس تبعية طوكيو للولايات المتحدةالأمريكية، بخلاف المجالات التجارية والصناعية، التي يتراجع فيها نفوذ واشنطن، مضيفًا أن قاعدة "أوكيناوا" العسكرية تعتبر شبه محمية عسكرية في اليابان، وحول رد فعل المجتمع الياباني على التدخلات الأمريكية، أكد علاء زين العابدين أن هناك حالة رفض كبيرة لهذه التدخلات، خاصة في المجال العسكري، موضحًا أن القوات اليابانية تُعرف باسم قوات الدفاع الذاتي ولا تمتلك قدرات عالية في المجال العسكري. RTL