هنريك إبسن، كاتب مسرحي نرويجي لُقِّبَ ب «أبو المسرح الحديث»، له 26 مسرحية، وشهرته تأتي بعد شكسبير عند الكثير من النقاد، وتتسم نظرته للحياة بالعمق والشمولية، ويتسم مسرحه بدقة المعمار، والاقتصاد مع تعبير شاعري دقيق، وإذا كانت مسرحياته نادرًا ما تأخذ الشكل التراجيدي؛ إلا أنها تتخذ المزاج المأساوي بشكل كبير، ولقد كتب أولى مسرحياته «كاتالينا» عام 1850م وجاءت «ميلو دراما» مليئة بالإمكانات التي لم يَرَها معاصروه. ولد في مدينة «شيين» بالنرويج، وفي عام 1844 أصبح صيدليًّا مساعدًا في «كريمستاد»، وبدأت شهرته مع ثاني مسرحية له هي «عربة المحارب»، وفي عام 1851 عمل مساعدًا في مسرح الشمال في «بركن»، ثم سافر إلى الدنمارك وألمانيا لدراسة التكنيك المسرحي، وفي عام 1854 كتب مسرحيته الشهيرة «السيدة إنجر من أوستراد»، وفي عام 1854 كتب مسرحية تتناول موضوعًا من العصور الوسطى بطريقة رومانسية شاعرية مليئة بالحديث عن أمجاد النرويج السابقة، وقد حققت قدرًا من النجاح. أصبح مديرًا فنِّيًّا للمسرح النرويجي في مدينة أوسلو، وفي عام 1863 حصل على منحة مكَّنته من زيارة إيطالياوألمانيا، وبعد ظهور مسرحية «براند» 1860 تلقى معاشًا ثابتًا من الدولة أمَّن له مستقبله. وقد اضْطُرَّ إلى الارتحال عن وطنه على أثر ما لاقاه من جحود وعزوف، وأثناء ارتحاله تجول في ربوع إيطاليا الساحرة، تلك الربوع التي كانت ملائمة لأمثاله من الأدباء والفنانين، ثم ارتحل إلى ألمانيا، وأقام أكثر وقته في مدينة «ميونخ». يعتبر إبسن من كبار مجددي الأدب المسرحي الحديث في أوروبا، ولم يكن هو مبتكر المذهب الواقعي كما يزعم الكثيرون؛ ولكنه أقوى مَنْ دفع بهذا المذهب نحو الحياة المتحررة. ومن الخصائص المميزة لمسرحه، أن مسرحياته التاريخية تمثل بداية عاصفة للواقع الاجتماعي، وتبدو هادئة مشوقة معتمدة على الحوار الدقيق. تمر اليوم ذكرى وفاته، وهو المتوفى عام 1860 في مدينة «كريستيانا». مسرحيته عدو الشعب تدور أحداثها في بلدة ساحلية، جنوبي النرويج، حيث تتسم الصلات بين أفرادها بالرِّباط الأُسري، وتتجسد الأواصر النَّفعية بين سكان هذه البلدة في شخوصٍ بعينهم؛ كصاحب المدبغة، والمطبعة ورئيس تحرير جريدة «رسول الشعب» التي تصدر في البلدة وتشكل الرأي العام لسكانها. وتدور المسرحية حول إشكالية رئيسة؛ هي الاستغلال وتضليل الرأي العام من أجل الحصول على ما يسمى بالحمامات السياحية، والعلاجية في هذه البلدة، ويتجلَّى في هذه الفكرة الاستغلالية إيثار المنفعة الشخصية على المنفعة العامة، والتحكم في مصادر الأموال، وزيادة نفوذ رجال الأحزاب، وإشكالية أخري فرعية يلفت الكاتب النظر إليها وهي مظاهر البزخ والترف التي تُضِرُ باقتصاديات البلاد؛ مما يهدد الطبقات الدنيا في هذه البلدة، وتسليط الضوء على مثل هذا النوع من القضايا طبيعةٌ ميزت هذا الكاتب على مدار تاريخه الروائي. يقول ماجد نور الدين عن الراحل: للكاتب المسرحي النرويجي هنريك ابسن مكانة فريدة في تاريخ المسرح العالمي، إذ يعتبره النقاد رائداً للمسرح الحديث وأول من أضفى على الدراما "صبغة واقعية"، فقد كانت المسرحيات السائدة في وقته هي من نوع "الميلودراما" التي تعتمد على إثارة حواس الجمهور والمؤثرات المفتعلة وهو ما كان يعرف ب "المسرحية المحكمة الصنع التي حمل لوائها بعض الكتاب الفرنسيين أمثال: سكريب وساردو وأوجيه. كان كتَاب هذه المدرسة يحاولون شدَ المتفرج إلى النسيج الدرامي المعقد لمسرحياتهم بينما هم يشدَون خيوط الحبكة المسرحية ببراعة حتى تنتهي المسرحية وقد حلَت جميع عقدها، وطبيعي أن يلجأ هؤلاء الكتاب إلى افتعال أسباب تعقيد البناء المسرحي لرواياتهم حتى يتيحوا المجال لبراعتهم وإظهارها في الوصول بالمسرحية إلى نهايتها المقررة. أما بالنسبة للمتحمسين من أنصاره مثل الكاتب "وليام آرشر" الذين كانوا يرون أن الواقعية النثرية هي ذروة الانتصار في الدراما الغربية بأسرها، فإن عظمة ابسن ترجع إلى حد كبير إلى ابتكاره طريقة درامية جديدة قائمة على المسرحية الفرنسية الجيدة الصنع، وهي طريقة استبعدت في النهاية مخاطبة الممثلين لأنفسهم والمناجاة على المسرح. بينما كان برناردشو يرى أن أهمية هذا النرويجي تكمن في إدخاله عنصر المناقشة الاجتماعية السياسية إلى المسرحية عن طريق تضاد الشخصية مثل "الشرير والمثالي" و"امرأة مسترجلة"، ولعل المناقشات الأخلاقية المستفيضة هي التي جعلت من الأفكار الابسينية مثار مناقشة وجدلاً نقدياً على مدى عقود من الزمان. أما إبراهيم العريس فيقول عن إبسن: كان شديد الغرابة، حقاً، مصير مسرحية «الأشباح» التي كتبها هنريك إبسن في عام 1881 حين كان مقيماً في روما، ولم تقدم في كريستيانا، عاصمة وطنه النروج في ذلك الحين، إلا بعد ذلك بنحو عقدين من الزمن، فهي قُدّمت في شيكاغو وباريس وغيرهما من المدن قبل ذلك. ولم يكن هذا التأخير في التقديم صدفة. ذلك أن «الأشباح» تبدت منذ نشرت للمرة الأولى، إنها أكثر مسرحيات إبسن إثارة للجدل حتى ذلك الحين على الأقلّ، بل للرفض أيضاً. ولم تكن الرقابة السياسية أو الفنية من رَفَضها بل المجتمع نفسه. والغريب أن الممثلين النروجيين كانوا في مقدم الرافضين، إذ لشهور طويلة، وعلى رغم أن الإعداد لإنتاجها اكتمل، وصار للمسرحية من السمعة (السيئة طبعاً) ما يؤهلها للحصول على نجاح جماهيري كبير، ولو كان نجاح – فضيحة، لا نجاح – إعجاب، فإن الممثلين من مواطني الكاتب رفضوا في شكل جماعي القيام بالتمثيل في المسرحية، لا سيما تمثيل دورين فيها: دور أوزفالد وريجينا. وسنعرف لماذا، بعد قليل. أما هنا فنتابع مصير هذا العمل، الذي كتبه إبسن وهو تحت تأثير فكرتين، احداهما كان استقاها من إميل زولا: نظرية الوراثة التي كان صاحب «نينا» أول من أدخلها في الروايات الأدبية، وثانيتهما كانت متعلقة بتحرر المرأة وانتفاضها ذات يوم ضد الكذب الذي يدفعها المجتمع عادة الى العيش فيه. ولئن كان إبسن سخر قبل ذلك بسنوات من دعاة تحرر المرأة، فنعرف أنه في «بيت الدمية» التي كتبها قبل «الأشباح» مباشرة، غيّر موقفه ليساند المرأة في مواقفها. ومن هنا، حين شرع في كتابة «الأشباح» وقد صارت لفكره سمة أوروبية تحررية واضحة بفضل جولاته وإقامته في إيطاليا، كان من الطبيعي أن يعطي الدور الرئيسي، مرة أخرى، لامرأة مثيراً تعاطفنا معها، جاعلاً إياها كاشفة لزيف المجتمع. كثير من القراء كتبوا آرائهم عن هنريك إبسن، ومنهم منذر عبد الرحمن الذي قال: له منزلة القديسين عند النرويجيين، أينما اشحت وجهك هنا، في النرويج، ترى إبسن، في الحدائق والمتاحف والمناهج.. أشهر من الفايكنغ في تاريخ النرويج، فهو رمز فخرهم واعتزازهم. سيغمرهم الفرح إن اخبرتهم أني قرأت في جريدة عربية عن هنريك إبسن، أما المدينة التي ولد فيها إبسن، فتُلفظ هنا، طبقاً للنرويجية، شيين وليس سكيين. لكنك حين تقرأها بالإنجليزية ستقول سكيين، ولو ذكرتها على هذا النحو لنرويجيين، لقالوا لك لا توجد في النرويج مدينة أسمها سكيين، رغم أن الاختلاف طفيف باللفظ.