مازال البعض يحاول حماية نفسه من أن يصنف في خانة المعارضة، متشدقًا بأن نظام الحكم لم يتبلور بعد، وبالتالي فإن معارضة النظام لم يحن وقتها. يرى هولاء أن النظام مازال في مرحلة التجربة والخطأ، وأن انحيازاته لم تظهر بعد، يبررون أخطاءه بقوى الثورة المضادة التي تتصدى لأي محاولة تغيير على أرض الواقع، وبإرث يثقل كاهل البلاد طوال الخمسة عقود الماضية، على الرغم من أن انحيازات النظام واضحة جدًّا، وظهرت في كل القوانين التي خرجت للنور خلال الفترة الماضية، وعبر تصريحات المسؤولين العشوائية التي جاءت كاشفة لتوجهات وانحيازات النظام. التصريح الأول الذي حظي بالنصيب الأكبر من ردود الفعل ذلك، الذي جاء على لسان وزير العدل المستقيل من أن نجل عامل النظافة لن ينضم إلى السلك القضائي، وانتهى الأمر بإقالته أو استقالته، وإن كان التصريح جاء مستفزًّا لكنه لم يأتِ بجديد، ولا يعدو كاشفًا لتوجهات نظام. ربما علينا أن نحاسب الوزير على فجاجته لكن الأهم أن نحاسب النظام على تمييزه ضد الفقراء، وضربه بعرض الحائط مواد الدستور التيأكدت على المساواة بين المواطنين وجرمت التمييز، علينا أن نحاسب الوزير لكن الأهم أن نضغط من أجل تعديل شروط قبول الملتحقين بالمؤسسة القضائية،وأولى هذه الخطوات، الاصطفاف مع المستبعدين من اختيارات النيابة؛ بسبب شرط حصول الأبوين على مؤهل عالٍ. التصريح الثاني الذي لم يحظ بما حظى به التصريح الأول، جاء على لسان الوزيرة ليلىإسكندر التي اتهمت "الصعايدة" فيه بالمسؤولية عن العشوائيات في العاصمة، وإذا كان التصريح جاء ليؤكد فشل الوزيرة في إيجاد حل للعشوائيات، فهو أيضًا يؤكد استمرار النظرة لكل ما هو خارج العاصمة؛ خاصة محافظات الصعيد باعتبارها حملًا على الوطن،وليست جزءًا منه لها نفس الحقوق في التنمية. تصريح الوزيرة يؤكد التمييز الذي يمارسه النظام ضد المواطنين على أساس التوزيع الجغرافي. أما التصريح الثالث أطلقه وزير التموين، مع موجة ارتفاع أسعار الخضروات التي ضربت الأسواق المصرية، وبدلًا من أن يطرح حلولًا للأزمة وجدناه يطالب المصريين بسخافة معهودة من المسؤولين باستبدال الطماطم بالصلصة والبامية بالكوسة، وكأن مهمة وزير التموين ليس الحفاظ على الأسعار بقدر تبربر ارتفاعها وتحديد قائمة طعام المصريين. لم تكن هذه آخر التصريحات المستفزة التي أطلقها وزراء حكومة المهندس ابراهيم محلب، فوزير الإسكان طالب المصريين بالسكن في شقق لا تتعدى ال35 مترًا، فيكون نصيب الفقراء من الوطن 35 مترًا بينما نصيب الاغنياء آلاف الكيلومترات المنهوبة. كل هذه التصريحات تؤكد توجهات النظام السياسي، وهي أن كانت مستفزة إلَّا أنها جاءت تعبيرًا عن توجهات النظام الحاكم الذي يرى في الفقراء مجرد أرقام تتحملها الحكومة، وليس عليهم إلَّا الصبر في مواجهة موجات ارتفاع الأسعار وغياب العدل الاجتماعي. نظام ينظر للفقراء باعتبارهم حمل على الأغنياء، ما يذكرنا بأغنية الشيخ إمام هتقولي الفقراء ومشاكلهم دي مشاكل عايزة التفانين وانا رأي نحلها رباني ونموّت كل الجعانين.