عندما تعقَّل الإنسان بما يكفي ليكتشف أنه يحتاج إلى شيء أكبر من مجرد القوة البدنية ليحصل على حاجاته, وعندما أخذت العلاقات الإنسانية تتعقد شيئًا فشيئًا ظهر القانون. تلك الأداة التي تطورت مع الزمن أكثر فأكثر لتنظم العلاقات بين البشر, وتحقق تكافؤ الفرص بينهم أو هكذا يفترض, واختلف الناس في فهم القانون وماهية الفرص المتساوية فالرأسماليون يرون أن تكافؤ الفرص ما هو إلَّا منح الجميع فرصًا متساوية للتنافس بشكل عادل, لا يعطي لفرد الفرصة في استغلال أداة الدولة التي يجب أن تخرج من اللعبة لاحتكار سلعة أو خدمة أو صنعة, أما الاشتراكيون فيرون أن الفرص المتكافئة التي يجب أن يتيحها القانون هي الحقوق المتساوية في الغذاء والكساء والسكن والتعليم. يسود القانون على الجميع, وذلك طبعًا في البلاد التي تراه أداة ناجزة لتسهيل الأمور وتسريعها, يسود القانون برأسماليته أو باشتراكيته لا يهم، المهم أنه مطبق ومفعل, ويحقق المرجو منه فالقانون أداة للإنجاز وتسهيل الأمور لا تعقيدها, أداة يمكن للمواطن من خلالها أن يقاضي الدولة لينال ما يراه أنه حق مسلوب له, وتلتزم الدولة بالدفاع عن نفسها أمام القاضي. أما في دولنا فالقانون له شكل مختلف تمامًا عند تطبيقه, صحيح أنه له ذات الشكل العام الموجود في دول العالمكافة، لكن التطبيق مختلف تمامًا, فبلادنا العزيزة وإن نجحت في صياغة مؤسسات قانونية شبيهة بتلك الموجودة بالدول الغربية, سواء أكانت تشريعية أو قضائية, لكن الغرض ضاع تمامًا. القانون عندنا لا يعمل بل يستعمل، يستعمل للتنكيل بمن يريد النظام التنكيل عند اللزوم, القانون عندنا لا يطبق إلَّا على الضعفاء وقليلي الحيلة, أما أصحاب السلطان فلا قدرة للقانون أن يمسهم بسوء. نظرة للضرائب التي تجنى بقانون, الموظف البسيط المقهور يدفع ضرائبه عن كل قرش يربحه, أما حيتان الأعمال والاستثمار فكم يدفعون! بل يثورون ثورة عارمة لأن الدولة قررت فرض الضرائب على أرباح البورصة ذلك العمل الطفيلي غير المنتج المواطن البسيط وحده هو من يطأه القانون, الغلبان وحده ذلك الذي لم يعلمه أحد معنى القانون, هو من يقف مذنبًا أمام ممثلي القانون ليحاسب على أخطاء ربما لم يرتكبها وربما لا يدركها، فالجهل بالقانون لا يعفي من العقوبة, أما ممثلو القانون أنفسهم فيكسرون القانون عيانًا بيانًا دون حسيب أو رقيب, فهل رأيت يومًا سيارة لقاض أو لضابط تنال مخالفة مرورية! السادة الذين يملكون كل شيء والذين يتمتعون مثلنا ببطاقة تموينية، ويحصلون على الوقود المدعم لسياراتهم الفارهة, هم الأكثر خرقًا للقانون, وهذا لا يهمني, لكن ما يقلقني حقًّا أن بعض موظفي الدولة يخرقون القانون لمجرد إثبات أن لهم سلطة وأنهم يقدرون, أو حتى لمجاملة بسيطة, ناهيك عن خرق القانون واستعماله للتربح وغير ذلك.القانون وجد ليطبق على الجميعأو لا قانون.