تصادف الجمعة الذكرى ال67 للنكبة الفلسطينية التي شهدت إقامة الكيان الصهيوني المحتل في 15 مايو عام 1948، وعلى الرغم من تحديد يوم 15 مايو ليكون ذكرى النكبة الفلسطينية، إلا أن النكبة لم تقتصر على ذلك اليوم فقط، حيث بدأت عندما تأكد زعماء اليهود من نية انسحاب بريطانيا، فقرروا في تل أبيب مايو عام 1948 تشكيل برلمان يهودي ليتم الإعلان عن قيام دولة يهودية في فلسطين تسمى " إسرائيل" وتقرر فتح باب الهجرة لكل يهود العالم للكيان الجديد، وتأكيدا على رعاية الكيان أمريكيا فقد اعترفت به الولاياتالمتحدة في اليوم التالي مباشرة، وتتالى بعدها اعتراف معظم دول العالم ودخلت هيئة الأممالمتحدة عام 1949. في اليوم التالي من إعلان قيام دولة الاحتلال، قامت جيوش بعض الدول العربية وعلى رأسها مصر والأردن وسوريا ولبنان والعراق مع مقاتلين عرب آخرين والمقاتلين الفلسطينين ببدء حرب شاملة ضد الكيان الصهيوني، ثم تحول الصراع إلى نزاع دولي، أدى عدم التنسيق وتضارب الأوامر وبعض الاتفاقيات السرية الخائنة وضعف الجيوش ونفاد الذخيرة وغيرها إلى هزيمة الجيوش العربية، واحتلال فلسطين وإقامة الكيان الصهيوني. تعتبر النكبة الفلسطينية من أسوأ الكوارث الإنسانية التي شهدها التاريخ الحديث، إذ تسببت المؤسسة الصهيونية وحلفاؤها في مقتل أكثر من 15 ألف فلسطيني تنوّعوا بين رجال ونساء وأطفال وشيوخ، وقد ارتكبت جماعات الإرهاب الصهيونية بحقهم 50 مجزرة ومذبحة عام 1948، إلى جانب ذلك كانت هذه الجماعات مسئولة عن هدم قرى وبلدات كاملة وتدميرها وتهجير أهلها أو قتلهم، واستطاعت بذلك الاستيلاء على ما يقارب من 78% من مساحة فلسطين التاريخية. في عام النكبة تم تهجير ما يقارب ال800 ألف فلسطيني، ليتوزعوا على الدول المجاورة مثل الأردن ومصر ولبنان وسوريا، وبنوا هناك مخيمات للجوئهم الذي اعتبروه مؤقتًا، لكنه أصبح دائما باستمرار الاعتداءات الصهيونية واحتلال الأراضي الفلسطينية، وبحسب الإحصائيات فإن عدد القرى والمدن الفلسطينية المهجّر أهلها في عام النكبة بلغ 531 قرية ومدينة، طهّرت عرقيًا ودُمرت كليًا، إلى جانب ذلك، هُجّر آلاف الفلسطينين داخلياً في عام النكبة أي أجبروا على النزوح لبلدات ومدن فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبقى ما يقارب ال150 ألف فلسطيني في قراهم ومدنهم، ويعرفون اليوم باسم "فلسطينيو الداخل" أو "عرب 48″. تأتي الذكرى في ظل استمرار التخاذل الرسمي العربي والدولي والعالمي مع القضية الفلسطينية على مدى عقود من النكبة والذي اعتادت عليه الأراضي والشعب الفلسطيني، والصمت الذي أصبح سياسة مؤكدة لاشك فيها، حيث يستمر الشعب الفلسطيني رغم مرور أكثر من 6 عقود على النكبة متشبثا بأرضه وبتاريخه المقاوم وبنضاله الذي لم يتوقف لحظة منذ العدوان الصهيوني على أراضيه وسط أحلام وآمال بالعودة إلى بلاده ودحر العدوان الصهيوني منها، وعلى الجانب الأخر لاتزال العديد من الدول العربية تقيم العلاقات الجيدة مع الكيان الصهيوني المحتل، اتفاقيات عربية توقع مع الاحتلال رغم أن أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني "ديفيد بن جوريون" قال فى تصريحات صحفية "لو كنت رئيسًا عربيًا، لما وقعت على اتفاقية مع إسرائيل أبدا"، ورغم ذلك يستمر الحكام العرب فى إبرام الصفقات مع قتلة الشعب الفلسطيني. اعتقالات تعسفية، تشريد مواطنين، مصادرة أراضي، إقامة مستوطنات، إحلال الهوية العربية وطمس التاريخ والمقدسات بالصبغة اليهودية، اقتحامات للمسجد الأقصى، انتهاكات حقوق الإنسان، كل هذه المشاهد تذيعها وتبثها وسائل الإعلام العربية والغربية على مرأى ومسمع من حكامها ومؤسسات حقوق الإنسان والمحاكم الدولية دون أن تهتز أو تتحرك. مر الشعب الفلسطيني بعدة محطات تاريخية هامة بعد النكبة فلم يستسلم للتخاذل العربي والتحيز العالمي لإسرائيل والتأمر على قضيته، فبدأت محاولاته بالتحرر عن طريق الكفاح المسلّح والمنظم، والتي امتدت لعقود قدّم خلالها تضحيات كثيرة تنوعت أشكالها، وبرغم أن اتفاقية أوسلو الموقعة عام 1993 جاءت خطوة لإيجاد حل سياسي للقضية بعيداً عن حمل السلاح، إلا أنها فشلت، وهو ما يؤكد أن المقاومة هي السبيل الوحيد للتحرير. ونظراً لاختلاف الشعب الفلسطيني حول الاتفاق وشرعيته، استمرت حركات متعددة في الكفاح المسلح بأشكال مختلفة، حتى قامت الانتفاضة الثانية وتبعتها سلسلة من العمليات الفدائية، وفي المقابل استمرت المساعي السياسية من جانب السلطة الفلسطينية للتوصل لاعتراف أممي بدولة فلسطينية يطلب أن تقام على 22% من أرض فلسطين التاريخية. لم تتوقف المجازر الصهيونية ولا تزال المساعي الدولية تتخاذل وتتأمر على فلسطين لصالح الكيان الصهيوني، وهنا أيقن الشعب الفلسطيني المقاوم أن الحل السياسي لن يجد نفعًا، بل هو سبيل تتخذه إسرائيل للتصعيد من انتهاكاتها ولاستنذاف الوقت والجهد وتوسيع جرائمها. بدأت فلسطين تتجة إلى المحاكم الدولية، حيث انضمت السلطة الفلسطينية رسميًا إلى الجنائية الدولية، بما يتيح لها فتح قضايا حول جرائم الكيان الصهيوني علي الأراضي الفلسطينية، كما صوتت العديد من الدول الأوروبية على الاعتراف بفلسطين حتى وصل عدد الدول المعترفة بها رسميًا ل 135 دولة حتى الآن.