«مُغامرات هكلبِيري فِن»، دُرة مارك توين، المؤسس لحداثة الرواية الأميريكية، وإحدى الدُّرر الباهرة للرواية العالمية، رواية تُدخل- إلى الأدب الأميريكي لأول مرة- المهمشين من الزنوج والفلاحين والمهاجرين، لتعرِّي البؤس الذي يخيم على هذا العالم، بعيدًا عن تقاليد الأدب الأوروبي. اعتبره الكثيرون الأب الشرعي للأدب الأمريكي، واعتبروا روايته "مغامرات هكلبيري فِن" أعظم رواية أمريكية. قال عنها "هيمنجواي": إن كل الأدب الأمريكي ينبع من رواية "هكلبيري فِن"، وهي أفضل رواية أنتجها الأدب الأمريكي حتى الآن. صدرت حديثًا النسخة الأولى للرواية بالترجمة العربية "كاملة"، دقيقة، بلا حذف أو وصاية، لتتجلَّى خلالها السمات الأسلوبية الفريدة لمبدع فريد، عن سلسلة آفاق عالمية، الصادرة عن هيئة قصور الثقافة، ترجمة وتقديم نصر عبد الرحمن. كتبت الرواية لتجسد البحث عن الحرية، إذ كتبت بعد فترة الحرب الأهلية الأمريكية، عندما كانت ردة الفعل من البيض عنيفة ضد السود، وكان توين يحاول أن ينتقد بشكل واضح التمييز العرقي والفصل العنصري المتزايد والنظرة الشائعة بأن السود لا يصلحون إلا أن يكونوا عبيدًا، فأوضح من خلال شخصية جيم عن صفاته الإنسانية السامية وعاطفته العميقة وكم أنه متشوق للحرية. يظهر في الرواية حالة الصراع الأخلاقي الذي يعيشه هاك بين القيم المسلمات في المجتمع الذي يعيش به, فضميره غير قادر في البداية على دحض هذه القيم والتي تبقى حاضرة دائمة في ذهنه, إلا أنه في النهاية يقدم على خيار أخلاقي بناء على العلاقة التي تربطه مع جيم كصديق وإدراك قيمته كإنسان, مع أنه مثل هذه القرارات لا تتوافق مع الأمور التي تعلمها منذ صغره. تبدأ القصة في مكان من نسج خيال الكاتب يدعى سانت بيترسبيرغ, ميسوري, على ضفاف نهر الميسيسيبي. كان الصبيان توم سوير وهكلبيري فين قد جمعا مبلغاً جيداً من المال من مغامراتهما السابقة (مغامرات توم سوير). وكان هاكلبيري تحت رعاية السيدة دوجلاس والتي كانت تسعى جاهدة مع أختها الآنسة واتسون أن تغير من طباعه وتجعله أكثر تحضراً وأرقى طبيعة، وكان هاك يقدر جهودهما ولكنه كان يرى في ذلك تقييداً لحياته لا يرغب فيه. ويظهر توم سوير في بداية القصة ليساعد هاك على الهرب من المنزل. ويجتمع الصبيان مع المجموعة التي كان يلتقي معهم توم سوير والذين كانوا يخططون بعض الجرائم في مغامراتهم. وتتغير حياة هاك رأساً على عقب عند الظهور المفاجئ لأبيه الكسول وعديم الحيلة "باب", وكان رجلاً سيء الأخلاق دائم السكر. وبالرغم من نجاح هاك في منع أبيه من الحصول على ما كسبه من مال إلا أن باب يأخذ هاك ليكون تحت رعايته وينتقل به إلى ناحية من الغابة حيث يغلق عليه الكوخ ويسجنه فيه. إلا أنه هاك يهرب من الكوخ ويتوجه نحو نهر الميسيسيبي. مارك توين، أحد أعمدة الرواية العالمية والأمريكية خاصةً (1835- 1910)، نزع إلى كتابة أدب أمريكي خالص، يُعبر عن الزنوج والفلاحين والمهاجرين، فقدم أعمالاً تكشف مدى البؤس والرثاثة التي تخيم على هذا العالم، بعيدًا عن تقاليد الأدب الأوربي. تتسم أعماله بالسخرية اللاذعة، الوجه الآخر للألم، وأرجحة القارئ على الحد الفاصل بين الضحك والبكاء. من أهم أعماله: "الضفدع الوثاب" (1865)، و"سُذج خارج البلاد" (1869)، "مغامرات توم سوير" (1876)، "الحياة في الميسيسبي" (1883)، و"مغامرات هكلبيري فِن" (1884). نصر عبد الرحمن، روائي ومترجم، صدر له: "أحلام العرائس المتحركة" (مجموعة قصصية-1999)،"طقوس التخلي والندم" (مجموعة قصصية- 2000)، "والنار-" (رواية-2003)، "قبلة النهايات السعيدة" (رواية- 2008)، "حبيبتي مروة" (رواية- 2012)، فاز بجائزة الترجمة في المسابقة المركزية للهيئة العامة لقصور الثقافة، عن ترجمة ديوان شعر عن اللغة الانجليزية "أن تلمح فراشة" 2013.