ربما نتعامل نحن العرب والمسلمين مع أحلامنا بمنطق الهلوسة لا التمني لنندفع خلفها بكل تخبط وبلا خطة، ننادى بالوحدة العربية دون تنظير أو إعادة نظر في مقومات القومية العربية كمنهج، نندفع خلف الخلافة الإسلامية دون دراية بفارق خلافة الفاروق من خلافة الحاكم بأمر الله. نحن بكل أسف نتراجع إلي التاريخ لندفع بالمستقبل لتكراره لا إكماله، نتوهم الفرصة عند التنمية والضرورة عند الأمن، دون جدوي الأولي أو مراجعة حقيقة الثانية, نكرر الهتاف ولا نقيم العدل، نكبر ولا نصلي، بكل أسف نحن شعوب علي هامش المستقبل وإن كنا في مقدمة التاريخ، هذا الاعتقاد هو عقدة العرب والمسلمين، هو مرجع التخلف لكتابة المستقبل. لا ندعو هنا بالتخلص من تاريخنا أو الانفصال عنه، بل ندعوا إلي تكريمه لا تكراره، وعلي هذا يجب أن ندرك أن لا ميعاد للخلافة إلا ليوم الميعاد, ولا قومية لنا بلا وطنية، ولا وطنية لنا بلا دين، وأننا نبتدئ لا ننتهى، عندما نراجع أنفسنا لا نتراجع عنها لموروثنا، وإذا كنا نرى في التراجع ضرورة فيجب أن يكون هذا التراجع للأمام، بمعنى أن نوظف خيبات التاريخ لصياغة المستقبل وأمجاده كقوة دفع لتلك الصياغة لا التغني بها. فليس بموت ناصر تكون نهاية العروبة وإن كانت كذلك في أذهان القوميين، كما أن خلافة العثمانيين لم تكن آخر خلافة بل خلافة الراشدين التي كانت هي الأولي وقبل الأخيرة، وما بينهما ممالك علي شرف البداية والنهاية. فإذا كنا يوماً نطمح لأولادنا ببداية مختلفة فعلينا أن نعلمهم أن تاريخنا بكل ما فيه لم ينته، وأن جيلا من أولادهم سيكتب آخر فصوله، وأن كل هزائمنا هي مراحل لا أقدار، وأن انتصاراتنا منقوصة بكونها جولات في صراع ممتد لا منتهي، وأن المستقبل لا يتراجع للخلف ولكننا نحن من يجب أن نتراجع بدروسه للأمام، كل تلك الثوابت ليست مثالية مبالغا فيها، بل هو ما يجب أن يكون من التاريخ ليكون المستقبل كما نريد، بالتراجع عند نقاطه الفاصلة أو عند أقصي تراجع لقوس التاريخ لينطلق منه سهم المستقبل متجاوزا تراجع القوس حيث خيبات التاريخ. ما نعنيه أننا يجب أن نتراجع إلي سجل سيناء العسكري لنصيغ على قالبه خارطة تنميتها، نتراجع إلي القناة برحلتها من المؤامرة إلي التأميم لندرك خطورة ازدواجها وضرورة توظيفه كمدخل تنمية وإلا ستوظفه المؤامرة كمانع استراتيجي يعيد أسوأ ما في تاريخنا، نتراجع لندرك أن التاريخ لا ينتهي أو ينفصل ولا يقبل التكرار المشروط، وأنه هو من يفرض علينا المستقبل إن لم نتراجع إلي أبوابه لنمتلك مفاتيحها وندافع عنها على طريق مستقبلنا ومصيرنا. بهذا، وليس بدون هذا نكون كما كنا بكل أسف، أو نكون كما ينبغي أن نكون بكل فخر.