إذا تشابهت مانشتيات الصحف القومية والخاصة، فإننا أمام ثلاثة خيارات لا رابع لهم، الأول أن الصحف بتنوعها من حيث شكل الإدارة وطبيعة رأس المال الذي ينفق عليها، سقطت في بئر التعبير، والدفاع عن السلطة وليس الناس، أو أن هذه الصحف، لا تمارس المهنة، واكتفت بما يرسل إليها من بيانات أو أوامر، أو أنك تعيش في دولة لا تنتج خبرًا، مجتمع هادئ، لا يعج بأزمات، ولا تنتشر في أركانه قضايا الفساد والمفسدين، دولة ليس لها وزن في العالم، وبالتالي تنتظر الصحف الخبر بفارغ الصبر، حتى تتمكن من الخروج للنور. ربما نفهم ذلك، في بلد غير مصر، وفي ظرف تاريخي غير الذي نعيشه، أما في بلد من الطبيعي أنه يمثل محور المنطقة، حدوده مشتعلة، يعيش فترة ما بعد ثورة أو ما كانت من المفترض أن تمثل ما بعد ثورة، بما تمثله من أزمات، واستحقاقات انتخابية وقوانين جديدة تصدر، يعج بالأزمات الداخلية، من فقر وبطالة، وأزمات طاقة، اقتصاده على حافة الهاوية، فتن طائفية، وأزمة فكرية، وهروب إلى الماضي، وصراع بين التنوير والرجعية، فلن يكون أمامنا إلَّا خيار، أن هذه الصحف لا تمثل المجتمع، وإنما تمثل السلطة. وبنظرة للمتحكمين في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، سنجد أنهم ينقسمون إلى قسمين: الأول، الصحف القومية والتليفزيون المصري، وهي وسائل اعتادت أن تمثل توجهات السلطة، منذ نشأتها، وبالتالي هم تعبير عن الحاكم، أيًّا كانت توجهاته، أما القسم الثاني "الصحف والقنوات الفضائية الخاصة"، المملوكة لرجال الأعمال العائدين من كهف نظام مبارك المخلوع، والمستفيدين من فترة حكمه، ممن كونوا رؤوس أموالهم خلالها، وهم يعتبرون النظام السياسي الحالي، ضمانة للحفاظ على مصالحهم، في مواجهة التيارات السياسية التي تطالب بالعدل الاجتماعي، وهم يصنفون هذه التيارات في خندق العداء لهم؛ لأنها تطالب باقتصاد قائم على استغلال الإمكانيات أفضل استغلال وتوزيع عادل للثروة، والقضاء على الفساد وسيطرة رجال الأعمال على مقدرات الوطن، وبالتالي هم يدافعون عن السلطة، باعتبارها تمثلهم في الحكم، يبدو ذلك طبيعيًّا، في مجتمع تقتصر فيه وسائل الإعلام على هذين الصنفين، خاصة أن ما يتردد عن "حياد الإعلام"، لن تجده إلَّا في الكتب الأكاديمية، وفي الحقيقية لا يوجد إعلام محايد، وقمة الحياد، أن تحاول أن تبدو كذلك، أو تسمح بعرض وجهة النظر المخالفة، فوسائل الإعلام منذ نشأتها، منذ الكتابة على الحائط أو طبع البيانات قبل الصحف، تخرج برسالة للناس. وبالتالي فإن الإعلام المصري، يبدو أنه سقط في "حفرة" لن يخرج منها قريبًا، إلَّا إذا تمكنت قوى الثورة الحقيقية من إبداع وسائل إعلامية تعبر عن أهدافها، وسائل لا ترتبط برجال أعمال لهم مصلحة في بقاء الوضع كما هو عليه، وسائل تطور المهنة، وتعبر عن الناس وأحلامهم، تحترم الصحفي وتعتبره ناقل حقيقة وليس مجرد أفاق سلطة، فهل يمكننا فعل ذلك؟