نقيب المحامين: أوهام "إسرائيل الكبرى" تعيد إحياء أطماع استعمارية بائدة    عميد كلية الصيدلة بجامعة الجلالة الأهلية تعلن عن مميزات برنامج "Pharm‐D"    وزير الخارجية: الحفاظ على الأمن المائي المصري لن يضر المصالح التنموية لدول حوض النيل    جولة ميدانية لرئيس شركة مياه الإسكندرية لمتابعة الأداء وتحسين مستوى الخدمات    وزير الخارجية يؤكد علي أهمية تعزيز التواجد الاقتصادي المصري في القارة الإفريقية    جيش الاحتلال: مستمرون في استخدام القوة لتفكيك سلاح حزب الله    البرهان متمسكا بدحر الدعم السريع: لا مهادنة ولا مصالحة    لقطات من وصول وسام أبو علي لأمريكا للانضمام لفريق كولومبوس كرو    الداخلية تكشف ملابسات فيديو لأشخاص مقيدة في سيارات نقل حال سيرها بالمنوفية    الحفاظ على النيل.. لقاء توعوي لذوي الهمم ضمن فعاليات قصور الثقافة    ناقدة فنية عن أزمة أحمد عبد العزيز مع معجب: الفنان ليس ملكية عامة بالكامل    نجاح جراحة نادرة لتركيب مفصل فخذ لمريض عمره 105 أعوام بمستشفى العجوزة    حالة الطقس غدا الجمعة 15-8-2025 في محافظة الفيوم    تأهل 4 مصريات لنهائي السيدات ببطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عاما    السبت.. عرض أولى حلقات حكاية "بتوقيت 28" على dmc    السكة الحديد: خفض مؤقت لسرعات القطارات بسبب ارتفاع الحرارة    تسليم لجان امتحانات الدور الثاني بالثانوية العامة لرؤسائها استعدادًا لانطلاقها السبت    رسميًا.. جدول امتحانات الثانوية العامة الدور الثاني 2025 كامل pdf    وزير الإسكان: 18 و19 أغسطس الجاري..إجراء 3 قرعات علنية لتسكين المواطنين بأراضي توفيق الأوضاع بالعبور الجديدة    بماذا نأخذ سياسة هذه الجريدة؟    الزمالك يصرف مقدمات عقود لاعبيه للموسم الجديد ويعد بالانتظام في المستحقات    من مقاومة الاحتلال والملكية إلى بناء الإنسان والجمهورية الجديدة.. معارك التنوير مستمرة    25 ألف.. هل سيتم سحب فيلم "المشروع X"؟    عاجل.. الأهلي يتجه لطلب حكام أجانب لمباراته أمام بيراميدز بالدوري    اليوم.. آخر موعد لحجز شقق الإسكان الأخضر 2025 في 9 مدن جديدة (تفاصيل)    طريقة عمل الكيكة العادية فى البيت بمكونات اقتصادية    مستشفى صحة المرأة بجامعة أسيوط تنظم برنامجا تدريبيا عن معايير GAHAR للسلامة    قصور الثقافة بالمنيا تحتفي بوفاء النيل بعروض الفنون الشعبية    أسامة نبيه: حققنا مكاسب كثيرة من تجربة المغرب    الرقابة المالية تصدر معايير الملاءة المالية للشركات والجهات العاملة في أنشطة التمويل غير المصرفي    علشان يسرق فلوسه.. قليوبي ينهي حياة جاره المسن داخل منزله    إسرائيل تحذر لبنانيين من الاقتراب إلى مناطقهم الحدودية جنوب البلاد    بسبب خلافات أسرية.. الإعدام شنقاً للمتهم بقتل زوجته وإضرام النيران في مسكنهما بالشرقية    إي إف جي القابضة تواصل مسيرة النمو الاستثنائية بأداء قوي خلال الربع الثاني من عام 2025    الائتلاف المصري يستعد لمراقبة انتخابات الإعادة: خطط عمل وأدوات رصد للتنافسية داخل 5 محافظات    خارطة طريق للمؤسسات الصحفية والإعلامية    قرار قاسي في انتظاره.. تفاصيل عفو الزمالك عن فتوح وشرط جون إدوارد    «عيب يا كابتن».. هاني رمزي يرفض دفاع جمال عبدالحميد عن جماهير الزمالك في أزمة زيزو    عمر الشافعي سكرتيرًا عامًا وإيهاب مكاوي سكرتيرًا مساعدًا بجنوب سيناء    الليلة.. انطلاق فعاليات الدورة الثالثة من «مسرح الغرفة والفضاءات» بالإسكندرية    السيسي يوجّه بتحويل تراث الإذاعة والتلفزيون المصري إلى وسائط رقمية    ما حكم اللطم على الوجه.. وهل النبي أوصى بعدم الغضب؟.. أمين الفتوى يوضح    بيان رسمي.. توتنهام يدين العنصرية ضد تيل بعد خسارة السوبر الأوروبي    شقيقة زعيم كوريا الشمالية: لا نرغب فى تحسين العلاقة مع الجنوب.. وتنفي إزالة مكبرات الصوت    سعر الأسمنت اليوم الخميس 14- 8-2025.. بكم سعر الطن؟    «الأعلى للطاقة» يناقش توفير القدرة الكهربائية ل14 مشروعًا صناعيًا جديدًا    ضبط موظف بمستشفى لاختلاسه عقاقير طبية ب1.5 مليون جنيه    الداخلية تضبط عدة تشكيلات عصابية تخصصت في السرقات بالقاهرة    فرنسا ترسل تعزيزات لدعم إسبانيا في مكافحة الحرائق    رئيسة القومي للطفولة تزور الوادي الجديد لمتابعة الأنشطة المقدمة للأطفال    ريبيرو يراجع خطة مواجهة فاركو في المران الختامي للأهلي    مع اقتراب موعد المولد النبوي 2025.. رسائل وصور تهنئة مميزة ب«المناسبة العطرة»    100 منظمة دولية: إسرائيل رفضت طلباتنا لإدخال المساعدات إلى غزة    خالد الجندي: حببوا الشباب في صلاة الجمعة وهذه الآية رسالة لكل شيخ وداعية    «100 يوم صحة» تُقدم 45 مليونًا و470 ألف خدمة طبية مجانية في 29 يومًا    أدعية مستجابة للأحبة وقت الفجر    التايمز: بريطانيا تتخلى عن فكرة نشر قوات عسكرية فى أوكرانيا    في ميزان حسنات الدكتور علي المصيلحي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤسسات الدولة فقدت المصداقية في عيون المصريين وتراجعت ثقتهم فيها خالص خالص !
نشر في الدستور الأصلي يوم 07 - 07 - 2010

لم تكن أزمة مقتل الشاب السكندري خالد سعيد مجرد تعذيب والسلام، ولم تكن تعبيراً عن وصول مصر إلي شريعة الغاب مرة أخري، ولم تكن مجرد حالة من الاستفزاز ولدتها تصريحات قيادات كبيرة في وزارة الداخلية، كانت تري أن «موضوع خالد سعيد أخذ أكثر من حجمه» في إشارة إلي نفس الثقافة التي تتعامل بها الدولة ورموزها مع حياة المواطن المصري .
لم تكن أزمة خالد سعيد مجرد تأكيد، لأن الدولة في مصر لم تع أن الأمور تغيرت وأن المجتمع بدأ يخرج عن «الوصاية» التي تسعي دائما لأن وجود بها، ولم تدرك أن الزمن الذي تشعر فيه السلطة السياسية بأن جزءاً من دورها «تأديب» المواطن قد انتهي بلا رجعة.
ولكن فوق هذا كله كانت قضية «شهيد التعذيب» كاشفة لأزمة أكبر، وهي أن مؤسسات الدولة فقدت كل مصداقيتها وتراجعت ثقة الناس فيها إلي أبعد حد ممكن، وهو الأمر الذي يكشف عن «تحلل الدولة ذاتها» بمؤسساتها المختلفة، وهي مؤسسات لها أهمية كبري في المجتمع.
فقد أكدت أزمة خالد سعيد أن الثقة العامة في مؤسسات الدولة تراجعت بشكل حاد، ظهر هذا في التشكيك والنقد والاتهامات التي تم توجيهها إلي مصلحة الطب الشرعي في أعقاب التقرير الذي أصدره حول وفاة الشاب السكندري ومدي إحساس المواطنين بعدم معقولية رواية «لفافة البانجو» والإحساس العارم بأن التقرير ملفق لصالح وزارة الداخلية ورجالها حتي يخرجها من ورطتها وحتي لا يذهب - التقرير - برجالها إلي محكمة الجنايات بتهمة القتل العمد وهي فضيحة سيدفع ثمنها النظام بالكامل من سمعته أمام الرأي العام الداخلي والدولي .
هذا الأمر خطورته أن تراجع الثقة في مؤسسة كالطب الشرعي معناه ببساطة تراجع الثقة في مؤسسات العدالة ذاتها والتي يمثل الطب الشرعي أحد رموزها، لا سيما مع اعتماد القضاة علي هذه التقارير في الحكم بين الناس.
الأمر لم يقف عند حد فقدان الثقة في مؤسسة مهمة وخطيرة كالطب الشرعي، بل إن الإحساس بعدم مصداقية مؤسسات الدولة بدأ مع تشكيك الناس في بيان وزارة الداخلية حول الحادث وهو البيان الذي وصف بأنه غير دقيق وغير منطقي ويشبه الحادث بصورة أشبه بالكوميديا، لا سيما مع قصة «لفافة البانجو» التي تندر بها الجميع وأصبح صورة لمدي فقدان المصداقية في الوزارة التي تؤكد السوابق بداخلها وجود حالات واسعة من التعذيب في السجون وأقسام الشرطة وهنا ظهر أن الثقة في هذه الوزارة بات جليا وتم التعبير عنه لأول مرة في صورة انتقادات معلنة وتظاهرات عارمة عمت القاهرة والإسكندرية، وكان الأخطر هنا هو أن تتحول مؤسسة هدفها الأول والأساسي توفير الأمن - في عيون المواطنين - إلي مؤسسة تحمي أبناءها حتي لو اتهموا بالاعتداء علي الحق في الحياة وليس فقط الحق في الأمن .
ومع تصاعد موجة انعدام الثقة في مؤسسات الدولة وصلت الحالة لذروتها مع رمز آخر من رموز السلطة في مصر وهو الإعلام لا سيما المكتوب منه، وهو الأمر الذي ظهر واضحاً في صورة مظاهرات نظمها ناشطون سياسيون أمام صحيفة الجمهورية الرسمية، فضلا عن التهديد بمظاهرات مماثلة أمام صحيفة الأهرام احتجاجاً علي ما أسموه تزويراً للحقائق في قضية الشاب «شهيد الطوارئ» واعتبار الناشطين أن هذه المؤسسات الإعلامية تدافع عن الدولة بشتي الطرق بل إن الأمر وصل - في وجهة نظرهم - إلي خروج هذه المؤسسات عن قيم اجتماعية راسخة تحترم حرمة الموتي وهو ما خالفته هذه الصحف عندما اتهمت الشاب القتيل في سلوكه واتهمته بإدمان المخدرات والانحراف السلوكي دفاعاً عن الدولة، وترسخ اعتقاد المواطنين أكثر عندما عدلت هذه الصحف مرة أخري عن سلوكها في مواجهة خالد سعيد والتزمت «موضوعية أكثر» بعد صدور قرار النيابة بإحالة الشرطيين المتهمين بقتل سعيد إلي محكمة الجنايات وهو الأمر الذي لم تتوقعه هذه الصحف فيما يبدو فظهرت بشكل مرتبك من هول المفاجأة .
كل هذا حدث بسبب قضية خالد سعيد التي وإن كانت قد صدمت الناس بحالة تعذيب قاسية وفجة وغير إنسانية فقد صدمت الجميع بحالة فقدان تام لمصداقية الدولة وثقتها في عيون المواطنين وهنا مكمن الخطر .. ولكن لا أحد سيسمع غالبا، فالدولة في مصر لا تسمع إلا صوتها ولا تري إلا كل ما يمدح في سلوكها ومواقفها، أما أن تكون الدولة منتقدة فهذا ما لا تراه ولا تسمعه ولا تتعامل معه إلا بطريقة واحدة هي .. لا أري لا أسمع لا أتكلم واللي مش عاحبه يخبط راسه في أقرب حيطة.
الطب الشرعي.. حياد مفترض.. وضغوط في القضايا السياسية بالترهيب أو الترغيب والنتيجة : فقدان الإحساس بالعدالة!
هيئة الطب الشرعي في مصر هيئة تابعة للدولة أو بمعني آخر هيئة حكومية تضع تقارير «فنية» وعلمية يستعين بها القضاء في الحكم فيما يسمي في القانون «بجرائم النفس» مثل الضرب والقتل والسرقة بالإكراه وغيرها وهي بهذا تقوم بدور مهم وخطير إذ إنها تقوم بالدور الأهم في وصول القاضي إلي الحقيقة عبر التقرير العلمي الذي يضعه الطبيب الشرعي لأن القاضي لا يكون مؤهلا علميا لأن يفسر أمورا تخضع للطب ويكون الرأي العلمي هو الفيصل فيها.
وقد كشفت أزمة الشاب المقتول خالد سعيد عن مشكلة حقيقية فيما يتعلق بثقة المواطنين في الطب الشرعي في مصر ، فبالعودة إلي ملف القضية نجد أن الطب الشرعي قد وضع تقريرين في هذا الشأن وكانت محصلة التقريرين أن الشاب السكندري مات نتيجة ابتلاع «لفافة» من مخدر البانجو نتج عنها إصابته بإسفكسيا الخنق مما أدي إلي وفاته والملفت في الأمر أن تقرير الطب الشرعي كان مطابقا لبيان وزارة الداخلية في هذا الشأن وهو البيان الذي قال إن الشاب قد مات لنفس السبب .
الأمر لم يقف عند هذا الحد ، فقد كانت ردود الأفعال بالغة الغضب بين التيارات السياسية والمتابعين لقضية خالد سعيد فقد توالت صيحات التشكيك والهجوم علي الطب الشرعي وعلي واضعي التقرير وتصاعدت الاتهامات التي تؤكد أن الطب الشرعي تحول إلي " مؤسسة تابعة بالكامل لما تريده الحكومة " بل ووصلت الاتهامات إلي القول بان الطب الشرعي شريك في قتل خالد سعيد بالتواطؤ ومحاولة تبرئة المتهمين من رجال الشرطة وكان الملفت أيضا أن يتم الإعلان عن مظاهرة لعدد من الناشطين السياسيين يتم تنظيمها أمام مبني مصلحة الطب الشرعي في محاولة لإعلان الغضب من التقرير الذي صدر وأعفي المتهمين في القضية من تهمة القتل العمد، وهو ما جعل النيابة تكتفي بتوجيه تهمتي «استعمال القسوة والقبض بلا وجه حق» علي الشاب خالد سعيد ، وهنا ظهر أن الطب الشرعي كجهة يفترض أن تكون محايدة وأن يتم التعامل معها علي هذا الأساس فقدت الإحساس بالحياد في عيون الناس وبالتالي أصبحت هدفا للهجوم والنقد والتظاهر .
محمد الدمياطي عضو مجلس نقابة المحامين ومقرر لجنة الحريات يري أن الناس لم تثق في تقرير الطب الشرعي الذي يتعلق بخالد سعيد كجزء من عدم تصديق نظام الحكم بشكل عام مضيفا أن «معظم الناس لا تثق في الحكومة لذلك فلا ثقة في الطب الشرعي لأنه مؤسسة حكومية».
وأضاف الدمياطي: تقارير الطب الشرعي تكون نزيهة ومحايدة بدرجة كبيرة في كل القضايا التي تكون بين الأفراد العادية لكنها «للأسف» لا تكون كذلك في القضايا التي يكون فيها المتهم موظفاً عاماً لا سيما رجال الشرطة ، مرجعا ذلك إلي ما سماها بالضغوط التي يتعرض لها صاحب التقرير سواء بالترهيب أو بالترغيب لذلك فإن التقرير في هذه الحالة يأتي غير محايد وغير مطابق للواقع ضاربا المثل بقضية الشاب خالد سعيد التي «أشار الواقع إلي حدوث تعذيب فيها بالفعل وعدم منطقية الحديث عن ابتلاعه لفافة من مخدر البانجو».
ولفت الدمياطي إلي أن خطورة فقدان الثقة في مؤسسة مثل الطب الشرعي هي في فقدان الإحساس بالعدالة إذ إن القاضي يلجأ إلي هذه التقارير عندما يحكم بين الناس وإذا لم يثق الناس في تقرير الطب الشرعي فلن تكون هناك ثقة في عدالة حكم القاضي الذي يستند إليه وهنا يكون البديل للناس في حالة عدم قدرتهم علي الحصول علي حقوقهم عن طريق القضاء أن يحصلوها بالطرق العنيفة وهو ما يعيدنا إلي شريعة الغاب علي حد قوله.
وقال الدمياطي إن قضية خالد سعيد هي مثال نستطيع أن نقيس عليه باقي القضايا التي تكون فيها الأمور بنفس الشكل وهو ما يؤكد ضرورة أن يكون الطب الشرعي محايداً وألا يتعرض لضغوط تخرجه عن حياده من أجل صالح المجتمع فلا يجوز أن يكون صالح نظام الحكم أهم من صالح المجتمع بأكمله.
الداخلية ... خطاب غير منطقي وغير مقنع في مواجهة غضب الناس وسخريتهم وتظاهراتهم !
أمين اسكندر: التشكيك في موقف وزارة الداخلية جزء من فقدان النظام لشرعية القبول الجماهيري!
منذ اللحظة الأولي ظهر التباين شاسعاً جداً بين ما تقوله وزارة الداخلية فيما يتعلق بقضية خالد سعيد وما يعتقد الناس بصحته، هذا الاعتقاد الذي تدعمه شهادات الشهود عن الواقعة.
منذ اللحظة الأولي ظهر مشهدان، المشهد الأول هو إصرار وزارة الداخلية علي أن تنفي التهمة عن رجالها حتي وإن كان هذا الأمر عبر حديث غير منطقي وغير مقنع لا سيما مع بشاعة حادث الاعتداء علي الشاب القتيل فقد كان بيان وزارة الداخلية حول الواقعة يتبني نفس النهج المتبع في مثل هذه القضايا، وهو نهج «التبرير» و«التبرئة لرجالها» ثم اتهام «جهات ما» باستغلال الحدث في مكاسب خاصة أو مكاسب سياسية، لم تدرك الداخلية يوما أن هذا الكلام انتهي زمنه وأن هذا الأسلوب لم يعد مقنعا مع وجود إعلام خاص بعيد عن إعلام الدولة ومنظمات حقوقية تتابع وترصد ومواطنين أصبحوا أكثر جرأة في قول الحقيقة.
أما المشهد الآخر فقد كان مرتبطا بردود الأفعال علي بيان الداخلية وموقفها وتبنتها تيارات سياسية ومواطنين عاديين قابلت موقف الداخلية بالنقد والتشكيك والسخرية والمظاهرات بما كشف عن انعدام تام للثقة في بيانات ومواقف الوزارة وهو ما جعل - الوزارة - تصمت ولا تصدر أي بيانات أو معلومات أخري عن الحادثة وبالطبع لم نسمع عن إيقاف رجال الوزارة المتهمين عن العمل أو إحالتهم للتحقيق مما رسخ من مساحة انعدام الثقة بينها وبين المواطنين ومتابعي القضية.
هذا الأمر هو أبرز ما كشفت عنه قضية «شهيد التعذيب» خالد سعيد فقد أكدت انعدام تام للثقة في مؤسسة من أهم المؤسسات في الدولة ورصدت حجم الفجوة ومساحة التشكك في كل ما تقوله وزارة المفترض أن دورها الرئيسي هو توفير الأمن للمواطنين لا التغطية علي الاعتداء علي حقهم في الحياة ذاتها.
هذا الأمر يراه أمين اسكندر الباحث والقيادي بحزب الكرامة - تحت التأسيس - تأكيد لغياب شرعية نظام الحكم ذاته قائلا: «الشرعية تعني قبول الناس بالسلطة الحكمة والسلطة هنا تعني الهيئات والوزارات والمؤسسات المختلفة فإذا ما فقدت الناس الثقة في هذه المؤسسات فقد غابت الشرعية عن السلطة بشكل عام».
وأضاف: «عندما يشعر المواطنون بأن السلطة ليست صادقة فيما تقوله يحدث ما سماه بالحواجز بين المواطن وبينها».
وأشار اسكندر إلي أن إحساس الناس بالظلم طوال الوقت خلق فقداناً للمصداقية بين الدولة والمواطن لذلك لم يعد كلامها مهما ولا مؤثرا فيه قائلا: «الظلم منتشر الآن في كل القطاعات والهيئات والمؤسسات حتي القضاء به ظلم لأن العدل البطيء هو نوع من الظلم علي حد قوله».
وقال اسكندر إن الإحساس بفقدان المصداقية وصل إلي كل القطاعات فمع فقدان المصداقية في السلطة التنفيذية كيف يثق المواطن في السلطة التشريعية رغم أن الصوت الانتخابي لا ينتج عنه نجاح من يمثله إلا في حالات قليلة جداً؟.
وأشار إسكندر إلي أن الدولة في مصر لا تحترم أي شرعية لافتا إلي أن «تزوير انتخابات مجلس الشوري إهانة للمواطن ذاته» ومع ذلك فإن النظام لا يهتم بالمواطن ولا بقضاياه.
وقال اسكندر: إن خطورة أن يفقد المواطن ثقته في مؤسسات الدولة هو أن عزلة النظام الحاكم ستزيد وستصبح «السلطة في واد والمواطن في واد آخر»، وهو ما سيدفع ثمنه غالبا نظام الحكم الذي سيضطر المواطن إلي التصدي له بعد أن انفصل عن همومه ومشكلاته الملحة.

الإعلام الرسمي... مصداقية مفقودة ودفاع دائم عن الدولة .. لا تراجع ولا استسلام
ليس جديداً أن يتم اتهام الإعلام الرسمي في مصر «بمحاباة السلطة» وتبني وجهات نظر نظام الحكم بالكامل، وليس جديداً أن يتبني هذا الإعلام الذي يدعو إلي المهنية والموضوعية ليل نهار وجهة نظر وزارة الداخلية، ولا أن يشوه مواطناً بعد وفاته علي يد «تنظيم التعذيب» في وزارة الداخلية، ولكن الجديد هنا بالضبط هو أن يتظاهر مئات من النشطاء السياسيين أمام صحيفة قومية مملوكة للشعب - الجمهورية - احتجاجاً علي ما اعتبروه «تزييفا للحقائق» في قضية خالد سعيد و«تبني وجهة نظر وزارة الداخلية» التي هي وجهة نظر الدولة فضلاً عن الدعوة للتظاهر أمام مؤسسة إعلامية أخري مملوكة للشعب أيضا - الأهرام - احتجاجاً علي تغطية الصحيفة للحدث نفسه واتهامها بإغفال الحقائق المهمة في الموضوع دفاعا عن الدولة، التظاهر أمام صحيفة الجمهورية والدعوة لتكرار الأمر نفسه أمام مبني صحيفة أخري هي الأهرام يكشف عن أن المؤسسات الإعلامية الرسمية في مصر فقدت ثقة الناس تماماً ليس فقط عبر السخرية مما تكتبه أو رفضه بل عن طريق التظاهر ضد هذه المؤسسات.
الغريب في الأمر أن تغطية هذه الصحف لقضية خالد سعيد في أعقاب صدور قرار النيابة بإحالة اثنين من ضباط الشرطة إلي محكمة الجنايات رسخ قاعدة فقدان الثقة في هذه المؤسسات «فعلي الرغم من أنها تبنت قبل هذا القرار تغطية منحازة ضد شهيد التعذيب»، وعلي الرغم من أنها جرحت في الشاب واتهمته بأنه «شهيد البانجو» وأنه منحرف ومدمن مخدرات وإلي آخر قائمة التهم عادت بعد ذلك لتؤكد أن العقوبة التي تنتظر الشرطيين المتهمين قد تصل إلي الأشغال الشاقة المؤقتة - 15 عاماً - فضلاً بالطبع عن تراجعها عن كل الاتهامات التي تم توجيهها للشاب القتيل أو الاتهامات التي كانت توجهها - هذه الصحف الرسمية - إلي كل المدافعين عن خالد سعيد.
تراجع ثقة الناس في الإعلام الرسمي وفقدانه للمصداقية في عيونهم والدعوات للتظاهر ضده يراها جمال فهمي عضو مجلس نقابة الصحفيين تحولاً في رؤية الناس لهذا الإعلام من أنه مجرد إعلام تابع للسلطة أن هذه الصحف مجرد نشرات تصدرها الدولة إلا أن المواطن بدأ يشعر أن هذه الصحف أصبحت صحفاً «معادية للمواطنين تماما».
و يؤكد فهمي أن ما حدث من تظاهرات ضد جريدة الجمهورية والدعوة لتظاهرات مماثلة أمام جريدة الأهرام يكشف ما سماه ب«التحول الكيفي» فقد بدا للمواطن أن هذه الصحف تحولت من مرحلة «انعدام المصداقية» إلي مرحلة «انعدام الضمير»، ولذلك بدأ يتحرك في مواجهتها لأنه وجد أنها جزء أصيل مما يعانيه من قهر وفساد واستبداد، ورغم أن هناك سوابق تؤكد هذا الأمر فإنه اكتشف تحولها من مرحلة انعدام المهنية إلي مرحلة انعدام الضمير.
وقال فهمي: إن هذه الأمور تظهر وقت أزمات المجتمع عندها يكتشف المواطن أن هناك آلة إعلامية تنحاز للسلطة في مواجهته رغم ضعفه في مواجهة هذه السلطة، لافتا إلي أن مظاهرات يناير 1977 شهدت مظاهرات وهتافات صاخبة أمام مؤسستي الأهرام والأخبار كرمز من رموز الحكم.
ومع ذلك فإن فهمي يؤكد أن الإعلام الحكومي ليس معناه فقط ملكية الدولة للوسيلة الإعلامية، بل إن الأمر يتعدي ذلك إلي وجود صحف خاصة حكومية أيضا وهي الصحف التي تظهر في شكل الخاصة المنحازة للناس ولكنها تقدم إعلاماً سطحياً ويخدم قضايا السلطة فقط وليس أحداً آخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.