عباس شراقي: فيضانات السودان غير المعتادة بسبب تعطل توربينات سد النهضة    البداية الرقمية للنقل الذكي في مصر.. تراخيص إنترنت الأشياء للمركبات تدخل حيز التنفيذ    وزير الإسكان: بدء تصنيف حالات الإيجار القديم وفق شرائح الدخل    لماذا كل هذه العداء السيساوي لغزة.. الأمن يحاصر مقر أسطول الصمود المصري واعتقال 3 نشطاء    مقتل شخص وإصابة 15 في هجوم روسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية    تشكيل منتخب مصر أمام نيوزيلندا في كأس العالم للشباب    سلوت عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء أمام جالاتا سراي: رفاهية الخيارات المتعددة    خطة إطاحة تتبلور.. مانشستر يونايتد يدرس رحيل أموريم وعودة كاريك مؤقتا    مصرع 7 عناصر إجرامية وضبط كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة في مداهمة بؤرة خطرة بالبحيرة    الأرصاد: الخريف بدأ بطقس متقلب.. واستعدادات لموسم السيول والأمطار    مفتي الجمهورية يبحث مع وفد منظمة شنغهاي آليات التعاون ضد التطرف والإسلاموفوبيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 1102025    ماجد الكدوانى ومحمد على رزق أول حضور العرض الخاص لفيلم "وفيها ايه يعنى".. صور    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    محافظ القاهرة يناقش ملف تطوير القاهرة التراثية مع مستشار رئيس الجمهورية    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    بعد رصد 4 حالات فى مدرسة دولية.. تعرف علي أسباب نقل عدوى HFMD وطرق الوقاية منها    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    البورصة المصرية.. أسهم التعليم والخدمات تحقق أعلى المكاسب بينما العقارات تواجه تراجعات ملحوظة    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟ أمين الفتوى يجيب.. فيديو    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    أحمد موسى: حماس أمام قرار وطنى حاسم بشأن خطة ترامب    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    داعية: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار(فيديو)    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    البنك الزراعي المصري يحتفل بالحصول على شهادة الأيزو ISO-9001    محمود فؤاد صدقي يترك إدارة مسرح نهاد صليحة ويتجه للفن بسبب ظرف صحي    مصر تستضيف معسكر الاتحاد الدولي لكرة السلة للشباب بالتعاون مع الNBA    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    بعد 5 أيام من الواقعة.. انتشال جثمان جديد من أسفل أنقاض مصنع المحلة    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    حسام هيبة: مصر تفتح ذراعيها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    كونتي: لن أقبل بشكوى ثانية من دي بروين    «مش عايش ومعندهوش تدخلات».. مدرب الزمالك السابق يفتح النار على فيريرا    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    بيدري يعلق على مدح سكولز له.. ومركزه بالكرة الذهبية    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤسسات الدولة فقدت المصداقية في عيون المصريين وتراجعت ثقتهم فيها خالص خالص !
نشر في الدستور الأصلي يوم 07 - 07 - 2010

لم تكن أزمة مقتل الشاب السكندري خالد سعيد مجرد تعذيب والسلام، ولم تكن تعبيراً عن وصول مصر إلي شريعة الغاب مرة أخري، ولم تكن مجرد حالة من الاستفزاز ولدتها تصريحات قيادات كبيرة في وزارة الداخلية، كانت تري أن «موضوع خالد سعيد أخذ أكثر من حجمه» في إشارة إلي نفس الثقافة التي تتعامل بها الدولة ورموزها مع حياة المواطن المصري .
لم تكن أزمة خالد سعيد مجرد تأكيد، لأن الدولة في مصر لم تع أن الأمور تغيرت وأن المجتمع بدأ يخرج عن «الوصاية» التي تسعي دائما لأن وجود بها، ولم تدرك أن الزمن الذي تشعر فيه السلطة السياسية بأن جزءاً من دورها «تأديب» المواطن قد انتهي بلا رجعة.
ولكن فوق هذا كله كانت قضية «شهيد التعذيب» كاشفة لأزمة أكبر، وهي أن مؤسسات الدولة فقدت كل مصداقيتها وتراجعت ثقة الناس فيها إلي أبعد حد ممكن، وهو الأمر الذي يكشف عن «تحلل الدولة ذاتها» بمؤسساتها المختلفة، وهي مؤسسات لها أهمية كبري في المجتمع.
فقد أكدت أزمة خالد سعيد أن الثقة العامة في مؤسسات الدولة تراجعت بشكل حاد، ظهر هذا في التشكيك والنقد والاتهامات التي تم توجيهها إلي مصلحة الطب الشرعي في أعقاب التقرير الذي أصدره حول وفاة الشاب السكندري ومدي إحساس المواطنين بعدم معقولية رواية «لفافة البانجو» والإحساس العارم بأن التقرير ملفق لصالح وزارة الداخلية ورجالها حتي يخرجها من ورطتها وحتي لا يذهب - التقرير - برجالها إلي محكمة الجنايات بتهمة القتل العمد وهي فضيحة سيدفع ثمنها النظام بالكامل من سمعته أمام الرأي العام الداخلي والدولي .
هذا الأمر خطورته أن تراجع الثقة في مؤسسة كالطب الشرعي معناه ببساطة تراجع الثقة في مؤسسات العدالة ذاتها والتي يمثل الطب الشرعي أحد رموزها، لا سيما مع اعتماد القضاة علي هذه التقارير في الحكم بين الناس.
الأمر لم يقف عند حد فقدان الثقة في مؤسسة مهمة وخطيرة كالطب الشرعي، بل إن الإحساس بعدم مصداقية مؤسسات الدولة بدأ مع تشكيك الناس في بيان وزارة الداخلية حول الحادث وهو البيان الذي وصف بأنه غير دقيق وغير منطقي ويشبه الحادث بصورة أشبه بالكوميديا، لا سيما مع قصة «لفافة البانجو» التي تندر بها الجميع وأصبح صورة لمدي فقدان المصداقية في الوزارة التي تؤكد السوابق بداخلها وجود حالات واسعة من التعذيب في السجون وأقسام الشرطة وهنا ظهر أن الثقة في هذه الوزارة بات جليا وتم التعبير عنه لأول مرة في صورة انتقادات معلنة وتظاهرات عارمة عمت القاهرة والإسكندرية، وكان الأخطر هنا هو أن تتحول مؤسسة هدفها الأول والأساسي توفير الأمن - في عيون المواطنين - إلي مؤسسة تحمي أبناءها حتي لو اتهموا بالاعتداء علي الحق في الحياة وليس فقط الحق في الأمن .
ومع تصاعد موجة انعدام الثقة في مؤسسات الدولة وصلت الحالة لذروتها مع رمز آخر من رموز السلطة في مصر وهو الإعلام لا سيما المكتوب منه، وهو الأمر الذي ظهر واضحاً في صورة مظاهرات نظمها ناشطون سياسيون أمام صحيفة الجمهورية الرسمية، فضلا عن التهديد بمظاهرات مماثلة أمام صحيفة الأهرام احتجاجاً علي ما أسموه تزويراً للحقائق في قضية الشاب «شهيد الطوارئ» واعتبار الناشطين أن هذه المؤسسات الإعلامية تدافع عن الدولة بشتي الطرق بل إن الأمر وصل - في وجهة نظرهم - إلي خروج هذه المؤسسات عن قيم اجتماعية راسخة تحترم حرمة الموتي وهو ما خالفته هذه الصحف عندما اتهمت الشاب القتيل في سلوكه واتهمته بإدمان المخدرات والانحراف السلوكي دفاعاً عن الدولة، وترسخ اعتقاد المواطنين أكثر عندما عدلت هذه الصحف مرة أخري عن سلوكها في مواجهة خالد سعيد والتزمت «موضوعية أكثر» بعد صدور قرار النيابة بإحالة الشرطيين المتهمين بقتل سعيد إلي محكمة الجنايات وهو الأمر الذي لم تتوقعه هذه الصحف فيما يبدو فظهرت بشكل مرتبك من هول المفاجأة .
كل هذا حدث بسبب قضية خالد سعيد التي وإن كانت قد صدمت الناس بحالة تعذيب قاسية وفجة وغير إنسانية فقد صدمت الجميع بحالة فقدان تام لمصداقية الدولة وثقتها في عيون المواطنين وهنا مكمن الخطر .. ولكن لا أحد سيسمع غالبا، فالدولة في مصر لا تسمع إلا صوتها ولا تري إلا كل ما يمدح في سلوكها ومواقفها، أما أن تكون الدولة منتقدة فهذا ما لا تراه ولا تسمعه ولا تتعامل معه إلا بطريقة واحدة هي .. لا أري لا أسمع لا أتكلم واللي مش عاحبه يخبط راسه في أقرب حيطة.
الطب الشرعي.. حياد مفترض.. وضغوط في القضايا السياسية بالترهيب أو الترغيب والنتيجة : فقدان الإحساس بالعدالة!
هيئة الطب الشرعي في مصر هيئة تابعة للدولة أو بمعني آخر هيئة حكومية تضع تقارير «فنية» وعلمية يستعين بها القضاء في الحكم فيما يسمي في القانون «بجرائم النفس» مثل الضرب والقتل والسرقة بالإكراه وغيرها وهي بهذا تقوم بدور مهم وخطير إذ إنها تقوم بالدور الأهم في وصول القاضي إلي الحقيقة عبر التقرير العلمي الذي يضعه الطبيب الشرعي لأن القاضي لا يكون مؤهلا علميا لأن يفسر أمورا تخضع للطب ويكون الرأي العلمي هو الفيصل فيها.
وقد كشفت أزمة الشاب المقتول خالد سعيد عن مشكلة حقيقية فيما يتعلق بثقة المواطنين في الطب الشرعي في مصر ، فبالعودة إلي ملف القضية نجد أن الطب الشرعي قد وضع تقريرين في هذا الشأن وكانت محصلة التقريرين أن الشاب السكندري مات نتيجة ابتلاع «لفافة» من مخدر البانجو نتج عنها إصابته بإسفكسيا الخنق مما أدي إلي وفاته والملفت في الأمر أن تقرير الطب الشرعي كان مطابقا لبيان وزارة الداخلية في هذا الشأن وهو البيان الذي قال إن الشاب قد مات لنفس السبب .
الأمر لم يقف عند هذا الحد ، فقد كانت ردود الأفعال بالغة الغضب بين التيارات السياسية والمتابعين لقضية خالد سعيد فقد توالت صيحات التشكيك والهجوم علي الطب الشرعي وعلي واضعي التقرير وتصاعدت الاتهامات التي تؤكد أن الطب الشرعي تحول إلي " مؤسسة تابعة بالكامل لما تريده الحكومة " بل ووصلت الاتهامات إلي القول بان الطب الشرعي شريك في قتل خالد سعيد بالتواطؤ ومحاولة تبرئة المتهمين من رجال الشرطة وكان الملفت أيضا أن يتم الإعلان عن مظاهرة لعدد من الناشطين السياسيين يتم تنظيمها أمام مبني مصلحة الطب الشرعي في محاولة لإعلان الغضب من التقرير الذي صدر وأعفي المتهمين في القضية من تهمة القتل العمد، وهو ما جعل النيابة تكتفي بتوجيه تهمتي «استعمال القسوة والقبض بلا وجه حق» علي الشاب خالد سعيد ، وهنا ظهر أن الطب الشرعي كجهة يفترض أن تكون محايدة وأن يتم التعامل معها علي هذا الأساس فقدت الإحساس بالحياد في عيون الناس وبالتالي أصبحت هدفا للهجوم والنقد والتظاهر .
محمد الدمياطي عضو مجلس نقابة المحامين ومقرر لجنة الحريات يري أن الناس لم تثق في تقرير الطب الشرعي الذي يتعلق بخالد سعيد كجزء من عدم تصديق نظام الحكم بشكل عام مضيفا أن «معظم الناس لا تثق في الحكومة لذلك فلا ثقة في الطب الشرعي لأنه مؤسسة حكومية».
وأضاف الدمياطي: تقارير الطب الشرعي تكون نزيهة ومحايدة بدرجة كبيرة في كل القضايا التي تكون بين الأفراد العادية لكنها «للأسف» لا تكون كذلك في القضايا التي يكون فيها المتهم موظفاً عاماً لا سيما رجال الشرطة ، مرجعا ذلك إلي ما سماها بالضغوط التي يتعرض لها صاحب التقرير سواء بالترهيب أو بالترغيب لذلك فإن التقرير في هذه الحالة يأتي غير محايد وغير مطابق للواقع ضاربا المثل بقضية الشاب خالد سعيد التي «أشار الواقع إلي حدوث تعذيب فيها بالفعل وعدم منطقية الحديث عن ابتلاعه لفافة من مخدر البانجو».
ولفت الدمياطي إلي أن خطورة فقدان الثقة في مؤسسة مثل الطب الشرعي هي في فقدان الإحساس بالعدالة إذ إن القاضي يلجأ إلي هذه التقارير عندما يحكم بين الناس وإذا لم يثق الناس في تقرير الطب الشرعي فلن تكون هناك ثقة في عدالة حكم القاضي الذي يستند إليه وهنا يكون البديل للناس في حالة عدم قدرتهم علي الحصول علي حقوقهم عن طريق القضاء أن يحصلوها بالطرق العنيفة وهو ما يعيدنا إلي شريعة الغاب علي حد قوله.
وقال الدمياطي إن قضية خالد سعيد هي مثال نستطيع أن نقيس عليه باقي القضايا التي تكون فيها الأمور بنفس الشكل وهو ما يؤكد ضرورة أن يكون الطب الشرعي محايداً وألا يتعرض لضغوط تخرجه عن حياده من أجل صالح المجتمع فلا يجوز أن يكون صالح نظام الحكم أهم من صالح المجتمع بأكمله.
الداخلية ... خطاب غير منطقي وغير مقنع في مواجهة غضب الناس وسخريتهم وتظاهراتهم !
أمين اسكندر: التشكيك في موقف وزارة الداخلية جزء من فقدان النظام لشرعية القبول الجماهيري!
منذ اللحظة الأولي ظهر التباين شاسعاً جداً بين ما تقوله وزارة الداخلية فيما يتعلق بقضية خالد سعيد وما يعتقد الناس بصحته، هذا الاعتقاد الذي تدعمه شهادات الشهود عن الواقعة.
منذ اللحظة الأولي ظهر مشهدان، المشهد الأول هو إصرار وزارة الداخلية علي أن تنفي التهمة عن رجالها حتي وإن كان هذا الأمر عبر حديث غير منطقي وغير مقنع لا سيما مع بشاعة حادث الاعتداء علي الشاب القتيل فقد كان بيان وزارة الداخلية حول الواقعة يتبني نفس النهج المتبع في مثل هذه القضايا، وهو نهج «التبرير» و«التبرئة لرجالها» ثم اتهام «جهات ما» باستغلال الحدث في مكاسب خاصة أو مكاسب سياسية، لم تدرك الداخلية يوما أن هذا الكلام انتهي زمنه وأن هذا الأسلوب لم يعد مقنعا مع وجود إعلام خاص بعيد عن إعلام الدولة ومنظمات حقوقية تتابع وترصد ومواطنين أصبحوا أكثر جرأة في قول الحقيقة.
أما المشهد الآخر فقد كان مرتبطا بردود الأفعال علي بيان الداخلية وموقفها وتبنتها تيارات سياسية ومواطنين عاديين قابلت موقف الداخلية بالنقد والتشكيك والسخرية والمظاهرات بما كشف عن انعدام تام للثقة في بيانات ومواقف الوزارة وهو ما جعل - الوزارة - تصمت ولا تصدر أي بيانات أو معلومات أخري عن الحادثة وبالطبع لم نسمع عن إيقاف رجال الوزارة المتهمين عن العمل أو إحالتهم للتحقيق مما رسخ من مساحة انعدام الثقة بينها وبين المواطنين ومتابعي القضية.
هذا الأمر هو أبرز ما كشفت عنه قضية «شهيد التعذيب» خالد سعيد فقد أكدت انعدام تام للثقة في مؤسسة من أهم المؤسسات في الدولة ورصدت حجم الفجوة ومساحة التشكك في كل ما تقوله وزارة المفترض أن دورها الرئيسي هو توفير الأمن للمواطنين لا التغطية علي الاعتداء علي حقهم في الحياة ذاتها.
هذا الأمر يراه أمين اسكندر الباحث والقيادي بحزب الكرامة - تحت التأسيس - تأكيد لغياب شرعية نظام الحكم ذاته قائلا: «الشرعية تعني قبول الناس بالسلطة الحكمة والسلطة هنا تعني الهيئات والوزارات والمؤسسات المختلفة فإذا ما فقدت الناس الثقة في هذه المؤسسات فقد غابت الشرعية عن السلطة بشكل عام».
وأضاف: «عندما يشعر المواطنون بأن السلطة ليست صادقة فيما تقوله يحدث ما سماه بالحواجز بين المواطن وبينها».
وأشار اسكندر إلي أن إحساس الناس بالظلم طوال الوقت خلق فقداناً للمصداقية بين الدولة والمواطن لذلك لم يعد كلامها مهما ولا مؤثرا فيه قائلا: «الظلم منتشر الآن في كل القطاعات والهيئات والمؤسسات حتي القضاء به ظلم لأن العدل البطيء هو نوع من الظلم علي حد قوله».
وقال اسكندر إن الإحساس بفقدان المصداقية وصل إلي كل القطاعات فمع فقدان المصداقية في السلطة التنفيذية كيف يثق المواطن في السلطة التشريعية رغم أن الصوت الانتخابي لا ينتج عنه نجاح من يمثله إلا في حالات قليلة جداً؟.
وأشار إسكندر إلي أن الدولة في مصر لا تحترم أي شرعية لافتا إلي أن «تزوير انتخابات مجلس الشوري إهانة للمواطن ذاته» ومع ذلك فإن النظام لا يهتم بالمواطن ولا بقضاياه.
وقال اسكندر: إن خطورة أن يفقد المواطن ثقته في مؤسسات الدولة هو أن عزلة النظام الحاكم ستزيد وستصبح «السلطة في واد والمواطن في واد آخر»، وهو ما سيدفع ثمنه غالبا نظام الحكم الذي سيضطر المواطن إلي التصدي له بعد أن انفصل عن همومه ومشكلاته الملحة.

الإعلام الرسمي... مصداقية مفقودة ودفاع دائم عن الدولة .. لا تراجع ولا استسلام
ليس جديداً أن يتم اتهام الإعلام الرسمي في مصر «بمحاباة السلطة» وتبني وجهات نظر نظام الحكم بالكامل، وليس جديداً أن يتبني هذا الإعلام الذي يدعو إلي المهنية والموضوعية ليل نهار وجهة نظر وزارة الداخلية، ولا أن يشوه مواطناً بعد وفاته علي يد «تنظيم التعذيب» في وزارة الداخلية، ولكن الجديد هنا بالضبط هو أن يتظاهر مئات من النشطاء السياسيين أمام صحيفة قومية مملوكة للشعب - الجمهورية - احتجاجاً علي ما اعتبروه «تزييفا للحقائق» في قضية خالد سعيد و«تبني وجهة نظر وزارة الداخلية» التي هي وجهة نظر الدولة فضلاً عن الدعوة للتظاهر أمام مؤسسة إعلامية أخري مملوكة للشعب أيضا - الأهرام - احتجاجاً علي تغطية الصحيفة للحدث نفسه واتهامها بإغفال الحقائق المهمة في الموضوع دفاعا عن الدولة، التظاهر أمام صحيفة الجمهورية والدعوة لتكرار الأمر نفسه أمام مبني صحيفة أخري هي الأهرام يكشف عن أن المؤسسات الإعلامية الرسمية في مصر فقدت ثقة الناس تماماً ليس فقط عبر السخرية مما تكتبه أو رفضه بل عن طريق التظاهر ضد هذه المؤسسات.
الغريب في الأمر أن تغطية هذه الصحف لقضية خالد سعيد في أعقاب صدور قرار النيابة بإحالة اثنين من ضباط الشرطة إلي محكمة الجنايات رسخ قاعدة فقدان الثقة في هذه المؤسسات «فعلي الرغم من أنها تبنت قبل هذا القرار تغطية منحازة ضد شهيد التعذيب»، وعلي الرغم من أنها جرحت في الشاب واتهمته بأنه «شهيد البانجو» وأنه منحرف ومدمن مخدرات وإلي آخر قائمة التهم عادت بعد ذلك لتؤكد أن العقوبة التي تنتظر الشرطيين المتهمين قد تصل إلي الأشغال الشاقة المؤقتة - 15 عاماً - فضلاً بالطبع عن تراجعها عن كل الاتهامات التي تم توجيهها للشاب القتيل أو الاتهامات التي كانت توجهها - هذه الصحف الرسمية - إلي كل المدافعين عن خالد سعيد.
تراجع ثقة الناس في الإعلام الرسمي وفقدانه للمصداقية في عيونهم والدعوات للتظاهر ضده يراها جمال فهمي عضو مجلس نقابة الصحفيين تحولاً في رؤية الناس لهذا الإعلام من أنه مجرد إعلام تابع للسلطة أن هذه الصحف مجرد نشرات تصدرها الدولة إلا أن المواطن بدأ يشعر أن هذه الصحف أصبحت صحفاً «معادية للمواطنين تماما».
و يؤكد فهمي أن ما حدث من تظاهرات ضد جريدة الجمهورية والدعوة لتظاهرات مماثلة أمام جريدة الأهرام يكشف ما سماه ب«التحول الكيفي» فقد بدا للمواطن أن هذه الصحف تحولت من مرحلة «انعدام المصداقية» إلي مرحلة «انعدام الضمير»، ولذلك بدأ يتحرك في مواجهتها لأنه وجد أنها جزء أصيل مما يعانيه من قهر وفساد واستبداد، ورغم أن هناك سوابق تؤكد هذا الأمر فإنه اكتشف تحولها من مرحلة انعدام المهنية إلي مرحلة انعدام الضمير.
وقال فهمي: إن هذه الأمور تظهر وقت أزمات المجتمع عندها يكتشف المواطن أن هناك آلة إعلامية تنحاز للسلطة في مواجهته رغم ضعفه في مواجهة هذه السلطة، لافتا إلي أن مظاهرات يناير 1977 شهدت مظاهرات وهتافات صاخبة أمام مؤسستي الأهرام والأخبار كرمز من رموز الحكم.
ومع ذلك فإن فهمي يؤكد أن الإعلام الحكومي ليس معناه فقط ملكية الدولة للوسيلة الإعلامية، بل إن الأمر يتعدي ذلك إلي وجود صحف خاصة حكومية أيضا وهي الصحف التي تظهر في شكل الخاصة المنحازة للناس ولكنها تقدم إعلاماً سطحياً ويخدم قضايا السلطة فقط وليس أحداً آخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.