أصبحت العودة إلى الزراعة العضوية هي الحل للعديد من الصعوبات التي تواجهها الزراعة الحديثة، والتي اعتمدت في مدخلاتها على المواد الكيميائية، سواء في التسميد أو مقاومة الآفات، بعد أن كثر الحديث عن المشاكل المترتبة على استخدام تلك المواد على صحة الإنسان والبيئة. هذا بجانب ارتفاع أسعار تلك المواد في الأسواق المحلية وصعوبة الحصول عليها. وتشير الدراسات إلى أن قدماء المصريين هم أول من وضع أسس الزراعة العضوية منذ سبعة آلاف عام، فقد اهتموا بتسميد الأراضي بالمواد العضوية، ثم توارثتها الأجيال حتى عام 1800 بعد الميلاد. ومع الزيادة المستمرة في عدد السكان وتناقص الرقعة المنزرعة والطلب المتزايد على المنتجات الزراعية، تطلب الأمر ضرورة التوسع الرأسي في الإنتاج الزراعي، فبدأ الاستخدام المكثف والمتزايد للأسمدة والمبيدات والكيماويات، فكان تكثيف استخدام مستلزمات الإنتاج الزراعي أحد الأساليب التنموية المستخدمة، حتى أصبحت الصبغة الكيماوية من سمات الزراعة المصرية؛ تماشيًا مع الاتجاه العالمي الذي عرف بالثورة الخضراء. ومن جانبه قال الدكتور إمام الجمسى خبير الاقتصاد الزراعي إن الزراعة المصرية كانت تعتمد في مدخلاتها على المواد العضوية (الأسمدة – مكافحة الآفات)، إلا أن الزيادة المستمرة في عدد السكان وتناقص الرقعة المنزرعة والطلب المتزايد على المنتجات الزراعية أدَّيا إلى ضرورة التوسع الرأسي في الإنتاج الزراعي، فبدأ الاستخدام المكثف والمتزايد للأسمدة والمبيدات والكيماويات، فكان تكثيف استخدام مستلزمات الإنتاج الزراعي أحد الأساليب التنموية المستخدمة، حتى أصبح "الكيماوي" من إحدى سمات الزراعة المصرية؛ لأنها محفزة للإنتاج، وتم استخدام المبيدات للآفات الحشرية؛ مما يؤدي إلى مضاعفة الإنتاج الزراعى. وأوضح الجمسي أن الإفراط في استخدام الكيماويات أثر بالسلب على التربة والحيوان، مشددًا على أنه شديد الخطورة على الإنسان الذى لا يراعي عامل الأمان أثناء استخدام تلك المبيدات، والتي تؤثر على أجهزة جسمه المختلفة، خاصة التنفسي، بجانب الأمراض التي تصيب الإنسان نتيجة متبقيات المبيدات في النبات مصدر غذاء الإنسان، الأمر الذي أسرع في ظهور موجة مضادة أطلق عليها "الزراعة النظيفة والعضوية"، والتى تعتمد فى التسميد والمقاومة على مواد طبيعية وغير كيماوية. إلا أن إنتاجية هذه الزراعة أقل من الزراعة التقليدية والكيماوية؛ ولذلك تطرح بأسعار مرتفعة لتغطية تكاليف إنتاجها، الأمر الذي يؤدي في نهاية الأمر إلى أن تكون مصدر غذاء للأغنياء فقط من الشعب المصري. وقال الدكتور يوسف حمدي مدير المركز المصري للزراعة العضوية إنه مع انتشار الآثار السلبية للكيماويات المستخدمة على البيئة والإنسان، تعالت الأصوات بالتحول إلى الإنتاج الزراعي الآمن والنظيف، ومن هنا بدأ اهتمام وزارة الزراعة المصرية بتشجيع الزراعة النظيفة، فتضمنت استراتيجية التنمية الزراعية تقليل استخدام المبيدات والأسمدة الكيماوية من 34 ألف طن سنويًّا عام 1971 إلى أقل من 3 آلاف طن عام 2002، بالإضافة إلى منع استيراد نحو 3000 مبيد ضار، وتم التوسع في برنامج المكافحة المتكاملة، وتطبيق الزراعة النظيفة الخالية من المبيدات والكيماويات، خاصة في محافظات الوادي الجديد والفيوم والإسماعيلية، وتطبيق الزراعة العضوية في المشروع القومي لتنمية جنوب الوادي وإنشاء المعمل المركزي للزراعة العضوية، والبدء في إعداد القانون المصري للزراعة العضوية، بالإضافة إلى إصدار قرار باعتبار منطقة شرق العوينات منطقة زراعة عضوية. وأشار حمدي إلى أن وزارة الزراعة أصدرت عدة قرارات، منها القرار رقم 289 لعام 1994 بإنشاء المعمل المركزي لتحليل متبقيات المبيدات والعناصر الثقيلة في الأغذية، والذي يقوم بتنفيذ برنامج مراقبة تلوث المنتجات الزراعية في الأسواق بصفة مستمرة، والقرار رقم 379 لسنة 1997 لمراقبة الصادرات الزراعية إلى دول العالم؛ للحد من الصادرات الملوثة، والقرار الوزاري رقم 669 لسنة 1998 بشأن الآفات الزراعية؛ للحفاظ على صحة الإنسان والبيئة وتقليل مخاطر استخدام المبيدات إلى أقل حد ممكن، بجانب القرار الوزاري الخاص بالبدء في زراعة بعض المحافظات دون استخدام مبيدات، مثل محافظتي شمال سيناء والوادي الجديد. وأكد مدير المركز المصري للزراعة أن هناك عدة معوقات تقف حائلاً أمام اتباع الزراعة العضوية في مصر، من أهمها غياب السياسات المحلية الزراعية الداعمة للزراعة العضوية، وغلبة التشريعات البيروقراطية؛ مما يعوق التصدير إلى الجهات المستوردة وفي مواعيدها المناسبة، لافتًا إلى أن قصور التشريعات الوطنية المتعلقة بالزراعة العضوية ونقص أجهزة التفتيش والاعتماد المحلية مع وجود مع وجود الهيئات الأجنبية عالية التكلفة وقفت أمام التوسع في الزراعة البيولوجية. هذا بجانب ارتفاع أسعار التجزئة للمنتجات العضوية بمقارنتها بالعادية؛ مما لا يشجع المستهلكين على الاستفادة من المنتجات العضوية، خاصة مع انخفاض دخل الغالبية العظمى منهم، وغياب الدور الفعال الذي يمكن أن تلعبه الجمعيات الأهلية والقطاع الخاص في نشر وتكوين شبكات الإنتاج العضوي. وتابع حمدي أن السبيل الوحيد لنشر الزراعات العضوية هو قيام الجهات البحثية والتنفيذية بالتعاون مع المنتجين والمصدرين؛ لوضع خطة استراتيجية مشتركة "متوسطة - طويلة الأمد"، بالإضافه إلى وضع رؤية علمية وتحديد العقبات الجذرية التي تعوق تحقيق هذه الرؤية، ووضع الاتجاهات والحلول وتحديد الأهداف العامة والمحددة، وكذلك الخطة السنوية للزراعة العضوية على مستوى جميع محافظات مصر، وضرورة اتباع دورة زراعية وزراعة النباتات البقولية في الدورة، هذا بخلاف ضرورة دعم مصانع الأسمدة العضوية، حيث تقدر كمية المخلفات النباتية في الريف المصري بحوالي 38 مليون طن سنويًّا، بالإضافة إلى 12 مليون طن روث جاف يتم إهدار أكثر من 60% منها كوقود في مواقد بدائية لا تتعدى كفاءتها 10%، وأخيرًا عقد دورات تدريبية لمديري المزارع العضوية والعادية؛ لتنمية الوعي لديهم بمزايا الزراعة العضوية في مختلف النواحي البيئية والاقتصادية والصحية،على أن تتم الاستفادة في هذه الدورات بالإمكانيات المتوفرة بالمعمل المركزي للزراعة العضوية بمركز البحوث الزراعية.